دأب الأخ والصديق خالد عز الدين على الاشتغال منذ عدة سنوات على قضايا الأسرى الفلسطينيين في سجون ومعتقلات الاحتلال الصهيوني. والحق، كنت ولا أزال من أشد المهتمين بتفاصيل حياة أبطال وقادة الثورة التحريرية بالجزائر. ومن الطبيعي أن لقاءاتي بالصديق المناضل عز الدين وأحاديثنا لا تخلو من عقد مقارنات وإسقاطات نقيمها بين الحين والآخر بين تجربة الثورة التحريرية الجزائرية وتجربة الكفاح الفلسطيني الطويل.
صادف لقاءاتنا نبأ تأثر له الأخ عز الدين أيما تأثر وهو رحيل من ظّل يلقب بشيخ المناضلين أبو علي شاهين وكان صديقي حريصا على تخليد نضالاته وكفاحه ومعاناته بين السجون والمعتقلات وإبراز نظرته للشأن السياسي الفلسطيني سواء ما تعلق منه بالمقاومة أو بالتجربة التي دخلتها منظمة التحرير الفلسطينية خاصة بعد مؤتمر مدريد. وأنا أتابع هذا الحرص من صديقي على أن لا يضيع ما ترك الفقيد المناضل أبو علي عبد العزيز شاهين سدى والإرادة الفولاذية التي تتملكه في زمن النسيان والنكران، أبيت إلا أن أشارك الإخوة الفلسطينيين مقارعتهم النسيان ومعاداتهم للاستسلام وأوجه بالمناسبة تحية إجلال وتعظيم لكل مقاوم فلسطيني على الأرض أو في سجون الاحتلال الظالم.
ساعدني على الاقتراب من هذا النضال أكثر والاحتكاك بالمعاناة الطويلة للمعتقلين هذا الإصدار الذي أشرف عليه الأستاذ خالد عز الدين تحت عنوان: " أبوعلي شاهين مسيرة شعب" وأنا أغوص في صفحات الكتاب استوقفتني فقرة رائعة وكأنها تقيم مسحا ضوئيًا على ما بداخله من إرادة صلبة وعزم على الانتصار لكن وأحسن من هذا فهو يصف حال الشعوب التي تجيد الانتصار مثل ما فعلها الشعب الجزائري عام 1962. قال أبو علي: "إن الانتصار في معارك الحركة الاعتقالية (شأنها شأن كل الانتصارات) ليس انتصارًا عضليًا، إنه انتصار قوة الإرادة فقط أمام إرادة القوة ولعل أقوى أنواع الانتصارات يجيء عندما تكون أعزلًا من كل سلاح إلا من هذه الإرادة فلابد أن تنتصر بها وعليك أن تنتصر بلحمك العاري ولم يكن ذلك بالأمر البسيط علينا". تلك هي روح القائد التي تسكن فقيد النضال الفلسطيني الشيخ المرحوم عبد العزيز.
قصة الرجل في المعتقلات الصهيونية ليست غريبة عن قصة الشهيد مصطفى بن بولعيد رغم فارق الزمن بينهما إذ أن القائد يبقى قائدا في الزنزانة كان أم في الهواء الطلق.. وإرادة واستماتة الرجل في المقاومة استنساخ لإرادة واستماتة الشهيد الحكيم محمد العربي بن مهيدي وشجاعة وإقدام وبطولة احمد زبانا الذي خلد شاعر الثورة التحريرية الجزائرية مفدي زكريا ذكرى إعدامه في سجن بربروس بالجزائر بقصيدة طويلة أهدي الشباب الفلسطيني الثائر مقطعا منها:
قام يختال كالمسيح وئيدا يتهادى نشوانَ، يتلو النشيدا
باسمَ الثغر، كالملائك، أو كالطفل، يستقبل الصباح الجديدا
شامخاً أنفه، جلالاً وتيهاً رافعاً رأسَه، يناجي الخلودا
رافلاً في خلاخل، زغردت تملأ من لحنها الفضاء البعيدا!
حالماً، كالكليم، كلّمه المجد، فشد الحبال يبغي الصعودا
وتسامى، كالروح، في ليلة القدر، سلاماً، يشِعُّ في الكون عيدا
وامتطى مذبح البطولة معراجاً، ووافى السماءَ يرجو المزيدا
وتعالى، مثل المؤذن، يتلو… كلمات الهدى، ويدعو الرقودا
صرخة، ترجف العوالم منها ونداءٌ مضى يهز الوجودا:
((اشنقوني، فلست أخشى حبالا واصلبوني فلست أخشى حديدا))
هذه مسيرة أبو علي، هي مسيرة شعب فلسطيني لن يرتاح ضمير الأمة كلها إلا بانتصاره على قوى الظلم والطغيان وقبل ذلك الانتصار على عوامل التراجع والاستسلام والتفرقة والخذلان. تحياتي إليكم أيها المناضلون المقاومون في كل مكان.