ثرثرة في الإنتخابات الإسرائيلية

التقاط.PNG
حجم الخط

بقلم:المحامي إبراهيم شعبان

 

أما وقد انقشع غبار المعركة الإنتخابية الإسرائيلية، وظهرت ملامح الفترة القادمة وبدأ نتنياهو مشاوراته لتشكيل الحكومة القادمة، فلا بد للفلسطينيين قبل غيرهم دراسة ما أسفرت عنه هذه الإنتخابات من نتائج وخيمة كانت واضحة للعيان، لكن الكثيرين منهم توهم ان نتنياهو بملفاته وتحقيقاته وزمرته خاسر وزائل لا محالة، فإذا به عائد وفائز وبقوة أكبر مما سبق.

أراد نتنياهو استباق إحالته توجيه لائحة اتهام له، بالهروب إلى الأمام عبر تقديم موعد الإنتخابات الذي كان مقررا نهاية هذا العام. بل يبدو أن نتياهو خشي من تصاعد التحقيق معه في مواضيع أخرى فقرر بشكل اكيد اللجوء إلى معزوفة الإنتخابات الإسرائيلية، أي اللجوء إلى جمهوره وسؤاله عن رأيه فيما يوجه إليه من تهم، وكأنه أمام استفتاء شعبي. فإن ناصره وأيده سيكون هذا تأييده في مواجهة اليسار والصحف والإعلام الإسرائيلي وطلب الحصانة القانونية أو تغيير النظام الياسي الإسرائيلي، وإن خذله فهذا مصيره الذي يعرفه ويعيه، وهكذا كان.

للأسف الشديد، في مقابل التفرد الصهيوني بل قل الغش الليكودي الصهيوني في شيطنة المرشحين العرب وسعيه الدؤوب لمقاطعة العرب للإنتخابات البرلمانية، كان الجمهور العربي والرأي العربي، منقسما على نفسه في موضوع الإنتخابات الإسرائيلية. وبقي كذلك وما زال. وللأسف أيضا استقبل الجمهور العربي وقيادته الإنتخابات الإسرائيلية، بأسلوب الفزعة، ولم يستطع أن يوحد موقفه، كما لم يستطع أن يوحد مرشحيه وهذا واضح من الإستبيانات المنشورة. وكان هذا وبالا عليه وعلى معركته. وبقي طيلة الوقت مترددا وغير حاسم في قضايا جوهرية وكأنه استسلم للصيحات الشريرة الليكودية بمقاطعة الإنتخابات . بل غدت المقاطعة العربية للإنتخابات مطلبا وطنيا. ليس هذا تدخلا في الرأي السياسي في موضوع الإنتخاب الداخلي، ولكن ألا يجب أن نتحلى بالموضوعية والرأي الحر في النقاش.

ألا يثير النقاش أن لا يكون هناك استراتيجية واضحة وحاسمة في قضية الإنتخابات بكل أشكالها وأنواعها. كيف لا يقارن ويتساوى الإنتخاب البلدي بالإنتخاب القطري وأن تقام تفرقة تحكمية بينهما، ألا يتساويان في المعايير والنتائج. فعرب الداخل الفلسطينيين لهم مركز قانوني واحد بل متماثل بغض النظر عن رأي الشخص السياسي أو الديني او الإجتماعي أو جنسه او لونه، فحقوقهم والتزاماتهم واحدة. أما أن نرسم خطوطا حمراء هنا وهناك، فأمر غير مبرر.والغريب ان ألداعين والمتبنين لهذه الشعارات من أصل خارجي وتخدم مصلحة خارجية.

جميع أشكال الإنتخاب وأنواعه هو انتخاب سياسي هذه الأيام، سواء اكان على صعيد انتخابات مجلس الطلبة أوالغرف التجارية أونقابات الجامعات أونقابات العمال أومجالس النقابات المهنية أومجلس النواب بل أندية الخريجين ومهن معينة، هي سياسية بامتياز رغم أنها يجب أن لا تكون كذلك. فإذا كان الأمر كذلك فلم نقاطع شكلا ونمنح البركة شكلا آخر من أشكال الإنتخابات. قطعا سيتم حشد كل حجج الكون من أجل إنجاح رأي دون رأي، بينما حقيقة واحدة تهزم كل الأراء. فهل من المعقول أن نهزم ذاتنا وكياننا عبر مقاطعتنا الإنتخابات الإسرائيلية، وبالتالي الإتيان بمرشحي المستوطنين والليكود والمتدينين وشاس بديلا عن مرشحينا الذين نتهمهم باقذع التهم ونكيل لهم السباب ونصف سلبيتهم وبعدهم عن الجماهير الفلسطينية في أيام الشدائد. هل يمكن أن يتساوى هذين الموقفين في عقد المقارنات. المشكلة أن الجمهور الفلسطيني بعد أن قاطع الإنتخابات سيطلب ممن فازوا كشف حساب، وينتقدهم بأنهم لم ينشطوا في قضاياه الإجتماعية ولم يساهموا في حلها.

