لقاء مطول مع زوجة "البرغوثي" .. "زوجي سيتخذ قرار الترشح للرئاسة في الوقت المناسب وسيحقق إرادة الشعب"

6666666
حجم الخط

اختطفت إسرائيل في أبريل/نيسان 2002، مروان البرغوثي، ليلقى حكماً بالسجن خمسة مؤبدات وأربعين سنة إضافية.   حكمت المحكمة المركزية الإسرائيلية على مروان البرغوثي بخمسة مؤبدات وأربعين عاماً بتهمة المسؤولية العامة لكونه أمين سر حركة فتح وأنه مؤسس وقائد كتائب الأقصى. وردّ البرغوثي في جلسة المحكمة "إذا كان ثمن حرية شعبي فقدان حريتي، فأنا مستعد لدفع هذا الثمن" ووصف هذا الحكم بـ"جريمة حرب تشبه الجريمة التي يرتكبها طيارو الجيش الإسرائيلي الذين يلقون القنابل على المواطنين الفلسطينيين تماشيا مع قرارات الاحتلال".
ولد مروان البرغوثي عام 1959 في قرية كوبر إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله، وأعتقل أول مرة في سن الخامسة عشرة بسبب مشاركته في تظاهرت ضد الاحتلال الإسرائيلي وحصل على الثانوية العامة داخل السجن الذي استمر من عام 1978 إلى عام 1983.
بعد الافراج عنه انتخب رئيساً لمجلس الطلبة في جامعة بير زيت لثلاث دورات متعاقبة وعمل على تأسيس منظمة الشبيبة الفتحاوية.
تعرض البرغوثي للاعتقال والمطاردة عدة مرات حيث اعتقل عام 1984 لعدة أسابيع في التحقيق وأعيد اعتقاله في مايو/ أيار 1985 لأكثر من 50 يوماً في التحقيق، ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية في العام نفسه ليُعتقل إداريا في أغسطس/آب 1985.
وتم إطلاق سراحه 1986 إلى أن أبعد خارج الوطن بقرار من وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين.
عمل بعد إبعاده مباشرة إلى جانب الشهيد أبو جهاد الذي كلّفه بالمسؤولية عن تنظيم الأراضي الفلسطينية.
انتخب عضوا في المجلس الثوري لحركة فتح عام 1989 وعاد على رأس أول مجموعة من المبعدين إلى الأراضي المحتلة عام 1994، وانتخب أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية ثم عضوا في المجلس التشريعي.
تعرض إلى أكثر من محاولة اغتيال، وعند اختطافه الأخير، قال أرئييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إنه يأسف "لإلقاء القبض على البرغوثي حيا وكان يفضل أن يكون رمادا في جرة". أما شاؤول موفاز، وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها، فقد علّق على الاختطاف بالقول "إن اعتقال البرغوثي هو هدية عيد الاستقلال".
رفيقة درب البرغوثي وزوجته المحامية عضو المجلس الثوري لحركة فتح فدوى البرغوثي تفتح ذاكرتها عن بعض محطات حياة مروان ومواقفه وعلاقتهما العائلية.

*هل ظلمك ارتباط اسمك باسم مروان البرغوثي؟
أعتز بارتباط اسمي باسم القائد المناضل مروان البرغوثي صاحب التاريخ النضالي الحافل والذي اعتقل في سن الخامسة عشرة عام 1978 لخمس سنوات وأفرج عنه ثم اعتقل سنة وسنة وستة أشهر إلى أن قضى في سجون الاحتلال بهذا الاعتقال الأخير عامه الواحد والعشرين إلى جانب الإبعاد والمطاردة ومحاولتي اغتيال. تاريخ يعتز به كل فلسطيني وأنا واحدة من أبناء الشعب الفلسطيني، لدي فخر واعتزاز كبير لارتباط اسمي باسمه، ولم أشعر في يوم من الأيام بأن هذا قلل من مكانتي في المجتمع بالرغم من أنني منذ كان عمري ثمانية عشر عاما وأنا أعمل في المجال الاجتماعي والسياسي. 
ارتباط اسمي باسمه مسؤولية علي، وعلي أن أحافظ على هذا الاسم بما يخدم القضية التي ناضل من أجلها، والأهم هو نقل وإيصال صوته ورسالته لشعبنا وللعالم.

