الذكاء السياسي: نحو آليات لإعادة التعاطف العربي مع القضية الفلسطينية

التقاط.PNG
حجم الخط

بقلم: د. أماني القرم

 

"لا أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، هناك مصلحة دائمة" هذه هي القاعدة الذهبية للسلوك السياسي لكل نظام يرغب في الاستمرارية في عالم لا يعترف أبداً بالمبادئ والحقائق. وما نشهده حاضراً وسمعناه تاريخاً من الطريقة التي تتغير بها التحالفات ما بين أمس واليوم وغدا هي الدليل على أن هذه القاعدة هي الثابت الوحيد في المتغيرات الدولية . وحيث أن كل نظام سياسي / قويا كان أو ضعيفا / يبحث عن وسائل واليات مختلفة لضمان بقائه حيًّا، تتنوع هذه الوسائل تبعا لمقدار الذكاء السياسي الذي يتمتع به النظام. مع ملاحظة أن أخطر ما يواجهه النظام السياسي هو فقدان الشرعية والثقة به. وهناك فرق ما بين الذكاء والانتهازية السياسية، فالأول يضمن الاستقلالية وفي نفس الوقت الحصول على المنفعة، والثانية هي التبعية العمياء دون قراءة صحيحية لأوزان الجغرافيا والتاريخ.

الحالة الفلسطينية هي أشد ما تكون بحاجة ذكاء سياسي خلاق ، فالتحدي الذي نواجهه وجودي بمعنى الكلمة لأننا فقدنا العديد من العناصر المغذية لاستمرارية القضية . وأبرز هذه العناصر هي الدعم العربي الشعبي والرسمي ، ولا اتحدث هنا عن الخطابات المجانية في القمم العربية بل عن الواقع الاليم الذي يجسده نوم الزعماء ومللهم في نفس هذه القمم . والحقيقة انني لا اعتب عليهم على عكس الجميع، فالخطابات المكررة تبعث على الملل والملل يشعر بالنعاس!

تحدث ابو مازن في القمة العربية في تونس عن اصرار الفلسطينيين على عدم تكرار أخطائهم السابقة، وعن الحاجة لتوفير شبكة أمان مالي تضمن استمرارية الصمود الفلسطيني. والحقيقة أن بقاءنا على استخدام نفس الوتيرة السياسية هو أمر خاطئ. فالمزاج العربي تغير وعليه يجب ان تتغير أساليب وأدوات السياسة الفلسطينية. والهدف الأول يجب أن يكون كيفية إعادة احياء القضية لدى الشعوب العربية وحكوماتها على السواء.

أولاً: تغيير الوجوه : بمعنى التوقف عن تكرار الشخصيات نفسها التي تحمل في جعبتها نفس استيراتيجيات التواصل. لا مانع من حركة دبلوماسية تغييرية تحرك الجمود والبرود الذي أصاب التوجه العربي نحونا، تكون قادرة على التعامل مع القادة الجدد بأفكار مبتكرة. والحديث عن تضارب بعض المصالح مع بعض الدول هو أمر بائس لأن التوقف عن المحاولة يعني الخسارة . سبعون عاما استمرت اسرائيل في محاولة اختراق الدول العربية ولم تيأس!

ثانيا: شخصيات مقدسية: القدس هي لب القضية الفلسطينية ومصدر الجذب العربي والاسلامي، وعليه فاختيار شخصيات مقدسية في المحافل المتعلقة ببحث قضية القدس هو الضرورة المنطقية. لانهم الاقدر على الحديث عن معاناة مدينتهم ومعيشتهم والأكثر ذكاء في تحديد مطالبهم.

ثالثا: المكون المسيحي : وكنت قد كتبته من قبل وأعيده مرة اخرى لشدة أهميته ودلالاته، فالمكون المسيحي هو جزء أصيل في القضية الفلسطينية وفي تدويلها خاصة مع تداخل الديني مع السياسي ونهج الانفتاح الذي يغزو الهياكل السياسية في المنظومة العربية.

رابعاً: دبلوماسية المواطن : السلوك السياسي لم يعد يقتصر على الدول فقط ، بل أحد اسباب فشله هو التغاضي عن دور المواطن في القدرة على التغيير. إبان محادثات السلام الفاشلة في عهد كلينتون اعترف دينيس روس بوجود قطعة مفقودة في عملية السلام وهي التركيز على الحكومات دون الشعوب. ولذا فإن توظيف المواطن ومنظمات المجتمع المدني في اتجاه تعزيز الثقة وتوطيد التواصل مع الشعوب العربية هو أمر بالغ التأثير في عصر سلطة التواصل الاجتماعي.

ليس سهلاً ما سبق وليس مستحيلاً، فالسمة المميزة للذكاء السياسي هي القدرة على التواصل والتصميم على ايجاد الحلول والشجاعة في تكرار المحاولة للوصول الى شبكة الأمان المعنوي والمادي التي نريدها!