رسالة قديمة

22.PNG
حجم الخط

بقلم: حمدي فراج

 

أخي خالد البطراوي .. تحية طيبة وبعد ، كأني اكتب لوالدك الخالد فينا محمد البطراوي للمرة الثانية بعد ثلاث واربعين سنة. لقد أحيت تلك الرسالة التي أعدت إرسالها لي بعد الاحتفاظ بها طوال هذا الوقت ، حتى بعد رحيل الوالد بسنوات ، شيئا مهيبا من الجمال والروعة ، يتعدى شباب العمر وتفتح الحياة، الى ما هو أبعد بكثير ، جمال مبهر ومفرح ومؤثر يثير في النفس موجات من الفخر المشوب بالمحبة والانتماء والانجاز ، سرعان ما يتحول الى سخط وألم وتحسر على واقع حال اليوم في اكثر من مجال، وعلى رأسها واقع الحال النقابي عموما والطلابي على وجه الخصوص ، رغم ان الجامعة الواحدة تضاعف عدد طلبتها عدة مرات والجامعات كذلك ، دون ان تكون للحركة الطلابية حربتها وشرارتها التي كانته في تلك المرحلة .

مضمون تلك الرسالة الموجهة الى "محمد البطراوي" بصفته ناقدا ادبيا لامعا ، ان يشارك في لجنة تحكيم في مهرجان ادبي يتضمن القصة القصيرة والقصيدة الشعرية والمقالة والخطابة والالقاء الشعري، ما يلفت النظر في الرسالة الرسمية ان هناك هاتف خاص بمجلس الطلبة من أربع خانات فقط (3276) وصندوق بريد من خانة واحدة (9)، ما يلفت النظر ايضا ان رئيس الجامعة الراهب الامريكي جوزيف لونشتين قدم كأسا فضية للفائز المفترض، لكن الاهم هو ان ضيوف مجلس الطلبة كانوا يحلون ضيوفا على مائدة الغداء بغض النظر عن عددهم ومهمتهم .

وقد تم تضمين كل ذلك في تلك الرسالة التي كتبتها بخط يدي ولا أذكر كيف أمنتها لمحمد البطراوي في رام الله وبقية المحكمين والضيوف، بالاضافة الى تسع نسخ من متسابقي القصة وثمانية من القصيدة وخمسة من المقالة، اما الالقاء الشعري فسيتم وجاهة يوم المهرجان ، لكن تم تحديد مقاطع (الاول والرابع والخامس) من قصيدة عبد اللطيف عقل "اغنية عن العتاب" المنشورة في مجلة البيادر عددها الاول. لم يكن لي من العمر انذاك اكثر من عشرين حولا، نخاطب ونكاتب قامات شامخة في الفكر والادب والدرجات العلمية الرفيعة، دون تردد او تمنع او خجل، فتجمعني بعد نحو خمس سنوات زمالة البطراوي في رابطة الصحفيين العرب التي لم تكن قد تحولت الى نقابة الصحفيين بعد، وتأخذنا الطريق معا في احد الايام الى رفح بصحبة زملاء آخرين من الرابطة، قال يومها ان اليسار العربي لن يحكم في اي قطر عربي خلال الخمسين سنة القادمة، لانه لا يعرف يحكم بقدر ما يعرف ان يعارض.

الشيء الآخر الذي علمني اياه ثمرة الجميز، طلب من السائق ان يتوقف بجانب شجرة، توجه اليها قطف بعض ثمارها وقال لي: خذ، هذا جميز. كانت اللفظة حاضرة في ذهني لكثرة ما كان يرددها جدي امنيته العودة الى وطنه حيث شجرة الجميز، لكني لم اكن اعرف شكلها ولا طعمها الشبيه بطعم التين الا من خلال محمد البطراوي .