اقرأ أيضاً: 
الاحتلال الإسرائيلي يعزل مروان البرغوثي في زنزانة انفرادية

*متى آخر مرة رأيت فيها مروان البرغوثي؟
الأسبوع الماضي، لم يسمح لي، في بداية اعتقاله، بزيارته مدة أربع سنوات، كان معزولا عزلا انفراديا وممنوعا من لقاء العائلة، ولكن بعد أربع سنوات زرته أول مرة بعد مطالبات من جهات حقوقية دولية والصليب الأحمر، واليوم أزوره مرتين شهريا ومدة الزيارة 45 دقيقة. ولكن الزيارة التي تأتي بعد العيد دائما تكون ساعة. 

*في غرفة؟
تكون الزيارة عبر زجاج يفصل بيننا وهناك سماعات للحديث.

*أنت الوحيدة المسموح لك بزيارته؟
أنا الوحيدة المسموح لي بشكل مستمر، أبنائي الأربعة لا يستطيعون زيارته إلا إذا حصلوا على تصريح، وسلطات الاحتلال لا تعطيهم التصريح إلا بصعوبة لأنهم "حسب تصنيف سلطة الاحتلال" من فئة الممنوعين أمنيا، وهذه الفئة تشمل كل الذين أعمارهم ما بين 16 إلى 40 عاما. وأبنائي ضمن هذه الفئة العمرية. يزورونه مرة كل عام أو عامين.

*متى آخر مرة قاموا بزيارته؟
في شهر شباط /فبراير الماضي.

*كم ولداً عندكم؟
أربعة أولاد، القسام وربا وشرف وعرب.

*في المرة الأخيرة نقلت لمروان أن ابنك القسام أتم خطوبته؟
ليس القسام فقط، بل وشرف. كانت الزيارة من أصعب الزيارات، ليس من السهل على مروان أن الأبناء تخرجوا من المدرسة ومن الجامعة وهو داخل السجن، والآن يخططون لحياتهم الزوجية وهو في السجن. 

*قسام وُلد وأبوه في السجن؟
نعم لم يكن معنا في وقت الولادة 1985، كان في السجن ومضرباً عن الطعام. وعندما أنجبت ربا كان مطاردا ولا يستطيع أن يكون بجانبنا، وحينما أنجبت شرف وكذلك عرب بعده بعام كان مروان مبعدا خارج البلاد وأنا كان علي العودة من عمّان إلى رام الله كي أحافظ على هويتهم. 
لم يحظ بأن يكون يوما بجانب أي طفل حين ولادته. وتخرجوا من المدرسة ومن الجامعة ولم يكن إلى جانبهم، والآن يتابعون دراساتهم العليا وهو بعيد عنهم. 

*كيف يستقبل أخبارهم؟
تزوجت ربا منذ ثلاث سنوات، وحين أنجبت طفلتها الأولى لم يستطع أن يراها حتى الآن، وفي إحدى المرات أخذناها معنا حين سمح لوالدتها بزيارة أبيها، دخلت من البوابة الأولى والثانية والثالثة وبعد ذلك أعادوها ولم تستطع أن ترى جدها، وكان تبريرهم أنها ليست قرابة من الدرجة الأولى. 
هو سعيد جدا أن حياة الأسرة مستمرة ولا تتعثر، ولكن هذا مزعج لوالد يتمنى أن يكون بجانب أولاده. 

*القسام أيضا خاض تجربة الاعتقال؟
اعتقل أربع سنوات. 

*هل يريد مروان إبعادهم عن السياسة؟
عند اعتقال مروان كان الأطفال صغارا، والقسام كان عمره 16 سنة، ليس من صفات مروان إبعاد أبنائه عن العمل النضالي رغم أنه يتمنى أن يعيشوا حياة مستقرة، ولكن هذا لا يعني أنهم معفيون من النضال لأن مروان ناضل. أبناؤنا ليسوا أفضل من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يقضون زهرة شبابهم في السجون الإسرائيلية. 

