واجب التحسب لمخاطر محتملة

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

بقلم: عدلي صادق

يؤسفنا في هذا الخضم الفلسطيني العسير، أن نستمر في التعقيب على ما حدث في غزة، على الرغم من فداحة الألم الذي أحس به الشعب الفلسطيني، لسقوط الشهداء في الضفة، ما يعني أن الإحتلال يزداد تغولاً، وأن حاجتنا الى الوئام الوطني أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، لأن هناك حديث بدأ خافتاً عن ضغوطات جديدة، وربما تستحث عدواناً همجياً، لإخلاء قطاع غزة من السلاح الثقيل!

يُفترض أن يكون الرأي العام الوطني، قد استقر على أن انقضاض حماس على الشارع الفلسطيني ممثلاً في حراك "بدنا نعيش" هو الخطيئة الثانية الكبرى، في كل تجربتها، بعد انقضاضها على السلطة الفلسطينية، في منتصف العام 2007. وليس أدل على فداحة الأولى وكونها كبيرة، من قول حماس  أنها تريد المصالحة مع قيادة السلطة بعد أن غادرت الأخيرة كل المشتركات التي كانت تجمعها مع حماس في العام 2007 وبعد أن أطاحت المؤسسات واختصت غزة وجميع أطيافها بالإقصاء. إن ذلك يعادل الإعتراف، بأن الإنقلاب في العام 2007 كان عملاً أضعف الموقف الفلسطيني الوطني وورقته السياسية، وفتح المجال لتدمير المؤسسات، وأدخل الساحة الفلسطينية في سجالات ومتاهات سمحت بالانفلات على كل صعيد، وأتاح لقيادة السلطة نفسها أن تنقلب على غزة بذريعة انقلاب حماس. أما الخطيئة الثانية، ففداحتها كانت في مفاقمة تشتت الشارع الفلسطيني، والتأسيس لبغضاء اجتماعية مقيمة، والمزيد من التعذية لكراهية الأجيال الشابة لحماس، ما يُضعف مناعة غزة ويسهل على إسرائيل  تشديد الخناق عليها.

 كان الحراك المطلبي للشباب في مجتمع سُدت في وجهه كل سبل الحياة وتعطلت كل سياقاته الإجتماعية والاقتصادية، حقاً مكفولاً لهم حسب كل شرائع البشر والسماء. وكان بمقدور سلطة حماس إنكار هذا الحق، أو مناقشة أصحابه، دون أن تعطي لنفسها أي حق في تعذيب الشباب. فقد خسرت هذا الحركة المقربين منها من الشخصيات والفصائل والقوى الاجتماعية وحتى الغالبية العظمى من الصامتين أو الذين امتنعوا عن توجيه الإنتقادات لها. لأن استخدام الهراوات  والإنقضاض على البيوت، وتعذيب الشباب وإهانة الكبار المحترمين والمناضلين والأسرى المحررين، وإثخانهم بالجراح، عمل لا يليق بفصيل أو تنظيم يتبنى فكرة تحرر وفكرة التدين والإلتزام بأخلاقيات الإسلام، ويدفع عن نفسه شبهة العنف وحتى مظنة الإرتباط العضوي بجماعة "الإخوان". وهناك مشكلة أخرى جانبية لكنها شديدة الخطورة، وهي تطبيع حواس الشُبان المجندين في سلك القوة الأمنية الحمساوية، من حاملي الهراوات الذين هجموا على بيةت أبناء شعبهم، على هذا الشكل من العنف، على ما يتطلبه من غَل وأفكار خاطئة، لكي يسترخصوا كرامات الناس وآلامها، وهذا جانب جدُ خطير.  

 لم يكن جائزاً، أصلاً،  اتهام الحراك بأنه عمل من تحريض وصنع الأجهزة الأمنية في رام الله، لأن الشباب هم أعلم الناس بأن السلطة في رام الله سدت الآفاق في وجوههم، وحرمت الألاف منهم ومن آبائهم من حقوقهم الوظيفية وبخاصة حقوقهم في رواتبهم. وهذا لا ينفي أن تحاول أجهزة أمنية استغلال الحراك، فهذا ما يمكن أن يصاحب أية تظاهرة في أي بلد، في مناخات الخصومة، لكن مثل هذه التدحلات تكون  هامشية ومحدودة للغاية.

لسنا في حاجة الى المزيد من الشرذمة في المجتمع، ولا الى الممارسات التي أجاد المعلقون الحياديون والمؤرخون الموضوعيون في تعريتها، ذلك علماً بأن العدو لن يكتفي لاحقاً بالهدنة، وهناك ماحتمال قوي  أن يركز لاحقاً على مطلب إخلاء غزة من السلاح الثقيل، بينما مصلحة الشعب الفلسطيني في الحفاظ على القدرة العسكرية المتاحة للدفاع عن النفس، وبالتالي فإن مصلحة حماس التي تمتلك السلاح الثقيل، كسب محبة الشارع وليس كراهيته، لكي لا يقول الناس في اللحظات العسيرة: وماذا عن السلاح الخفيف .. أيضاً؟