ليس بالصاروخ كان التصعيد

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

بقلم: عدلي صادق

 

لا زال المحتلون يصرون على فصل الأحداث والوقائع في بلادنا بعضها عن بعض، وكأن سهولة الفصل بين مناطق الجغرافيا الفلسطينية، يمكن أن تتبعها سهولة الفصل بين الناس، بعضهم عن بعض، في عواطفهم ودمهم وطموحاتهم!

إن معظم القتل اليومي، الذي تقترفه الأيدي المجرمة في الضفة، يجري بأسلوب القتل العمد، أو الإعدام بلا تهمة وبلا سبب، ولا ينطبق عليه حتى وصف الإعدام الميداني، لأن إطلاق النار لإزهاق الأرواح، يقع بلا ميدان حرب، يتواجه فيه القاتل مع الضحية. فالأول يرتكب جريمة ضد الإنسانية والثاني مغدور أرداه القاتل. وعندما يُطُلق محض صاروخ من غزة، تتخذ ردود أفعال المحتلين، منحى التضليل،  كأنما هم يوزعون الورود ويعززون الإستقرار ولا يسفكون دماً، وكأنما الصاروخ يغدرهم بينما هم يسعون الى تعميق المحبة والسلام، أي من حيث لا يحتسبون، وكأنما بإطلاقه تبدأ عملية التصعيد والتوتير!

لا يختلف اثنان في الدنيا، على أن العجرفة والغرور والولولة الكاذبة، هي من أبرز طبائع الصهاينة،  وهؤلاء لا يأخذون في الحسبان،  تداعيات جرائمهم اليومية، ولا  كون الشباب المغدورين فلسطينيين، ولا أن قتلهم كان عملاً إجرامياً يؤجج الصراع ويطيل أمده جيلاً بعد جيل!

ولكن من أين لقوى عنصرية وظلامية متطرفة، أن تتنبه لفداحة وفظاعة ما تفعله أيدي جنودها. فمثل هذه القوى، تتوهم أن دمها أغلى من دم الآخرين، وأن على "الأغيار" حسب تسمية الحاخامات للجنس البشري، أن يستوعبوا قتل أبنائهم وأن يصمتوا على سلب ممتلكاتهم وهضم حقوقهم، وأن يتكيفوا مع الأستمرار في فرض الإحتلال العسكري عليهم.

هؤلاء المحتلون يستحقون ــ من حيث المبدأ ـ كل وسائل الردع الحقيقي، وأن يكون ردعهم مباشراً وفي وجوههم ومن تحت أقدامهم. وليس من بين هذه الوسائل ذلك الصاروخ الذي أهم ما سيفعله هو كسر الرقم القياسي للمسافة التي يقطعها صاروخ قبله. ولحسن حظ هذا العدو، أن القوم في بلادنا لا يتفقون على استراتيجيات عمل، ولا على مواعيد، ولا على طبيعة وسائل التصدي، ولا يشعرون بفداحة الإنقسام ولا يستشعرون الحرج عند فقدان تأييد الكتلة الشعبية، ولا يفكرون في حسبة الربح والخسارة قبل الدخول في شوط من الحرب!

ومثلما لم يكن الصاروخ هو الباديء بالتصعيد، فلا ينبغي أن تكون بداية التصدي لتصعيد الإحتلال بإطلاق الصاروخ من غير توافق. فالأجدر البدء بالوفاق الوطني،  واسترضاء الشعب وليس العكس، من خلال إعادة الإعتبار للبعد الإجتماعي للمقاومة. فالمقاومون في تاريخ الأمم، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خَصاصَةٌ، وأول ما يفكرون فيه هو إراحة شعوبهم واحترامها والمساعدة على تأمين سبل العيش لها، وإشاعة الود والمحبة في المجتمع لكي يغذي المقاومة. ولأن كل هذه الواجبات لا تؤدى، ولأن ما يحدث هو العكس، فإن الصاروخ لا يحظى الآن بأية شعبية، وليس أدل على ذلك من حقيقة أن  الفصائل نفسها التي تمتلك الصواريخ، تنكر الإطلاق وكأنه سُبة أو فتنة، وهذا يكفي للبرهنة على أن ما يحتاجه الفلسطينيون، قبل إطلاق الصاروخ، هو إطلاق العقول من قيودها، لكي تقتنع بأن هناك واجبات أساسية، تتعلق ببُنية المجتمع الذي سيُطلب منه أن يقاوم وأن يصمد أمام ردود أفعال العدو، وأن يستوعب دفع الثمن، وأن يتفهم ما جرى ويجري!