ثمن المغالاة في العلو

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

طلال عوكل

لم يكن ترامب ليؤكد نيته، الإعلان عن سيادة إسرائيل على الجولان قبل القمة العربية التي تنعقد في الثلاثين من هذا الشهر في العاصمة التونسية، لو أنه كان يتوقع ردود فعل عربية جدية.
كما فعل العرب، فرادى وجماعات، إزاء موقف الولايات المتحدة من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فإن الولايات المتحدة، لا تخشى من أن يكرر العرب، الإعلان عن مواقف نظرية، رافضة للموقف الأميركي من الجولان، ولكن دون أي ترجمة عملية فاعلة لهذه المواقف.
الولايات المتحدة ماضية في سياساتها وقراراتها العملية نحو تطبيق "صفقة القرن" دون انتظار، وتلك تشمل بطبيعة الحال إضفاء غطاء القوة الأميركي على رغبة إسرائيل في فرض سيادتها على الجولان.
عملياً، إسرائيل كانت قد أعلنت ضم الجولان قبل عقود، ولكن أي دولة في العالم لم تعترف بذلك، بما في ذلك الولايات المتحدة ومن واقع الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، وعدم الرغبة في الاصطدام بالسياسة العربية التي سترفض أي مساس بالأراضي المحتلة العام 1967.
حسب وزير الخارجية الأميركية، فإن الربّ أهدى لإسرائيل رئيساً للولايات المتحدة اسمه دونالد ترامب، لكن ليس لحماية إسرائيل كما يقول ترامب، وإنما أيضاً، ليضاعف مكتسبات وإنجازات المشروع الصهيوني، بما يخدم التطلعات الاستعمارية للولايات المتحدة.
كان يمكن لترامب أن يؤجل تقديم هذه الهدية الثمينة لإسرائيل بعد الانتخابات التي ستجرى بعد أيام قليلة، حتى لا يسجل عليه ذلك على أنه تدخل في نتائج الانتخابات. لكنه على ما يبدو أراد ذلك لدعم نتنياهو، الذي يقاسمه كل مواصفات الشخصية الشعبوية المتطرفة.
في الحقيقة، فإن قرار ترامب، الذي قد يهديه على صورة قرار موقع خلال زيارة نتنياهو الحالية لأميركا والتي تمتد حتى الخميس القادم، وفي مشهد هزلي، متحد للعرب، وللمجتمع الدولي. لا يمكن قراءة هذا السلوك السياسي الأميركي فقط في سياق تطرف إدارة ترامب ودعمه للتطرف الإسرائيلي، بقدر ما ان ذلك، يؤشر على مجموعة من التحديات التي تخوضها الولايات المتحدة.
التحدي الأول يتصل باستعداد الولايات المتحدة، للمضي في سياسة دعم وتأييد إسرائيل، بنزعتها التوسعية، بما يجعلها القوة المركزية الأكثر تأثيراً في الإقليم.
التحدي الثاني يعرف ترامب أن دعمه للنزعة التوسعية الإسرائيلية ينطوي على دعم للهوية العنصرية، التي تتخذها إسرائيل لنفسها الأمر الذي يشكل دعماً قوياً لتيار اليمين الإسرائيلي المتطرف لكي يذهب إلى أبعد نقطة في عنصريته، وسياساته التطهيرية والإحلالية. يدق ذلك أجراس الإنذار بقوة لدى الفلسطينيين خصوصاً في مناطق 1948، الذين سيواجهون مخططات إسرائيلية لتهجيرهم، لتحقيق نقاء الهوية اليهودية للدولة.
التحديث الثالث هو في أن الولايات المتحدة تعطي الضوء الأخضر وتؤمن الحماية الكاملة لإسرائيل لاستكمال مخططاتها التوسعية صوب الضفة الغربية. قد تكون الخطوة القادمة قبل نهاية هذا العام، إعلان إسرائيل، وموافقة الولايات المتحدة على إعلان السيادة الإسرائيلية على مناطق (ج)، بما في ذلك الكتل الإسرائيلية الاستيطانية.
رابع هذه التحديات ينطوي على استهتار، بل ربما تشعر الولايات المتحدة بأنها قادرة على ضمان ردّات الفعل العربية إزاء كل خطواتها المسجلة على لوحة "صفقة القرن".
بغض النظر عن الأدوار العربية المتعارضة إزاء الملف السوري ولكن التحالف الأميركي الإسرائيلي فرض من الوقائع، ما يجعل كل نظام عربي يفكر فقط في أمنه واستقراره، ومهما كانت السياسات العربية فإن أي نظام عربي لا يمكن أن يوافق على خطوة ضم الجولان لإسرائيل لكن الفزّاعة الإيرانية موجودة، ويمكن تعزيز ظهورها، لضمان توقف الفعل العربي المضاد، على إعلان مواقف نظرية وحسب.
خامس هذه التحديات، يتعلق برؤية أميركية للنظام العالمي، وللأمم المتحدة، ومنظومتها، وآليات عملها. تسعى الولايات المتحدة إلى الإطاحة بالمعادلة التي عبرت عنها منظومة الأمم المتحدة نتيجة الحرب العالمية الأولى. ثمة شعور بالعظمة والهيمنة المطلقة للولايات المتحدة على النظام العالمي، ما يتطلب هدم منظومة الأمم المتحدة التي تشكل قيداً على ممارستها نحو الهيمنة على السياسة الدولية. لا يهتم كثيراً أو قليلاً ترامب لردود أفعال الآخرين بما في ذلك دول أوروبا الغربية، التي ينبغي أن تخضع هي الأخرى لقوانين وقواعد ومصالح السياسة الأميركية.
ما يقوم به ترامب، هو عملية قطع وتحول عن سياسات الإدارات السابقة على إدارته، وهو قد أظهر خلال السنتين المنصرمتين أنه ملتزم بكل وعد قطعه خلال حملته الانتخابية.
إسرائيل في ضوء سياسة ترامب تعيش أفضل أحوالها، فهي تحقق المزيد والمزيد من الإنجازات ذات الطابع التاريخي دون أن تجد رادعاً لا من العرب ولا من المجتمع الدولي، الذي يكتفي بإعلان المواقف. الفلسطينيون أكثر من غيرهم يعرفون أن عشرات القرارات التي تتخذها الأمم المتحدة لصالحهم، لا تغير من واقع الأحوال شيئاً، ولا تجعل إسرائيل تتردد لحظة واحدة في تنفيذ مخططاتها ذلك أن المسألة لا تتعلق بقوة الحق وإنما بحق القوة.
قد يوصف التاريخ في هذه المرحلة، على أنه متواطئ مع السياسات الأميركية الإسرائيلية لسبب ما يعيشه الفلسطينيون والعرب، من ضعف وتشرذم، ومن مراهنات خاسرة، لكن الحقوق لا تضيع بالتقادم. فما قد يكون سبباً لإعلان الانتصار اليوم، سيكون سببا لوقوع الهزيمة غداً. الأمر يتصل بإرادة الشعوب أساساً، وأيضاً بطبيعة ما قد يبدو اليوم قلعة إسرائيلية منيعة، ستهزمها عنصريتها وعدوانيتها، وغرورها.