اقرأ أيضاً: 
مروان البرغوثي ينتقد السلطة: 3 شروط لبدء المفاوضات

*كيف يمضي وقت الزيارة؟ عن ماذا تتحدثون؟
نحاول توزيع الوقت، أول ربع ساعة تكون عن العائلة، ثم يسمع مني بعض الرسائل التي أنقلها له من الخارج، من قيادة فتح أو الأقاليم أو الشبيبة أو رسالة من الفصائل الفلسطينية الأخرى، والربع ساعة الأخيرة أسمع منه ماذا يريد أن يرد على الرسائل، إلى جانب أنه في بعض الأحيان يزورنا بعض العائلات فيريدون السلام عليه. 

*أبوه وأمه متوفيان؟
والده توفي مبكراً، لكن والدته توفيت وهو في داخل السجن. 

*في الزيارات الأخيرة ما هي الرسائل التي نقلتها إليه وبماذا رد؟
في الفترة الأخيرة تحدثنا في موضوع حركة فتح وبعض الرسائل التي نقلت له عن المؤتمر العام السابع، وكذلك بعض الرسائل من غزة.

*من حماس؟
نتواصل مع الجميع. 

*ماهي الرسائل التي يريد إرسالها؟
يؤكد أن الانقسام كسر ظهر الشعب الفلسطيني وأن حالة الانقسام هي التي أعطت المستوطنين هذه الجبروت والقوة كي يدخلوا إلى بيوت الفلسطينيين ويحرقوا ويقتلوا ويدمروا. 

*يريد لحركة فتح أن تعقد المؤتمر العام؟
نعم، مروان البرغوثي من الذين ناضلوا في هذه الحركة حتى تكون فيها ديمقراطية، هو مع دمقرطة الحركة ومع تجديد الدماء ومشاركة الشباب بشكل أساسي.

*على من يضع اللوم في موضوع عدم انعقاد المؤتمر؟
كنا سعداء عندما انعقد المؤتمر السادس، وحاليا هناك سنة تأخير على انعقاد المؤتمر السابع، حسب ما سمعنا أنه سينعقد في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وإذا عقد فسنكون على الطريق الصحيح كي نكرس موضوع الانتخابات وليس كل عشرين سنة نعقد مؤتمرا.

*في موضوع الانقسام على من يضع اللوم؟ حماس أم فتح؟
على القيادات من الطرفين. 

*هل نقلت له رسائل من أبو مازن؟
نعم، آخر رسالة كانت تتعلق بالمؤتمر السابع ولتطمين مروان أن هذا المؤتمر سيعقد. 

*هل سيترشح مروان البرغوثي لرئاسة فلسطين؟
حين يتم تحديد موعد الانتخابات سيتخذ القرار المناسب، والذي سيكون استجابة لإرادة الشعب الفلسطيني. 

*حتى الآن ليس لديه قرار؟
لديه قرار ولكن لن يعلن عن ذلك إلا عند تحديد موعد الانتخابات. 

*هل يدعو إلى طرح موعد جدي للانتخابات؟
هو يدعو دائما إلى أن تكون هناك انتخابات.

*لماذا لا يوجد انتخابات؟
لأنه لا يوجد توافق بين الفصائل الفلسطينية على هذه الانتخابات بسبب حالة الانقسام. 

*هل تتكلمون عن التطورات في المنطقة، مثلا هل لديه موقف من داعش أو ثورات الربيع العربي؟
طبعا، كان يقول باستمرار إن على الأنظمة العربية أن تصحح نفسها وكان يجب أن ألّا تنتظر ثورات حتى تغير من سياساتها القمعية وتحارب الفساد. يدرك أن الثورات العربية تتعرض الآن إلى ضربات موجعة وقاسية. 
والضرر الأكبر وقع على القضية الفلسطينية مما حدث. حيث لم تعد القضية المركزية من الأولويات لدى المواطن العربي ولدى الأنظمة العربية.

