بقلم: سلامة معروف

حاقد..أحمق..غبي!

سلامة معروف
حجم الخط

غزّة - وكالة خبر

هذا العنوان ليس اسما لفيلم أو شتائم موجهة لأحد ما، ولكنها عناصر المقولة الأشهر التي عبرت منذ قديم الأزل عن طبيعة الإشاعة، وهي لعمري حكما صادقا وقولا معبرا عنها يصلح في كل زمان ومكان، حيث قيل: الإشاعة يؤلفها حاقد ويروجها أحمق ويصدقها غبي، وإذا كانت الإشاعة مرضا اجتماعيا -للطبيعة البشرية-لا يخلو منه مجتمع في أية حقبة زمنية، إلا أن خطرها ليس قدرا حتميا، وضررها قد تنبه له واجتهد لمواجهته علماء النفس والاجتماع والقانون والإعلام كل وفق تخصصه وجوانب اهتمامه، وقبلهم بالطبع الشرع الحنيف. 

ما سبق مقدمة وجدتها لازمة للحديث فيما انشغل به الشارع الغزي خلال الأيام الماضية، بمتابعة قضية اختفاء وقتل الطفل المغدور محمود شقفة كنموذج لقضية رأي عام، حظيت باهتمام وتعاطف لا محدود من قبل كافة قطاعات مجتمعنا، وأظهرت كثيرا من صفات مجتمعنا الإيجابية، التي تجلت في أبهى صورها بحملات الدعم والضغط لجعل القضية أولوية عبر السوشيال ميديا، وتنظيم زيارات لمؤازرة والديه، وتطوع فرق البحث الميدانية، وتبرع شرائح مجتمعية عديدة بمبالغ مالية ومكافآت كبيرة، لمن يدلي بمعلومات تساعد في حل لغز اختفائه. 

هذه الصورة الجميلة رغم المصاب الجللأبى البعض إلا أن يخدش حسنها بتصرفاته الموتورة وتبلد إنسانيته ودناءة أصله، فاقتنص الحادثة لينفث حقده الدفين بإشاعات تهدف لإثارة حالة اضطراب وبلبلة وذعر داخل مجتمعنا، تارة بوجود عصابات لخطف الأطفال والمتاجرة في أعضائهم، وتارة أخرى بخطف الطفل لطلب فدية مالية، وثالثة بالحديث عن فقدان العديد من الأطفال، ورابعة بالعثور عليه حيا في أحد أحياء مدينة غزة، هؤلاء البعض لم ولن يخلو منهم مجتمع يوما، فتجدهم في عهد الأنبياء منافقين، وتحت الاحتلال عملاء وجواسيس، وفي ظل الانقسام مرتزقة ومثيري فتن.

هؤلاء الطحالب التي تقتات بإشاعاتها على وجع الناس وهمومهم، ولا تبالي بدمعات أم مكلومة، ولا آهات أب مجروح، ليس لهم دواء إلا البتر، فهم وإن تسمّوا باسمائنا أو حملوا جنسيتنا، وحتى لو نجحوا أحيانا في تحقيق بعض أهدافهم يبقوا غدة سرطانية خبيثة لا علاج لها ليصح جسد المجتمع إلا باجتثاثها، لذا أجمعت تجارب الدول والشعوب على محاربة مطلق الإشاعة ومؤلفها بوصفه خائن لمجتمعه وخادم لاعدائه، فنفت عنه صفة الجهالة، ولم تقبل منه مبرر حسن النية.

ورغم خطر هؤلاء الحاقدين في المجتمع إلا أن خطرهم يبقى محدودا، وسرعان ما يتم كشف زيفهم وأكاذيبهم أمام مجتمعهم، ولكن الخطر الحقيقي فيمن يروّج لهم إفكهم، دون تدبر فيه أو تثبت منه، وقد وصفهم القرآن الكريم وصفا بليغا في قوله تعالى:"إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ" هؤلاء ممن يتناقلون كل ما سمعوا حتى وهم لا يصدقوه حق أن يوصفوا بالحمقى، طالما ارتضوا أن يصابوا بمرض الطبل الأجوف، فتخلوا عما وهبهم الله من عقل للتدبر وحكمة للتثبت، وعليه يمكن الحكم على فشل أو نجاح أي مجتمع في مواجهة آفة الإشاعة بقدر مجابهة هذه الشريحة، تثقيفا بتوفير المعلومة دائما لقتل الإشاعة، وترغيبا برفع درجة الوعي المجتمعي والأخلاقي لخطرها، وترهيبا بالزجر القانوني والمجتمعي لمروّجيها.

وكان يكفي لهؤلاء حتى يتخلصوا من مرضهم أن يطبقوا حكمة سقراط التي حارب بها الإشاعة قبل أكثر من عشرين قرنا، بسؤاله لمن جاء ينقل له شيئا عن أحد تلاميذه، هل أنت متأكد من صحة ما جئت به؟! هل ما جئت به حسن أو قبيح؟! هل فيه فائدة؟!..ذلك الاختبار الثلاثي البسيط أو سمها إن شئت أسئلة التثبت أو قاعدة الحكم على المعلومة قبل تداولها ونقلها، كافية للحد من مرض ترويج الإشاعة، ومناسبة جدا لإنهاء علل ساقتها لنا شبكات التواصل الاجتماعي من قبيل: منقووول ومصاااادر خاصة وحصررري. 

وإن كان الحاقدون لا يجدي معهم دواء ولا ينفعهم علاج، لوعيهم التام وإدراكهم الكامل لمآلات فعلهم، فإن الحمقى يجب تطويقهم ومعالجة دائهم، حتى لا يستشري مرضهم في جسد المجتمع ويصبح مرتعا للأغبياء -لا قدر الله-.