يبدو اليوم أن الفلسطينيين في حالة توافق تام، على رفض «صفقة القرن»، وفصلها الجديد الذي يجري التحضير له في المنامة. الرئيس محمود عباس، كان أكثر من واضح وأكثر من حازم في التعبير عن رفض الفلسطينيين لكل ما يجري ترتيبه، لإكمال مخطط مصادرة الحقوق السياسية، وفرض حلول اقتصادية معيشية، في جوهرها محاولة واضحة، لإنهاء حق عودة اللاجئين، وتوطينهم في الدول التي يقيمون فيها.
الولايات المتحدة تحاول توظيف الأموال، ومع الأسف الجزء الأكبر منها أموال عربية، من أجل شراء موافقة الدول التي تستضيف مئات آلاف، أو ملايين اللاجئين الفلسطينيين منذ أن طردوا من ارضهم عام 1948.
حتى الآن لم تظهر مؤشرات واضحة وجدية على إمكانية حضور بعض الشخصيات أو المتمولين الفلسطينيين، إلى مزاد بيع القضية الفلسطينية، غير أن هذا الغموض يستدعي من القيادة والفصائل الفلسطينية اتخاذ إجراءات عملية لمنع وصول أي فلسطيني إلى ذلك المؤتمر. وإذا كانت ثمة شكوك تتصل بهذا الأمر فإن القيادة الفلسطينية والفصائل، ينبغي أن تتخذ مواقف وإجراءات صارمة ورادعة بحق هؤلاء.
من يحضر المؤتمر من الفلسطينيين، حتى لو كان في أقاصي الأرض ينبغي أن يتعرض للعزل بتهمة الخيانة العظمى، وان تمت محاسبته على هذا الأساس.
عربياً، يبدو حتى اللحظة، أن عدداً محدوداً من الدول، وكلها من دول الخليج العربي، ستحضر المؤتمر، وقد أعلنت تلك الدول عن استجابتها للمشاركة تحت غطاء دعم لفظي للقضية الفلسطينية.
الخطاب العربي الذي يتغطى بكثير من البيانات والتصريحات التي تؤكد ثباتهم على التمسك بالحقوق الفلسطينية والعربية، لا تخفي سلوك هؤلاء، الذين يشاركون في تشديد الحصار المالي على السلطة، والمضيّ قدماً في تطبيع علاقاتهم بإسرائيل تحت ذرائع باتت مكشوفة للمواطن العربي.
السؤال هنا: بماذا تختلف قطر عن زميلاتها في تطبيع علاقاتها بإسرائيل، تحت غطاء الملايين التي تدفعها للفلسطينيين بذريعة المساعدة في تخفيف وطأة الأزمة المعيشية التي يعاني منها الناس؟ السفير القطري محمد العمادي وفريقه، يتحركون من خلال مطار بن غوريون، ويقيمون في إسرائيل، ويتحركون بين الضفة وغزة وإسرائيل بتنسيق كامل ورضى من إسرائيل، وفي الوقت ذاته يتلقون الثناء من قبل بعض الفلسطينيين على ما يقدمونه من أموال، محسوبة إسرائيلياً وعلى نحو مكشوف. ثمة ازدواجية في الموقف تلقي بعض الشك على مواقف الأطراف التي تعلن موقفاً ضد «صفقة القرن» وضد التطبيع وفي مواجهة كل ذلك.
لماذا تتم إدانة الدول العربية التي تقوم بتطبيع علاقاتها بإسرائيل، بينما يمتنع البعض عن إدانة التطبيع القطري؟ إن مثل هذه الازدواجية في المواقف إزاء السلوك المتشابه، من شأنها أن تخلق حالة من التشكيك، بأن موقف الإدانة يمكن أن يسقط عن بعض الدول الساعية للتطبيع، إذا هي قدمت أموالاً للفلسطينيين.
ألا يخدش هذا السلوك المتناقض الادعاء بأن الفلسطينيين أو بعضهم، يرفضون مقايضة الحقوق السياسية بالمال؟ لا يزال ثمة وقت كاف حتى انعقاد ما يسمى بورشة المنامة قبل أن يجري الحكم على طبيعة الحضور الفلسطيني والعربي وعلى إمكانية نجاح أو فشل تلك الورشة.
واضح أن الحلف الأميركي الإسرائيلي، غير متردد ولا يمكن التراجع عن بذل كل الجهد الممكن لتأمين أوسع حضور عربي.
عراب الصفقة، بدأ عملياً بزيارات لبعض الدول العربية منها، المغرب والأردن، وربما تتسع الجولة لتشمل دولاً أخرى، من أجل الضغط عليها لحضور تلك الورشة المشؤومة.
مقابل ذلك ما هو مستوى الضغط الذي يمارسه الفلسطينيون على الجامعة العربية من أجل اتخاذ موقف برفض المشاركة؟ قبل بضعة أشهر، كانت الولايات المتحدة قد دعت لعقد مؤتمر دولي في وارسو، وكان واحدة من حلقات التحضير للجاري من الخطوات. ألم يتفاجأ الفلسطينيون بأن معظم الدول العربية قد حضرت ذلك المؤتمر، الذي حذرت منه منظمة التحرير والفصائل، وكان كل طرف حضر المؤتمر، قد أطلق عشرات التصريحات، لتأكيد التزام بلاده بمبادرة السلام العربية، والسلام القائم على رؤية الدولتين؟
إن قطع الشك باليقين من قبل الفلسطينيين الذين كلهم يرفضون «صفقة القرن»، هو أن يقرروا التخلص من هذا الانقسام، الذي يضعف قوتهم، ويوفر الذرائع لكل من أراد التخلص من عبء القضية الفلسطينية.
غوتيريش: يجب أن تنتهي المذبحة الجارية في غزة
20 سبتمبر 2025
