التغذية القسرية.. انتهاك للقانون الدولي وللأخلاق

تغذية-قسرية
حجم الخط


قاد الإضراب عن الطعام المعتقل الاداري، محمد علان، إلى شفا الموت. رغم القانون، الذي أقر في الكنيست في 30 تموز من هذا العام، والذي يسمح بالتغذية القسرية للسجناء الأمنيين إذا ما تعرضت حياتهم للخطر، لم يُغذَّ علان قسرا الى أن انهارت اجهزة جسده وفقد وعيه. 
احترم اطباء سوروكا رفضه تلقي الغذاء، ولهذا نُقل الى بارزيلاي، الذي هو مؤسسة حكومية، حيث وضع له التنفس الاصطناعي وأعطي حقنة سوائل وفيتامينات وغيرها من المواد الحيوية في الوريد للحفاظ على حياته. 
بقي غموض مقصود حول المواد التي أُعطيت له في الوريد، فهل تضمنت بروتينات حيوية ودهونا تشكل غذاء؟ وهل يمكن تسمية هذه الاعمال تغذية بخلاف إرادة المريض؟ الاجوبة عن هذا السؤال مختلفة حسب المجيب.
ان قواعد الاخلاقيات الطبية واضحة جدا. فالفريق الطبي في بارزيلاي ممنوع من أن يعالج مضربا عن الطعام الا اذا اعرب في مرحلة ما عن موافقته على شكل هذا العلاج. سياسيا، استغل عدم اليقين حول قراره. عندما كان فاقدا للوعي وانعدمت قدرته على المعارضة، جرت الاعمال الطبية اللازمة من أجل الحفاظ على حياته.
لا ينبغي أن نحسد أطباء بارزيلاي، ممن يواجهون معضلة صعبة، ولكن لا شك أن القواعد الاخلاقية الطبية، كما صيغت في ميثاق طوكيو في 1975، وعدلت في ميثاق مالطا في 1991، وتبنتها الغالبية الساحقة من اتحادات الاطباء في البلدان المتنورة، قد انتهكت بالنسبة لهذا المعتقل. 
ويحظر الميثاق صراحة كل شكل من التغذية للمضرب عن الطعام خلافاً لارادته. ويتضمن الميثاق التعليمات الملزمة بالحفاظ على قواعد الحصانة الطبية بشأن المضرب عن الطعام، الا اذا جاء منه الأذن بنشر المعطيات الطبية. وعليه، فان البيانات العلنية عن وضع علان تشكل هي ايضا انتهاكا للقواعد الاخلاقية الطبية وتخدم المصلحة السياسية.
ان قانون التغذية القسرية للسجناء الامنيين هو وثيقة تتناقض ليس فقط مع الميثاق الدولي الذي وقعت عليه اسرائيل بل قوانين الدولة نفسها وعلى رأسها قانون حقوق المريض في 1996، والذي يوجب موافقة واعية على كل علاج طبي، وقانون كرامة الانسان وحريته في 1994، الذي يمنع التمييز. 
القانون الذي يسمح بانتهاك قوانين اخرى فقط بشأن مجموعة فرعية محددة من الناس، هو الامر ونقيضه من ناحية انسانية، منطقية واعتبارية. 
وحقيقة أن 46 نائبا من احزاب الائتلاف ممن حضروا التصويت، صوتوا مع القانون، ولم يوجد أي ممتنع، تسلّط ضوءا ساطعا جدا على حرية تفكير منتخبي الشعب.
لقد احترمت الحكومة البريطانية ارادة المضربين عن الطعام من اعضاء التنظيم السري الايرلندي ولم تأمر بتغذيتهم قسرا. كما أنها لم تستجب، ولا حتى جزئيا لمطالبهم. عشرة منهم توفوا في 1981. عدد من معارضي النظام في كوبا توفوا بعد اضراب طويل عن الطعام. من المشكوك فيه ان تصر حكومة اسرائيل على رفضها تحرير المعتقل، فتسمح بذلك بموته. ينبغي الاعتراف بأسف في أن اسباب الحفاظ على حياته لا تحركها دوافع انسانية بل اعتبارات سياسية تقضي ألا يجعله موته رمزا.
بتقديري، هو نفسه تجاوز منذ الآن نقطة العودة من ناحية نفسية، ومن المشكوك فيه جدا أن يتراجع – مثلما أعلن، أول من أمس، بعد أن عاد الى وعيه – بعد أن بلغ من قبل حافة الموت. 
الحكومة هي الاخرى تأخرت عن الموعد، سواء أن تستسلم لمطالبه فتحرره أم تصر وتؤدي بشكل غير مباشر إلى موته.

عن «يديعوت»