الخطة الأمريكية... والمراجعة المطلوبة

720711534070949.jpg
حجم الخط

بقلم: علي جرادات

 

كانت معادلة «الأرض مقابل السلام» هي عماد المشروع الأمريكي لتسوية الصراع العربي- «الإسرائيلي»، وجوهره القضية الفلسطينية. وعلى أمل تحقيق هذه المعادلة وافقت الأطراف العربية، ومنها الفلسطيني، عام 1991، على المشاركة في «مؤتمر مدريد للسلام»، برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي الآيل للتفكك آنذاك، ثم الانخراط في «مسارات» منفصلة من المفاوضات الثنائية المباشرة.

وعلى «المسار» الفلسطيني تحولت رعاية المفاوضات إلى «الرباعية الدولية»: الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي وهيئة الأمم، لكن الولايات المتحدة ظلت الراعي الفعلي لهذه المفاوضات طيلة 27 عاماً. ومع أن الأرض المقصودة هي ليست سوى الأراضي التي أُحتلت عام 67، إلا أن المفاوضات لم تسفر عن شيء، فلا أرضاً أُستعيدت، ولا سلاماً تحقق، ولا ضغطاً أمريكياً على «إسرائيل» حصل. وكل ذلك في ظل إمعان حكومات «إسرائيل» المتعاقبة في تنفيذ مخططها لمصادرة ما تبقى من الأرض واستيطانها، والعمل على تفريغها وتهويدها، والسيطرة عليها، بأشكال مختلفة، الأمر الذي أوصل المفاوضات إلى طريق مسدود، وأغلق الباب حتى أمام إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 67.


أما بقية أطراف الرباعية الدولية فلم تمارس ضغطاً سياسياً فعلياً، لا على إدارات الولايات المتحدة، ولا على حكومات «إسرائيل»، بل اكتفت بالتحذير من عواقب إضاعة فرصة ما يُسمى «حل الدولتين»، وكأن هذا الحل ما زال ممكناً في ظل سيطرة «إسرائيل» على 82% من أرض فلسطين، ناهيك عن تسريع استكمال تنفيذ مخطط ابتلاع ما تبقى منها. بل ولم يطرأ تغيير جدي على مواقف هذه الأطراف، والأوروبي منها بالذات، حتى بعد تراجع الولايات المتحدة، بإدارة الرئيس ترامب، عن معادلة «الأرض مقابل السلام» لمصلحة معادلة جديدة هي «السلام الاقتصادي»، أي «المال مقابل الأمن»، كما يؤكد الثلاثي الأمريكي المُكلف بمتابعة خطة تصفية القضية الفلسطينية، كوشنر وجرينبلات وفريدمان، بعد نجاحهم، ومعهم بنس وبومبيو وبولتون، في دفع إدارة رئيسهم ترامب إلى اتخاذ قراراته بشأن القدس، و«نقل السفارة»، ووكالة «الأونروا» وحق عودة اللاجئين، والمستوطنات ومنطقة الغور في الضفة، والجولان السوري المحتل.


وهي القرارات التي وضعت المنطقة ولا تزال، تقدم الأمر أو تأخر، على حافة انفجار شامل. وفي مقال لافت، تحت عنوان: (الأمن «الإسرائيلي»: أربع جبهات قابلة للانفجار معاً!)، يقول الرئيس السابق لهيئة أركان جيش الاحتلال، غادي آيزنكوت: «تواجه «إسرائيل» حالياً أربعة تهديدات أمنية أساسية هي: التهديد غير التقليدي.. والتهديد التقليدي.. والتهديد التقليدي الفرعي.. والتهديد السيبراني». أما الخلاصة التي توصل إليها المذكور فهي: «هناك شخصيتان تاريخيتان استطاعتا تسليط الضوء على التحدي الذي تواجهه «إسرائيل»، وهما: زئيف جابوتنسكي الذي كتب في مقاله «الجدار الحديدي» أن السلام لن يكون ممكناً إلا حين يفهم العرب أنهم لن يستطيعوا إلحاق الهزيمة بإسرائيل باستخدام القوة، وديفيد بن جوريون الذي أشار إلى أنه، رغم عدم قدرة «إسرائيل» على تحقيق نصر حاسم باستخدام القوة، ستُمحى دولة إسرائيل من الوجود من دونها».


مقصود الكلام أعلاه العثور على سر لماذا تحولت «العملية السياسية»، بعد 27 عاما، إلى صفقة تجارية، عنوانها إحلال معادلة «المال مقابل الاستسلام» محل معادلة «الأرض مقابل السلام»؟ وهذا يعني أنه بصدور القرار الأمريكي بشأن القدس، في تشرين الثاني 2017، دخل الشعب الفلسطيني، قضية وحقوقاً ونضالاً وإنجازات ورواية، في محطة مفصلية، بل مصيرية، عنوانها الصمود والمواجهة، وهذا ما هو قائم، لكن المواجهة الدائرة تبقى ناقصة بفعل عدم مسارعة قيادتيْ «فتح» و«حماس» إلى التقاط الحلقة المركزية المتمثلة في إنهاء انقسامهما واستعادة الوحدة الوطنية، وإعادة تعريف المشروع الوطني، بناء على الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني، ووفق الميثاق الوطني قبل تعديله، بما يفضي إلى الاتفاق على برنامج سياسي وطني واحد، وقيادة وطنية واحدة، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، علماً أنه يتعذر التوصل إلى ذلك من دون إجراء مراجعة سياسية وطنية شاملة لمرحلة طويلة، أفرزت، فيما أفرزت، ديناميكية اختزالية تفكيكية لخريطة الوطن والحقوق وأوراق القوة الوطنية، فيما يعلم الجميع أن توحيد وتفعيل العامل الوطني كان دوما هو المفتاح لاستنهاض وتعبئة وتأطير وتنظيم الحالة الشعبية الفلسطينية في الوطن والشتات، والشرط الذي لا غنى عنه لاستقطاب وتوسيع الدعم والإسناد العربي والإقليمي والدولي، بأشكاله المختلفة، وبالمعنيين الرسمي والشعبي.