صورة: الفنان المصرى "إياد نصار" الطيب والشرس والقبيح في دور واحد

إياد نصار
حجم الخط

القاهرة - وكالة خبر

في عام 2010 عرض مسلسل "الجماعة"، إنتاج كبير، وعدد من ضيوف الشرف، في أمر لم يكن معتاد في الدراما التليفزيونية بهذه الصورة آنذاك، وشخصية تاريخية مثيرة للجدل، والمؤلف أحد أهم كتاب السيناريو في مصر هو وحيد حامد، ومخرج يقدم مسلسله الأول بعد أن بدأت ملامح أسلوبه الإخراجي تتضح في السينما هو محمد ياسين. من البطل إذن؟ 

ممثل أردني غير معروف للجمهور المصري بشكل جيد، شارك في أعمال قليلة، هل يستطيع أن يحمل مسؤولية مسلسل بهذا الحجم؟ دعونا نرى.

من مسلسل "الجماعة" في 2010 تعرف الجمهور على إياد نصار، ومنذ ذلك الحين لم يعد هناك قلق من وجود اسمه في أي عمل، بل على العكس بات مُنتَظرًا ما سيقدمه في كل عمل جديد.

في عيد الفطر أطل إياد نصار خلال فيلمين هما الأبرز في هذا الموسم: "كازابلانكا" و"الممر"، فهل كان ظهوره إضافة له وللفيلمين؟

وجهان في أفلام العيد

في كلا الفيلمين يظهر إياد نصار بشخصية بها ملامح الشر. في "الممر" هو الضابط الإسرائيلي ديفيد قائد أحد معسكرات الجيش الإسرائيلي في سيناء، والذي تدور أحداث الفيلم عن عملية اقتحامه. منذ أول مشاهده يقدم لنا نصار شخصية قاسية، تقتل بدم بارد ويملأه الغرور. بينما في "كازابلانكا" نجده يعمل لصًا، وبالتالي هو ليس شخصية مثالية، لكن بعيدًا عن عمله فحتى علاقته مع شريكيه مضطربة، يصعب أن ندرك هل هو في صف هذا أم ذاك حتى نهاية الفيلم.

ربما لم يكن رسم الشخصية في "الممر" موفقًا في النصف الثاني من الفيلم، بعد سقوطه في أيدي الضباط المصريين، إذ تحول إلى شخصية خائفة وهزلية بعض الشيء، وهو الأمر الذي ربما كان المقصود به أن يمنحنا المفارقة بين أداء هذا الضابط عندما كان في موضع قوة، ثم عندما فقد هذه القوة، لكن المفارقة احتوت على مبالغات أكثر من اللازم خاصة في الحوار. بينما رشيد في "كازابلانكا" كان شخصية أفضل كتابةً وبالتالي دعونا نقترب أكثر من الأداء.


تعتمد الكثير من الأفلام على إخفاء بعض التفاصيل عن إحدى الشخصيات حتى تكون بمثابة المفاجأة في النهاية، لكن ما يحدث من بعض الممثلين، عند التحول وكشف سر الشخصية هو تغيير كامل في الأداء، على سبيل المثال يمكن مشاهدة أداء أنور وجدي في "أمير الانتقام" في كل مرة يكشف فيها عن شخصيته مع صيحة "أنا حسن الهلالي" الشهيرة كان ينتقل إلى أداء به مبالغة ومختلف عن أداء الشخصية التي شاهدناها منذ البداية، بينما هذا ينافي المنطق، فنحن أمام شخصية واحدة تغضب وتحب وتكره وتتآمر، ولهذا فيجب أن يكون الانفعال خارجًا من هذه الشخصية ومناسب لما نشاهدها عليه منذ البداية وليس انفعالًا لأن المشهد يتطلب ذلك وانتهى الأمر.

هذا ما فعله نصار في "كازابلانكا" إذ حافظ على هيئة واضحة لشخصية رشيد طوال الأحداث، هو سريع الانفعال وحاد، ويقدم مصلحته على أي شيء آخر، وفي إطار هذه الملامح نشاهد أداء الممثل منذ بداية الفيلم وحتى آخر مشاهده، ربما شاب الأداء بعض المبالغة في المشاهد الأخيرة، لكن هذا لا يخصم من رصيده في الفيلم.

