لا يتوقف الاهتمام والسؤال عن «صفقة محتملة» بين حركة حماس واسرائيل على الرغم من ان بنيامين نتنياهو قد نفى على نحو قاطع وجود اية وساطات او مفاوضات مباشرة او غير مباشرة مع حركة حماس.
معلوم ان نتنياهو سيد ومعلم الكذب والكذابين، ولكن ليس ما هو معروف عنه، ما ينفي او يؤكد مثل هذه الوساطات والمفاوضات، ذلك ان من أهله واتباعه، وكتابه المدافعين عنه والمفسرين لما يصدر عنه، سرعان ما أن يقع في الخطأ حين يستغرق في شرح ما صدر عن سيد الكذب.
في تفسير تصريح نتنياهو المذكور، يشرح داني روبنشتاين أسباب هذا الانكار، بالقول ان إسرائيل ليست مضطرة ولا هي في حاجة للتوصل الى مثل هذا الاتفاق، طالما انها مطمئنة لحالة الهدوء التي تسود الحدود، بعد الحرب الأخيرة، ويضيف ان إسرائيل في حال موافقتها على مثل هذا الاتفاق فإن الأمر يتصل بمعالجة الأوضاع الإنسانية التي يعاني منها سكان القطاع.
هذا يعني ان إسرائيل غير مهتمة باتفاق كهذا لأسباب سياسية او أمنية، وانما ان حصل فلاسباب إنسانية قد تضطرها لتجاوز محاذير التعامل مع منظمة تعتبرها ارهابية، ومسجلة ضمن هذا التصنيف لدى الولايات المتحدة، وحتى لدى الوسطاء الأوروبيين.
كاذب نتنياهو، وكاذب كل من يسوق او يشرح أكاذيبه، ذلك ان من يرتكب جرائم حرب بحق الفلسطينيين، يكون قد فقد الحد الأدنى من الأخلاقيات الإنسانية، الأمر بالنسبة لإسرائيل سياسي استراتيجي بالدرجة الأولى، ذلك انها تعمل لتنفيذ مخطط فرض دولة غزة، ما يستدعي ابقاء وتعميق الانقسام الفلسطيني وتأجيج التناقضات بينهم، تعتقد إسرائيل ان إبرام اتفاق كالذي يجري الحديث عنه مع حركة حماس، بشرط التخلص من الأسلحة الموجودة ومن الانفاق، سيجعل قطاع غزة آمنا بالنسبة لها، وسيوفر الظروف لاقامة البنى التحتية للدولة، حتى لو تأخر اعلانها لبعض الوقت.
من الواضح ان نفي بنيامين نتنياهو يندرج في اطار التكتيك التفاوضي، فقد يكون الوسطاء اوحوا لحركة حماس ان الاتفاق قد اصبح ممكناً، عند حد موافقتها على التوقف عن حفر الأنفاق وعن تصنيع السلاح محليا، طالما ان طرق الإمداد الخارجية متوقفة. مثل هذه الإيحاءات، قد تكون وراء التصريحات التي صدرت عن مسؤولين من حركة حماس تبشر بقرب الفرج، واحيانا بقرب التوصل لاتفاق. ان لم تكن مثل هذه التصريحات كافية فإن الحديث عن سفر وفد قيادي من حماس من خلال معبر رفح انما يندرج في اطار توفير الفرصة لاجتماع موسع للمكتب السياسي للبحث في مشروع الاتفاق او افكاره الرئيسية.
حتى كتابة هذه السطور مساء الأربعاء، تكون فرص سفر الوفد قد اقفلها عدم موافقة مصر على مروره عبر أراضيها، ما ينفي ايضا الادعاء الإسرائيلي، بأن مصر تتعامل ايجابيا مع فكرة الاتفاق، لا نريد ان نمضي في تحليل أبعاد ومخاطر اتفاق كهذا بدون توافق وطني، من غير المتوقع ان يتوفر لحركة حماس بما في ذلك من قبل فصائل مقاومة اخرى، وليس فقط حركة فتح.
الفصائل كلها تقريبا، عبرت عن مخاوفها ورفضها لمثل هذا الاتفاق في حال حصوله، وبعضها ذهب بعيدا في كيل الاتهامات لحركة حماس، غير انها جميعاً لم تقدم الجواب على الأسئلة الموجعة التي يطرحها سكان قطاع غزة.
من وجهة نظري فإن إسرائيل هي من سيعطل إمكانية التوصل الى اتفاق، ذلك انها لن تقبل التعهدات الشفهية والالتزامات الورقية، او ضمانات أطراف أخرى، فيما يتعلق بالسلاح والأنفاق وكتائب المقاومة، وهنا تكمن عقدة النجار.
حركة حماس هي الأخرى لا تقبل ولا تستطيع قبول شرط نزع الأسلحة، وذلك ادراكاً منها للمخاطر العملية والسياسية التي تترتب عن مثل هذا القرار، والذي يشكل خطرا عليها.
ثمة اذن قضايا كثيرة، في جوهر الأهداف، لا يستطيع اي اتفاق ان يقدم عليها إجابات مقنعة للطرفين بما يسمح بالتوصل لاتفاق، هذا عدا عن التفاصيل الكثيرة المتعلقة بكل بند من بنود الاتفاق الذي يجري الحديث عنه.
أراهن على ان مثل هذا الاتفاق، الذي تحتاجه إسرائيل لتنفيذ مخططاتها، انما يحتاج الى حرب اخرى قد تكون الأخيرة، تستهدف نرع أسنان وأظافر المقاومة، او استنزاف وتدمير القسم الأكبر من قدراتها القتالية، وتلك الحرب ستكون الوسيلة المناسبة لتمرير اتفاق وفرض دولة غزة.
الحرب السابقة، على كل ما خلفته من دماء، وما سفكته من دماء، وولدته من مآس، قد أصبحت خلف الأحداث وهي وما خلفته لا تصلح كبضاعة للمساومة. في كل الحالات على من يرفض «الاتفاق» كفكرة او كمنجز، ومن يوافق عليه ان يقدم حلولاً لسكان قطاع غزة، لا ان يكتفي هؤلاء بالرفض وتوجيه الاتهامات وإلا فإنهم بالنسبة للناس موضع اتهام. ومن يرفض عليه ان يفعل شيئاً ملموساً لمنع مثل هذا الاتفاق والا كان متواطئاً ومتخاذلا ولا يحق له ان يتحدث من موقع المسؤولية عن الشعب والقضية.