اقرأ أيضاً: 
رام الله: شعلة الحرية باسم الجربوني والبرغوثي

*يتابع كل التطورات؟
يتابع من خلال الصحف العبرية وبعض الصحف الإنجليزية وبعض القنوات التي يسمح لهم بمشاهدتها وتحددها سلطات الاحتلال.

*يعرف العبرية؟
نعم، منذ عام 1978 حينما اعتقل أول مرة تعلم اللغة العبرية واليوم يتحدثها ويقرأها ويكتبها بطلاقة. 

*ماذا يقول في حالة داعش؟
هو ضد أي تطرف. 

*حياتك مع مروان لم تكن عادية؟
ارتباطي بمروان كان صعبا منذ البداية، فقد قال لي: إن حياتنا ستكون قاسية ولا تحلمي في يوم من الأيام أن أهتم كثيرا بأن يكون لي منزل أو أبحث عن ملذات في الدنيا إلا إذا انتهى الاحتلال، فقلت له: فلسطين ليست لك لوحدك، سأكون إلى جانبك في رحلة النضال. 

*كيف يستثمر وقته في المعتقل؟
حصل على الدكتوراه في السجن، وكان قد حصل على الماجستير من جامعة بير زيت، وهو عضو مجلس تشريعي كان قد سجل للدكتوراه في معهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية قبل اعتقاله، وقُبلت خطة الدراسة، وبشكل استثنائي اجتمع المجلس الأكاديمي في القاهرة وقرروا قبول مناقشة رسالته طالما أنها كانت سليمة الإجراءات قبل اعتقاله والموافقة كانت عليها، كان يهرّب الأطروحة عن "المجلس التشريعي الفلسطيني وأثره على الديموقراطية في فلسطين" صفحة فصفحة وبابا فبابا، إلى أن جمعت. وعن طريق المحامي أدخل مروان بعض التصحيحات على الأطروحة ونوقشت وحصلت على امتياز مع مرتبة الشرف. 

*وألّف بعض الكتب؟
نعم، أول كتاب كان مشاركة مع الأسير من الجبهة الشعبية عاهد أبو غلمة رئيس الهيئة القيادية لأسرى الجبهة الشعبية والمحكوم بالسجن المؤبد باغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئبقي، والأسير من حماس عبد الناصر عيسى رئيس الهيئة العليا لأسرى حركة حماس وأحد مؤسسي حركة حماس.
الكتاب عبارة عن مرشد يقدم إلى جيل الشباب الفلسطيني لتوعيتهم عن تجربة الاعتقال، خضوصاً أن كل شاب فلسطيني معرض للاعتقال، فإذا قرا هذا الكتاب فمن الممكن أن يكون له مرشدا حتى لا يقع في فخ التحقيق أو غرفة العصافير "الجواسيس".
والكتاب الثاني كان عن تجربته في العزل الانفرادي "ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي". 

*هل لديه عتب على القيادات الفلسطينية من حماس وفتح لأنه لا يوجد شيء جدي لإطلاق سراحه؟
إسرائيل تعتبر أنها تحتفظ بورقة سياسية كبيرة في يدها، وقلنا إن هناك طريقتين للإفراج عن مروان البرغوثي 
الأولى: بالتبادل وهذا للأسف لم يحصل خصوصاً أنه تم الاستجابة للشروط الإسرائيلية على ألا يفرج عنه كما حصل في صفقة شاليط.
والطريقة الثانية عن طريق السياسة ضمن المفاوضات مع إسرائيل. ومنذ 14 سنة ومروان داخل السجون، ولا يمكن التصديق أنه خلال أربعة عشر عاما لم تأت أي فرصة أن نشترط في السياسة أن يكون مروان البرغوثي خارج السجن وهو جزء من القيادة الفلسطينية. 