في الحقيقة لا يمكن النظر إلى هذه الشخصية بمعزل عن شخصيات أخرى قدم فيها إياد نصار هذه التركيبة التي تضم الكثير من التحولات ببراعة أكبر في مسلسلاته السابقة، التي يمكن أن نتوقف عند اثنين منهما.

عدة وجوه في شخصيتين

كما ذكرنا كان "الجماعة" هو أول الأعمال التي عرّفت الجمهور بشكل حقيقي على إياد نصار. في هذا المسلسل قدم شخصية حسن البنا، منذ بداية تأسيسه لجماعة الإخوان المسلمين. من الممكن تقديم هذه الشخصية بشكل شيطاني تمامًا منذ البداية وحتى النهاية، ولكن لم تكن هذه رغبة صناع العمل، بل أرادوا تقديم دواخل هذه الشخصية، والتغيرات التي مرت بها إلى أن وصلت إلى شكلها النهائي.

استفاد إياد نصار، ومعه المخرج بالتأكيد، من عدم وجود الكثير من التسجيلات للبنا، مما حررهم من قيود المحاكاة وأَحكام المُشاهد الذي ينتظر إلى أي حد سيكون الممثل قريبًا في أدائه من الشخصية الحقيقية. أعطاهم ذلك مساحة جيدة للتركيز على نفسية هذه الشخصية، ورصد مراحل تحولاتها.

المشاهد لأولى الحلقات التي يظهر فيها حسن البنا ثم الحلقة الأخيرة من المسلسل وهو يقول "لهذا خلق الله الندم" بالتأكيد سنجد تغيرًا بين الشاب الذي كان في الحلقات الأولى، لا زال يستكشف العالم وتنقصه الخبرة، وهذا الشخص المنهزم الذي يشعر بفداحة ما فعله، لكن في الحالتين ما زال ممسكًا بالشخصية، لا زال هو حسن البنا ولا يؤدي مشاهد الندم في النهاية بأداء بعيد عن الشخصية.

في المسلسل نفسه أيضًا، يمكن التوقف عند المشاهد المختلفة لاجتماع البنا بالقيادات السياسية، لنشاهد مرة أخرى إحساس إياد نصار بالشخصية وتطورها وتنقلها بين الثقة بالنفس والغرور والانكسار في النهاية.

يبدو أن إياد نصار يزداد حضورًا تحت قيادة المخرج المميز محمد ياسين. ولهذا في دوره التالي معه في مسلسل "موجة حارة" عام 2013 نشاهد مرة أخرى عدة تفاصيل داخل شخصية واحدة هي شخصية سيد العجاتي التي لعبها نصار.

في هذا المسلسل يقدم شخصية ضابط لديه الكثير من المشكلات الزوجية والعائلية، بالإضافة لضغوط عمله، وعدوه اللدود حمادة غزلان القواد الذي لا يستطيع الإيقاع به. سيد العجاتي شخصية جافة وعملية، يتعامل مع زوجته بجفاء رغم حبه له، ويغار عليها بشدة بسبب ما اعتاد عليه من عمله في شرطة الآداب، وعندما نأتي إلى علاقته بأمه فهو يتحول معها إلى شاب هادئ ومطيع يحاول كسب رضاها بكل الطرق. 

كل هذه التفاصيل كانت مكتوبة بعناية فائقة من فريق كتابة المسلسل، تحت إشراف مريم نعوم، ليخرجوا لنا شخصية غنية بالتفاصيل وموصوفة بدقة من النادر تواجدها في أي عمل درامي حاليًا.

مرة أخرى تحتاج هذه الشخصية إلى ممثل يستطيع أن ينتقل خلال المشاهد المختلفة بين هذه الانفعالات، فهو في هذا المشهد يجلس مع زوجته ويعاملها بجفاء، وفي المشهد التالي مباشرة سيكون مع أحد المشتبه فيهم ويتعامل بشكل مختلفة، قبل أن يعود إلى أمه ويتحول معها إلى ابنها الوديع، وفي كل هذا يجب أن يكون هو سيد العجاتي، بتعبيرات الوجه المناسبة للشخصية.

في كل مرة نجد فيها اسم إياد نصار على التترات، ننتظر شيئًا جديدًا، وإن كان في بعض الأحيان لا يحسن الاختيار، فإنه في الكثير منها يقدم المنتظر منه وأكثر.
258320_0.png