ماذا ستفعل غزة ؟ !

رجب أبو سرية.jpg
حجم الخط

رجب أبو سرية

عادة ما تقوم إسرائيل قبل يوم أو يومين من موعد الجمعة بعمل من شأنه أن يهدئ من روع أهل غزة، من نمط الإعلان عن السماح بمرور المال القطري، أو ما إلى ذلك، بهدف أن يمر يوم الجمعة بهدوء، لكنها هذه المرة لم تفعل ذلك، بل قامت مساء الخميس الماضي، بقصف عدة مناطق في غزة ورفح باستهدافها عبر الطيران الحربي الجوي، وذلك عشية الإعلان عن أن يوم الجمعة، إنما هو يوم «لا لضم الضفة»، في إشارة واضحة للرد على الإعلان الصفيق الذي كان قد صرح به السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، والذي قال فيه بحق «إسرائيل» في ضم مناطق من الضفة الغريبة، وبما يؤكد على وحدة المصير والواقع السياسي والميداني الفلسطيني خاصة بين غزة والضفة الغربية والقدس.
ورغم أن فريدمان، يبدو أنه شخص «خفيف الوزن» سياسيا، وأنه رجل غير مسؤول، فلا هو وزير الخارجية ولا المبعوث الخاص، الا أن إعلانه يشكل خطورة، من حيث كونه أولا يفصح عن الخطوة التالية المتوقعة من حيث الإعلان ضمن سلسلة خطوات صفقة العصر، أي بعد إعلاني القدس والجولان، وثانياً من حيث انه يهيئ الأجواء لذلك، كما أنه يبدو انه سيكون «هدية البيت الأبيض» لبنيامين نتنياهو في حملته الانتخابية القادمة، بعد أن كان الإعلان الخاص بالجولان هديته له عشية إجراء الانتخابات السابقة.
على أي حال، فإن الأجواء بين غزة وإسرائيل، تبدو ما زالت تراوح مكانها، مثل حال «المعلّقة» التي لا هي متزوجة ولا هي مطلقة، بما يعني بقاء الحال على حاله، واستمرار المعاناة الشعبية جراء الحصار الخانق المتواصل منذ سنين طويلة، ورغم ذلك لم تقتنع بعد حركة حماس بما قلناه على مدار كل تلك السنين بأن الممر الإجباري لكسر الحصار إنما هو الممر الوحيد، المتمثل بإنهاء الانقسام وإعادة الشرعية إلى القطاع، ومن ثم إدارة الصراع مع إسرائيل بشكل وطني فلسطيني موحد ومتعدد الأشكال والأدوات والوسائل.
ومنذ فترة والأمر يبدو مكروراً، فحين يتم التوصل لتهدئة، وفق نصوص «ترضي» حماس، بالحديث عن تحسينات لها علاقة بزيادة مساحة الصيد في البحر، أو بالسماح لبعض السلع بالمرور وكذلك السماح للمال القطري المحدود بالوصول، وتحسين العمل في محطة الكهرباء، حتى تهدأ الأمور نسبيا، ولكن إلى حين يظهر تلكؤ إسرائيل في التنفيذ، فيجري اللجوء إلى الوسائل الخشنة، في مسيرات العودة، أو حتى إطلاق عدد ما من الصواريخ ومن ثم تقصف إسرائيل بعض المواقع في غزة، وهكذا صار الأمر مملا ومعتادا، في انتظار حدث حاسم لا يتحقق، إن كان بالتوصل إلى هدنة سياسية أو حتى أمنية طويلة الأجل أو باندلاع حرب جوية وربما برية أيضا على غرار الحروب السابقة.
بكل هذه الحالة «المهرجلة» إلا أن «مقاومة غزة الشعبية» بالذات التي تجري على حدودها الشرقية مع إسرائيل، ورغم أنها جرت في ظل التوظيف السياسي المقيت لحماس، إلا أنها أزعجت إسرائيل، ليس من الجانب الاقتصادي المتعلق بحرق مساحات من أراضي مستوطني الغلاف وحسب، ولكن من جهة نزوح عدد منهم باتجاه الشمال والعمق الإسرائيلي، وربما هذا يحدث لأول مرة في تاريخ الصراع، الذي عادة ما كانت إسرائيل تفعل فيه العكس، أي نزوح الفلسطينيين والعرب عن أرضهم وليس العكس.
المهم هو أن توجد إرادة الصمود والمقاومة والأهم إرادة الوحدة الوطنية، فإذا كانت إرادة الصمود قد نجحت حتى اللحظة في التقليل كثيرا من حجم الخسائر الناجمة عن الإعلان الأميركي الخاص بالقدس، وعن فرض التأجيل تلو الآخر على إعلان صفقة ترامب، إلا أن الانقسام أبقى على الوضع الفلسطيني في حالة دفاع دائم عن النفس، وحتى يتحول الأمر من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم لابد من إنهاء الانقسام والتوحد السياسي ومن ثم الميداني من أجل ذلك.
وهناك وقت ذهبي، يتمثل في فترة الانتخابات الإسرائيلية حتى أيلول القادم، وكما أدركت القوى العربية السياسية داخل إسرائيل أهمية التوحد، من خلال بدء الحديث عن التوجه للانتخابات عبر قائمة عربية واحدة، كما كان الحال في انتخابات الكنيست العشرين، وعكس ما كان عليه في انتخابات الكنيست السابقة الواحدة والعشرين، فلا بد أن تدرك حماس والفصائل في غزة أهمية الوحدة السياسية مع السلطة الشرعية، خاصة بعد تشكل الحكومة الوطنية، وطي صفحة التكنوقراط، واستمرار سياسة السلطة في المقاومة السياسية وعدم التراجع قيد أنملة عن الموقف الوطني المتمسك بالحقوق الأساسية والثابتة للشعب الفلسطيني .
أي انه لا توجد حجة لحماس للاستمرار في إدارة غزة منفردة أولا وخارج إطار الشرعية ثانيا، وهي كانت تدعي من قبل بوجود برنامجين سياسيين، حين كانت تجري مفاوضات على أساس أوسلو، اليوم هناك مقاومة سياسية رسمية تقودها م ت ف وحكومتها بقيادة حركة فتح، وهناك مقاومة شعبية، حيث لا بد أن يتوحد المستويان ليدافع ويدعم أحدهما الآخر، وحتى تتوحد كل الجهود والإمكانيات لنجاح المستويين في تقديم ما هو أفضل.
على الصعيد الشعبي، فإن جماهير حركة فتح وقوتها على الأرض، تنخرط ميدانيا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، إن كان عبر مواجهات الحدود أو من خلال الدفاع عن أرض غزة في مواجهة الاجتياح، بالمقابل فإن «حماس» لا تحمي ظهر السلطة الشرعية في كفاحها السياسي، لذا لا بد من ضغط إضافي على «حماس» يمنع أولا أن يجري توظيف قدرة غزة العسكرية والشعبية ضمن أجندات خارجية وبالتحديد ضمن حرب محتلمة أو متوقعة في الخليج، حيث لابد أن تظهر غزة بوضوح بأن كل قوتها وقدراتها المختلفة إنما من اجل الدفاع عن الحقوق الوطنية ومن أجل تحقيق البرنامج الوطني، ولا شيء غير ذلك، وثانيا يجبرها على إنهاء الانقسام وتسلم غزة_ إلى الرئيس محمود عباس الذي لا خلاف عليه ولا على انتخابه المباشر ولا على شرعيته_ لتكون غزة في عهدته إلى حين الانتهاء من تنفيذ بنود اتفاق القاهرة 2017 .