نحو فعل وطني شامل ومختلف

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

طلال عوكل

ثمة معركة أخرى ذات خطورة، وتشكل مفصلاً من مفاصل «صفقة القرن»، موضوعها اقتصادي، وأدواتها عربية، وإدارتها أميركية إسرائيلية.
في الخامس والعشرين من الجاري، تنعقد في المنامة، ورشة تدعو الولايات المتحدة لتنظيمها، وتحديد أجندتها، وتحضرها إسرائيل وعدد من الدول العربية على مستوى وزراء المالية، ويغيب عن المولد المسموم صاحب القضية، وهو الشعب الفلسطيني.
مؤسف جداً، أن تتطوع البحرين، لاستضافة هذا المؤتمر، ليس لأنها دولة تطمح إلى دور إقليمي، وإنما استطراداً لدعواتها باتجاه تطبيع علاقاتها بإسرائيل، وانصياعاً لقرار أميركي.
بعد الإعلان عنه بأيام قليلة، أعلنت ثلاث دول خليجية هي: السعودية، والإمارات العربية وقطر، استعدادها للحضور، وخلال هذا الأسبوع أعلنت ثلاث دول أخرى عربية هي: الأردن، ومصر والمغرب، استعدادها للحضور. معلوم أن حضور هذا المؤتمر يتم بضغط شديد من الولايات المتحدة، لكن الحضور لا يعني بالضرورة، التساوق مع «صفقة القرن» كما تراها الولايات المتحدة. الموقف الفلسطيني الرسمي والفصائلي والشعبي، الرافض لهذا الفصل من فصول «صفقة القرن»، يساهم عملياً في ردع أي فلسطيني تسوّل له نفسه الخروج عن الإجماع الوطني، وإن حصل ثمة اختراق، فإنه لن يكون ذا قيمة.
فيما سبق من فصول «صفقة القرن»، أي ما يتعلق بالموقف الأميركي من القدس، ومن ملف عودة اللاجئين الفلسطينيين، لم يكن ممكناً للفلسطينيين إفشال تلك الفصول، ذلك أنها خطوات وسياسات أحادية الجانب. صحيح أن ملف عودة اللاجئين و»الأونروا» لا يزال مفتوحاً، ويحتاج من الفلسطينيين مواصلة العمل في هذه المعركة لإفشال هذا الفصل، لكن حلقة البحرين، يمكن إفشالها، طالما أنها تحتاج إلى مشاركة عربية وفلسطينية.
الموقف الفلسطيني المعلن، والجامع، يستحق كل التقدير والاحترام، وهو موقف حازم، واضح، لا لبس فيه، لكن إفشال هذا الفصل من فصول «صفقة القرن»، لا يمكن أن يتحقق فقط من خلال تسجيل هذا الموقف البطولي الذي يرفع (لا) كبيرةً في وجه قوة باغية من مستوى الولايات المتحدة الأميركية.
الموقف الفلسطيني الحازم، له مردودات إيجابية حتى الآن على مستوى ردع أي فلسطيني عن المشاركة، فضلاً عن أنه، أيضاً، يشكل معياراً لمواقف الدول العربية، خصوصاً وأن معظمها لا يستطيع تجاوز مواقف شعوبها، حين يكون موقف أصحاب الشأن وهم الفلسطينيون على النحو الذي تنقله وسائل الإعلام.
في مثل هذه المنعطفات التاريخية والخطيرة لا بد من وسائل للعمل مختلفة يملك الفلسطينيون منها الكثير من أشكال النشاط البسيط وشديد التأثير، عدا عما يقوم به الإعلام الفلسطيني من دور.
الوقت يسمح، بالدعوة وطنياً، لإقامة مؤتمرات شعبية جامعة لكل الفصائل، وكل الشرائح والفئات الاجتماعية والسياسية، وكل منظمات المجتمع المدني، وكل المؤسسات الفلسطينية، لعقد مثل هذه المؤتمرات حتى يسمع كل العالم ويشاهد بأن الشعب الفلسطيني كله يقف خلف قيادته وفصائله وقفة رجل واحد.
ثمة إمكانية لعقد سلسلة مؤتمرات، شعبية، للداخل الفلسطيني في الضفة والقطاع، وآخر في أراضي 1948، وثالث في المهاجر، وأيضاً، في مخيمات الشتات.
هذه المؤتمرات الشعبية، ستكون لها آثار كبيرة على حركات التضامن العربية والإسلامية، والأجنبية في كل أصقاع الأرض. ولكن ثمة حلقة أخرى ينبغي تحريكها بقوة في ضوء وبالرغم من صعوبة الأوضاع العربية. ثمة أكثر من طرف في أكثر من دولة عربية أو إسلامية، يمكن أن ترعى وتنظم مؤتمراً شعبياً عربياً وإسلامياً، يستهدف الضغط على الأنظمة العربية، ويشكل تحذيراً، لمن يتمادى في التساوق مع المخططات الأميركية الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته يشكل حمايةً ودعماً للدول العربية التي تتخذ موقفاً مسانداً للموقف الفلسطيني. هذا هو دور منظمة التحرير الفلسطينية في مثل هذه المنعطفات الخطيرة، خاصة وأن لها أذرعاً في أكثر من مئة دولة من دول العالم.
إذا كان مثل هذا النشاط مهماً إلى هذه الدرجة، بالإضافة إلى ما يتم التحضير له من نشاطات احتجاجية، فإن الحدث الأقوى والأهم هو تحقيق اختراق جدي في ملف إنهاء الانقسام الفلسطيني.
الأسبوع الأخير، بعد عيد الفطر، نشطت الأخبار حول نية مصر لإعادة تنشيط دورها في هذا الملف، الأمر الذي حفز الصحافيين لفحص إمكانيات تحقيق اختراق. بطرحه لا يجرؤ أحد على أن يقدم رؤية متفائلة، فالمسألة ليست متعلقة بمدى ورغبة مصر في تنشيط هذا الملف، خصوصاً في ظل خيبات الأمل الكثيرة السابقة.
وبصراحة أكثر فإن الأمر يتصل بالفلسطينيين بالدرجة الأولى، فإذا جرى التمسك بالحسابات التي لا تزال تعطل مسيرة المصالحة، فإن لا مصر ولا غيرها قادر على تحقيق الاختراق المرغوب.
في هذا السياق لا يوجد أي مؤشر إيجابي، من قبل أطراف الانقسام يمكن أن يؤشر على إمكانية التفاؤل، لكن السياسة لا تعرف المستحيل وتتسم بالحركة، فدعونا نتأمل مفاجآت سارة. هذا ما يملكه المواطن بعد الدعاء.