اقرأ أيضاً: 
مراون البرغوثي متفائل بصفقة الأسرى: قد تشمل أحمد سعدات

*قمت بحملة دولية أخيرا من أجل إطلاق مروان البرغوثي؟
أطلقت هذه الحملة في 27/ 11/ 2013 من زنزانة الزعيم
 نلسون مانديلا في جزيرة روبين آيلند، وكان من أطلقها رفيق مانديلا والذي بدأ حملة الحرية لمانديلا المناضل الكبير أحمد كاثرادا. أطلق كاثرادا حملة مانديلا عام 1962 قبل اعتقاله ليمضي 26 عاما في سجون نظام الفصل العنصري.

وهذه حملة إحدى توصيات لقاء الكرامة والحرية في أبريل /نيسان 2013 في قصر محمود درويش الثقافي في رام الله بمناسبة الذكرى 11 لاعتقال مروان البرغوثي.
وتتشكل اللجنة من أسرى سياسيين معروفين على المستوى الدولي ومن رؤساء وقادة حاليين وسابقين وشخصيات مشهورة بالدفاع عن حقوق الإنسان، ومنهم ثمانية من حاملي جائزة نوبل للسلام.

*كيف كانت علاقته بالشهيد ياسر عرفات؟
كانت علاقته معه علاقة عمل وأبوة واحترام.

*فيها توتر؟
كان ينتقد أبو عمار ببعض المسائل أمامه، ولكن في الموضوع الوطني لم يختلف معه يوما من الأيام، وفي الانتفاضة الفلسطينية كانوا متفقين مئة بالمئة. 

*كيف كانت علاقته مع أبو جهاد؟
رافقه في آخر زيارة قام بها 
أبو جهاد إلى خارج تونس قبل اغتياله، إلى ليبيا وإلى الكويت، كانت تربطه به علاقة وطيدة منذ أن كان مروان مسؤول الشبيبة في فلسطين، وحينما ذهب إلى تونس اختار أن يعمل مع أبو جهاد. 

*وعلاقته بالكفاح المسلح؟
تهمة مروان البرغوثي التي حكم عليها بخمسة مؤبدات وأربعين سنة لا ترتبط بعمل فتح فقط بل ترتبط بالانتفاضة الفلسطينية، وهذا الانتفاضة كان فيها كل الأطياف الفلسطينية سواء في المجال المقاوم أو في المجال السياسي. 

*كيف كانت علاقته بالجناح العسكري؟
كتائب شهداء الأقصى ظاهرة شريفة في حركة فتح، وهي رفضت أن تكون فتح قد استسلمت أو أن فتح كبلتها اتفاقية أوسلو، وتهمة مروان البرغوثي كانت أنه قائد ومؤسس كتائب شهداء الأقصى.

مقتطفات من كتاب ألف يوم في زنزانة العزل الإنفرادي:

في المسلخ:

كانت الرابعة عصر يوم الاثنين 15/4/2002، عندما وجدت نفسي داخل غرفة التحقيق، في معتقل المسكوبية في مدينة القدس المحتلة، وهو واحد من أشهر وأخطر مراكز التحقيق الخاضعة لجهاز الأمن العام الصهيوني، "الشابك".

يطلق الأسرى على معتقل المسكوبية اسم "المسلخ" لما يمارس فيه من قمع وتعذيب وانتهاكات تعسفية بحق الأسرى، وقد استشهد العديد من الأسرى في هذا المعتقل خلال خضوعهم للتحقيق العنيف والمحرَم دوليا.

الجدير ذكره أن المسكوبية هو مبنى تابع لأملاك الكنيسة الروسية، تم الاستيلاء عليه بالقوة...

كان المشهد الاحتفالي واضحا على ضباط ورجال " الشاباك" لاعتقالي، فهي لحظة كانوا يشعرون فيها بالنجاح والتفوق، وكانت تزيد من شعورهم بالغرور والغطرسة، خاصة وأن ذلك أتى بعد فشل أكثر من محاولة لاغتيالي...

لقد ظنوا واهمين أنهم باعتقالي قد اعتقلوا الانتفاضة...هذا ما ظهر على قسمات وجوهم، وكأن الانتفاضة العظيمة ستتوقف، غير مدركين أنها حركة مقاومة شعبية لا تتوقف باعتقال فرد ولا باعتقال المئات والالاف.