غريبة فكرة المقاطعة، بل الأغرب هذا الإنقسام الجماهيري. والتراجع في نسبة المشاركين والمصوتين. بل دعونا نسأل بصراحة، أولم تساعد نسبة عدم المشاركة العربية في تسهيل فوز وتدعيم حركات سياسية صهيونية متطرفة إسرائيلية، ومن ثم سنلوم قدرنا في مواجهة هذا الكم اليميني المتطرف. إن موقفا واحدا تشريعيا أو سياسيا أو اقتصاديا عبر صوت واحد من نائب عربي تعديلا أو تعطيلا أو تأييدا أو نفيا يساوي جميع النظريات التي لا تقيم وزنا لاعتبارات الوطن وصموده.

في ظل ذلك، ورغم شراسة اليمين الإسرائيلي وهجمته التهجيرية، لا بد من أن يتفق أهل الداخل الفلسطيني على موقف واحد من القضايا الجوهرية مثل الإنتخابات، تصويتا وترشيحا ومشاركة. الحديث لا يدور هنا عن انتخابات في القدس المحتلة التييجب مقاطعتها ومقاطعة الترشيح فيها لأنها أرض محتلة. فبدون ثبات وصمود الفلسطينيين في الداخل لما كان هناك شأن فلسطيني ومنعة فلسطينية. ويجب أن ندقق في مصالحنا وأن لا ننصت لمشيطنينا.

ثلثا أصوات العرب في الداخل ذهبت هدرا ورميت في أكياس القمامة، في حين لو مارس العرب حقهم الطبيعي لحرم كثير من الليكوديين والمتطرفين مقاعدهم وبقوا في الشوارع ينتظرون صدقات الفائز العربي، ولكننا آثرنا أن نقذف بأصواتنا العربية إلى الردى أو إلى بعض الأحزاب الصهيونية. لذا تراجعت المقاعد العربية بدل أن تتضاعف. وهذا يجب أن يكون محل نقاش مستفيض من قيادات الداخل ولو كان مؤلما.

يجب أن نلاحظ أن المجتمع الإسرائيلي ينحو بقوة شديدة نحو اليمين المتطرف وتراجع كبير لما يسمى باليسار الإسرائيلي الذي لم يكن أبدا باليسار بل كان يسارا مزعوما. وأن حزبا كبيرا اسمه أزرق أبيض بثلاثة رؤساء أركان سابقين، لم يستطع واحد منهم أن يتفوه بكلمة واحدة عن القضية الفلسطينية، وكأن الموضوع لا يعنيهم، بل تم تجاهله تجاهلا تاما، وكأنه غير موجود البتة. وقطعا اتفقت الأحزاب الصهيونية كبيرها وصغيرها ما عدا ميرتس في التوغل في الدم الفلسطيني والحق الفلسطيني، كمزاد، وتطلب المزيد من ابتلاع الحقوق الفلسطينية، كوسيلة لكسب المزيد من الأصوات. ونال الحزب الباني لدولة إسرائيل وهو حزب العمل هزيمة ساحقة في هذه الإنتخابات، وهذه كناية عن تراجع مبادئه وسلوكياته.

الملاحظة الثالثة يتمثل في نسبة الحسم في موضوع التمثيل النسبي. فبعد أن تم رفعه إلى 3.25 لإقصاء العرب من على ساحة الكنيست في الدورة البرلمانية السابقة، انقلب السحر على الساحر. فسقط بينيت وشاكيد وكانا من رموز التطرف الإسرائيلي، وأوشك أن يسقط كحلون وليبرمان، لذا من المتوقع دراسة هذا الموضوع من جديد في هذه الدورة البرلمانية ، وتعديله.

وأخيرا، لن تتوقف الإنتخابات عن الإنعقاد هنا وهناك. فهنا اليوم انتخابات إسرائيلية، وغدا انتخابات أمريكية ، وبعد غد انتخابات في جزر واق الواق، فإلى متى يبقى الفلسطينيون بانتظار نتائج الإنتخابات هذه أو تلك؟ وإلى متى يبقى الفلسطينيون يعلقون الآمال على الإنتخابات الأمريكية أو الإسرائيلية؟. وإلى متى يبقى الفلسطينيون مجرد مشاهدين لما يجري على الساحات الإنتخابية، ومتى يتحولوا إلى فاعلين ومشاركين في انتخابات فلسطينية؟ لقد ظهر واضحا بما لا يقبل الشك أن الدولتين المذكورتين تنهجان نهجا عدائيا للحق الفلسطيني وتغيير نهجيهما يستغرق وقتا طويلا وجهدا حثيثا، إن أمكن. الأمر يحتاج لتغيير سياسي جذري بعد ان اتضحت الأمور.

الإنتخاب الوسيلة الوحيدة الديموقراطية في المجتمعات المتحضرة، وتعتبر سند الشرعية الوحيد لأية سلطة لبقائها وشرعيتها، بل هي عودة لسلطة الشعب الحقيقية بعد أن سلبت منه أو جمدت. في ظل ذلك، يجب أن تتكاتف الجهود الفلسطينية النزيهة للدعوة لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بل وبلدية في أقرب وقت ممكن، ودعونا من الفرقة والإنقسام. ويجب أن لا نهتم ولا نكترث بغياب الديموقراطية والإنتخابات عن العالم العربي، فهم ليسوا بقدوتنا، فإن ساعة واحدة حافلة بالأمجاد تساوي عصرا برمته عاطلا عن المجد!!!