"مسيرات العودة"... تكتيك أم استراتيجية؟

thumbgen (5).jpg
حجم الخط

عوني صادق

 

منذ خمسينات القرن الماضي كانت غزة مهداً للمقاومة الفلسطينية، وظلت حتى اليوم شوكة في حلق الكيان الغاصب الذي أصبح الدولة الأقوى في الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي تغير فيه «المحيط العربي المعادي» من حوله، ومعه تغير العالم، حتى تصور قادة الكيان أنه آن الأوان لتصفية القضية الفلسطينية جملة وتفصيلاً، بعد أن أعطى «اتفاق أوسلو» كل ثماره المرّة في الضفة الغربية. ظلت غزة مصدر التشويش الوحيد الذي يظهر أحياناً حقيقة الكيان بوصفه «أوهن من بيت العنكبوت»، ويذكر ما يبديه قادته من عجز إزاء حسم الوضع في غزة لصالحهم بأمنية جنرالهم المجرم إسحق رابين، بأن يصحو ليجد البحر قد ابتلع غزة!.
ثلاث حروب شنها الجيش «الإسرائيلي» على غزة، ومنذ توقف العدوان «الإسرائيلي» الثالث العام 2014، لم تتوقف الاعتداءات «الإسرائيلية»، ولم يتحقق «الهدوء» ولا تحققت «الهدنة» برعاية مصرية، بل ظل الوضع يندرج تحت المصطلح الإسرائيلي «معركة بين الحروب»!، ومنذ عام، وبمناسبة «يوم الأرض» انطلقت «مسيرات العودة» التي اعتبرتها قيادة العدو «استنزافاً»، استخدمته حركة (حماس) لغايات في نفسها، في وقت وجّه البعض الانتقادات للحركة، خوفاً من التوصل إلى «اتفاق» ينتهي إلى نزع سلاح المقاومة بالتدريج. لكن مدافعين عن (حماس) وسياستها يرون أن ما ترمي إليه الحركة في هذه المرحلة، هو ما يسمى «الحفاظ على الذات»، إلى جانب كسر الحصار وحل المشاكل المعيشية المتفاقمة! وبين هؤلاء وهؤلاء تتفاقم مشكلات الحياة، في ظل «انقسام»
لا يبدو أنه سينتهي في وقت قريب، لتصبح ورقة ضغط قوية على (حماس) وفصائل المقاومة لتقديم التنازلات، مع تكاثر مؤشرات أن حرباً رابعة ستنشب في نهاية المطاف.
والسؤال المطروح الآن، إذا كانت «مسيرات العودة» تكتيكاً يستهدف كسر الحصار، فماذا عن المقاومة؟ وإذا كانت استراتيجية، فماذا عن المهمة التي وجدت المقاومة من أجلها وهي التحرير؟ لقد اتضح بعد عام من بدء المسيرات، أن الهدف منها لم يكن إلا كسر الحصار، لكن هذا الهدف لن يتحقق دون أن يمس ذلك من بنية المقاومة، وصولاً إلى نزع سلاحها، وهو ما تطالب به القيادات «الإسرائيلية» في كل محادثات تعقد. و«الهدوء» المطلوب إذا تحقق، لن يكون إلا «هدنة» تطول أو تقصر، ليعود شبح الحرب الواسعة إلى الواجهة. وسائل الإعلام «الإسرائيلية» تتحدث عن «الاستنزاف» الذي نجحت (حماس) في تحقيقه، كما تتحدث عن «الردع المتآكل» للجيش، وكلا الأمرين يضغط على الحكومة «الإسرائيلية»، بالدخول إلى حرب تنهي حكم (حماس) ووجود المقاومة. لا أحد ينكر أن فصائل المقاومة استطاعت في الفترة الماضية أن تطور من قوتها العسكرية، خصوصاً الصاروخية التي أصبحت يمكن أن تطال تل أبيب والقدس، لكن ذلك يشكل في حد ذاته دافعاً قوياً لشن حرب واسعة من جانب الجيش «الإسرائيلي» مهما كان الثمن. وفي هذه الحالة، هل ستستطيع المقاومة أن تصمد في هذه الحرب؟.
ربما يكون مقبولاً من الناحية التكتيكية، أن تناور المقاومة في هذه المرحلة للحفاظ على وجودها، لكن ذلك لن يكون مقبولاً بالنسبة للجانب «الإسرائيلي»، خصوصاً أن ميزان القوى لصالحه. لكن نجاح المناورة، وكذلك الصمود في المعركة، لن يعتمد على الفصائل وحدها، ولا على السلاح وحده، بل يحتاج إلى التفاف شعبي واقتناع بالهدف، وهذا الموقف الشعبي حتى يستطيع حماية المقاومة لا بد من توسيعه ليشمل الضفة الغربية. وفي ظل انسداد أفق «المصالحة»، يظل الاعتماد على جماهير غزة، وهو ما يفرض إشراك هذه الجماهير في تقرير السياسة المقررة، واحترام إرادتها وعدم استفراد (حماس) في السلطة واتخاذ القرار. لقد تعبت الجماهير الغزّية ودفعت ثمن المسيرات غالياً، ولم تر نتيجة حقيقية للثمن الذي دفعته حتى الآن. وإذا كان هدف (حماس) هو الحفاظ على ذاتها كسلطة وليس كمقاومة، تصبح كل التضحيات بلا مقابل، ولن تجد (حماس) من يحميها، لا كسلطة ولا كمقاومة.

عن الخليج الإماراتية