بقلم : حمزة حماد
لا يعشق الإنسان في حياته سوى أم واحدة، ولا يُقبل إلا يد أم واحدة، ولا يحضن إلا أم واحدة، لكن في العرف الفلسطيني حين تتعلق القضية بالأرض تمنح الحرية المطلقة للأم الفلسطينية كونها تعكس الصورة المناسبة للنموذج المكافح للمرأة في العالم بعطائها وصبرها وتضحياتها، فحقاً إنها سيدة الأرض !
كيف لا، وهي من قدمت النموذج المميز والأوفى للمرأة الصبورة، فهي أم الشهيد والجريح والأسير والمناضل، بل هي فلسطين كل فلسطين والمكافحة على أرضها والثابتة بصبرها والجريحة باحتلالها. لم أقصد أمي الوحيدة في هذا المقام، إنما أقصد الأم الفلسطينية التي نعتز ونفخر باسمها حين يذكر في كل محفل، والتي تُعرف بتضحياتها ونضالها في كل أشكال النضال الوطني الذي نعرفه، ويعرفه كل أبناء الشعب الفلسطيني العربي في كل أماكن تواجده.
يتردد الذات في طرح قضية "سيدة الأرض" التي أثارت مواقع التواصل الاجتماعي بعد ما قامت مؤسسة فلسطينية بمنح الممثلة إلهام شاهين لقب "سيدة الأرض" والتي اعتبرها البعض مفاجأة صادمة باعتبار أن هناك شخصيات فنية مشهورة أكثر أحقية منها، لكن ما أثار الدهشة أن طبيعة الصراع السوشلجي تمحور ما بين الجانب السياسي والديني وهذا بحد ذاته صراع لا ينتهي.
لذلك أعتبر أن هناك مواقع أخرى يمكن للفنانة إلهام شاهين أن تكون بها وأن تحصل عليها، ولا يمكن لنا أن نكون خاضعين لأقبح احتلال على هذه الأرض وأن نمنح لقباً لشخصية بعيدة كل البعد عن الدور الذي يجب أن تقدمه في مساندة القضية الوطنية للشعب الفلسطيني، باعتبار أن الفن سلاحاً يمكن استخدامه في محاربة إسرائيل خاصة وأنها تهتم بشكل كبير في هذا الجانب لإثبات دورها السياسي وكسب أكبر قدر من المتضامنين مع روايتها ورسالتها الموجهة للعالم، بل حققت جزء كبير من التعاطف الذي تسعى له.
لا أريد الخوض في جوانب تتعلق بحرية الفكر والسلوك كما هو مشاع على مواقع التواصل الاجتماعي من سخرية واستهزاء بحق الفنانة شاهين، لكن لم تفكر مؤسسة سيدة الأرض الفلسطينية ولو لمرة واحدة في كيفية استثمار هذه المكانة وهذا الدور لدعم الموقف الفلسطيني ولو فنياً، ربما كانت الاستهانة في هذا الشأن كبيرة لكن بالطبع هناك من يستحقها من الشعوب الحرة التي تناصر قضيتنا الوطنية، وهذا ما كان يجب أن يكون .. ولكن !!
فمن وجهة نظري، وبعيداً عن الجانب التضليلي الذي نراه في كثير من الانتقادات التي وجهت للمؤسسة ولصاحبة هذه المكانة "شاهين" ومحاولة التدخل في جانب الحريات، أرى أن من واجبنا الوطني أن نكون حريصين ودقيقين في اختيار الشخصية، وتقييم إذا كانت تصلح في خدمة قضيتنا أم لا، ومرة أخرى وبعيداً عن التدخل في جانب الحريات كان لا بد من اختيار شخصية فنية ثقافية أخرى تحقق هدفنا الوطني أو المؤسساتي على الأقل كونها تحمل الجنسية الفلسطينية.
وفي نهاية المطاف، أتفهم أن هناك مصالح يكون الاختيار على أساسها، لكن ربما لا ندري أننا أخطائنا التقدير الصحيح ولم نفلح في خدمة الواجهة المؤسساتية أو حتى نحقق رضا الجمهور الفلسطيني وبعض العرب الداعمين لنا !!! تحملي يا أمي، تحملي يا أمي، فلا أعرف إن كنت نجحت في توصيل رسالتي أم أخفقت، لذلك ما أستطيع قوله هو أنهم قد فعلوها وجعلوا من صبرك وتضحياتك جسراً يسيروا عليه لتحقيق رغبات شخصية ونفعية وبعيدة عن مصلحة الوطن والإنسان الفلسطيني.