المطلوب ياسر عرفات:

تركز التحقيق معي على محاور وقضايا أساسية...من أبرزها العلاقة مع الرئيس عرفات...وتركزت أسئلة المحققين على علاقتي بأبي عمار، خصوصا ما يتعلق بالتمويل وقرار العمليات المسلحة الفدائية، وإذا كان قد منحني صلاحيات أو تعليمات لتنفيذ عمليات فدائية...في الحقيقة، إنه طوال شهور التحقيق وحتى نهايته لم أتحدث بشيء عن علاقتي بالرئيس الراحل ياسر عرفات-رحمه الله-وستبقى تلك العلاقة التي ربطتني به ملكا لي وحدي والى الابد...

عزل سجن شطة:

أقول لنفسي ما الذي يدفعني لترك زوجتي وأولادي الذين أعشقهم لأحمل البندقية مع أنني أعرف ثمن ذلك مسبقا؟ فأنا أفعل ذلك منذ أكثر من ثلاثين عاما، ولماذا أواصل هذه الرحلة الشاقة من أجا الحرية من دون كلل أو ملل رغم المرارة وقسوة الفراق وحجم الألم؟ ثم أجد نفسي مؤمنا ومقتنعا بكل خطوة أقدمت عليها في حياتي، وبكل عمل وطني قمت به وبنضالي، وتتعزز لدي مشاعر الكبرياء الوطنية، واشعر بالاحتقار للسجان الذي يضع القيود في يدي وقدمي، والذي يحرس نفسه مني، وأشعر أن الزنزانة محنة يجب أن اتجاوزها وأنتصر عليها، رغم أن الإحساس في هذا المكان المظلم والموحش صعب وقاس، ولكن هذا هو الثمن الذي ندفعه ليكون شعبنا ووطننا حرَين، وأن النضال والكفاح من أعلى درجات العيش بحرية اختبارا للمشاعر الإنسانية.

أذكر أن رئيس مصلحة السجون آنذاك يعقوب جانوت ومساعديه وضباط كبار من مصلحة السجون حضروا الى زنزانتي في إطار جولاتهم التي يقومون بها دوما في السجون وأقسام العزل، واذكر ان ضابطا منهم خاطب رئيسه قائلا: “إن مروان البرغوثي ما زال يتصرف وكأنه في رام الله أو غزة، وليس وراء القضبان، ويتحدث عن نهاية قريبة لما يسميه الاحتلال الصهيوني وهو في زنزانة انفرادية معزولة عن العالم، من الواضح أن أمثال البرغوثي لا يتغيرون ابدا".  

لائحة اتهام ضد الانتفاضة:

أعدت المخابرات الإسرائيلية وبالتعاون مع ما يسمى بوزارة العدل والنيابة العامة ملفا نتج عنه لائحة اتهام تشمل أكثر من 52 بندا ...وتتركز على اتهامي بتأسيس وقيادة كتائب الأقصى وقيادة التنظيم باعتباره جسما مسلحا، إضافة الى المسؤولية عن عمليات الكتائب والتنظيم، وعن مقتل 104 من المدنيين الذين قتلوا بسبب العمليات الاستشهادية، وتضمنت لائحة الاتهام كذلك تقديم الدعم المالي والسلاح لعشرات المجموعات المقاتلة.

محاكمة دولة الاحتلال:

لقد اتخذت قرار واضحا وصريحا بالرفض القاطع للتعامل مع المحكمة الصهيونية، وقررت مقاطعتها، وأعلنت أنني لا أعترف بحق هذه المحاكم بمحاكمة الفلسطينيين، باعتبارهم ضحايا للاحتلال، وأن من يستحق أن يحاكم هم المحتلون القتلة، وليس المناضلون ضد الاحتلال.

منذ اللحظة الأولى لدخولي قاعة المحكمة، وأمام الحشد الإعلامي الهائل، والجمهور الإسرائيلي المعادي، قمت برفع يديَ المقيدتين والتلويح بقبضة واحدة باليدين وقلت باللغات الثلاث العربية والانجليزية والعبرية: الانتفاضة ستنتصر...الانتفاضة ستنتصر.