يمر إقليم الشرق الأوسط بجملة من الاهتزازات التي ستترك بصمتها على الحراك السياسي وعلى المواقف فيه. مثل رحيل الملك عبد الله عاهل السعودية نقطة التحريك والدافع لمثل هذا الحراك، بجانب الوضع غير المستقر في مصر وتصاعد العمليات الإرهابية في سيناء وعدم مقدرة المجتمع الدولي على حسم الحرب على "داعش".
هي مفاعيل تعتمل في وعي المقاربات الجديدة في الإقليم، والتي تدور حول إعادة تركيب المواقف والتوجهات الدولية فيما يتعلق بالقضايا العالقة فيه. وربما كانت القضية الأبرز في ذلك هي الموقف من التغيرات التي تمت في مصر حين خرج جماهير مصر لتخلع نظام مرسي ومن ثم تمت الانتخابات الرئاسية التي قادت إلى فوز المشير السيسي بالرئاسة.
الولايات المتحدة لم تعترف بشكل نهائي بهذه التغيرات وهي وقفت موقفاً مناهضاً لها. الذي يحدث الآن ان المقاربة الأميركية الجديدة وتحديداً بعد وفاة الملك عبد الله الذي دعم وبقوة التغيرات التي قام بها السيسي، تحاول أن تقنع الملك سلمان بالتخلي عن السيسي وبالعمل على رأب الصدع مع الإخوان. واشنطن وتحديداً الـ"سي.أي.ايه" يقترحان أن الضرورة الأمنية في المنطقة لابد لها أن تمر عبر التمييز بين الإسلام المعتدل وبين الإسلام السياسي.
إنها نفس المقاربة التي تحدثت عنها كونداليزا رايس وقبلها مادلين أولبريت وأوصت بها مراكز التفكير الأميركية حتى قبل عقدين من الزمن.
ظلت فكرة التعامل مع الإسلام السياسي جزءاً من التفكير في مستقبل المنطقة خصوصاً في ظل قناعة واشنطن أن الأنظمة العربية التي لا تستند إلى جماهيرية شعبية وحاضنة مجتمعية ستنهار في لحظة ما، لذا من الأفضل البحث عن تحالفات مستقبلية.
وكان الإسلام السياسي يمثل الحليف المرتقب، هذا من جانب ومن آخر فإن الرؤية الأميركية استندت إلى استخدام دعم الإسلام السياسي لابتزاز الأنظمة الممانعة او تلك التي لا تتوافق مع رؤى واشنطن.
لاحظوا نفس الشيء يحدث مع مصر الآن حيث تقوم واشنطن بفتح قنوات اتصال مع جماعة الإخوان المسلمين من أجل ضعضعة مصر وإضعاف السيسي الذي لم يتورع عن التوجه لمنافسة واشنطن الشرسة موسكو بطبعتها البوتينية، ولم تكن صوره مع الرئيس بوتين إلا رسائل سياسية لم تكن واشنطن بحاجة لها لتشعر بالتهديد وبضرورة العمل على كبح جماح الجنرال الشاب، فخلال الشهرين الماضيين رشحت أنباء لقاءات تستضيف فيها واشنطن مسؤولين من أقطاب الإسلام السياسي المصري والعربي وخاصة من جماعة الإخوان المسلمين لبحث سبل تعزيز الإخوان وتمكينهم.
فكرة واشنطن تنطلق من هاجس امني افتراضي يقول إن الإسلام المعتدل أفضل من الإسلام المتطرف، وان جزءاً من محاربة "داعش" والأصولية السياسية الإسلامية تكمن في تعزيز مواقع الإسلام المعتدل في النظم السياسية.
كان هذا الفهم جزءاً من النقاشات الأميركية مع الحكم السعودي الجديد، خاصة خلال زيارة أوباما التي قيل للتعزية ولقائه بالملك العاقل والمتزن سلمان، غير الراغب في الخوض في أزمات من اليوم الأول.
سلمان يخشى على مصر ويعرف أن أي ضعضعة في الوضع المصري ستنعكس على مستقبل الوضع في الخليج. بل إنه يعتبر استقرار مصر جزءا من استقرار الخليج، إنه نفس التوجه الذي حمله سلفه. بل إن البعض كان يعتقد أن سلمان سيقوم بالاقتراب من الإخوان المسلمين ورمي السيسي جانباً، منطلقين من أن توجهات الرجل دينية ومحافظة.
الجزء الآخر من هذا التوجه هو إضعاف مكانة السعودية في المنطقة عبر تعزيز مكانة قطر ودور تركيا. من الواضح ان مواقف هاتين الدولتين في موضوعة "الإخوان" و"داعش" تتوافق مع واشنطن وبالتالي فإن تعزيز وجودهما سيكون على حساب الرياض. لم يكن الصراع على البيان الذي صدر عن مجلس التعاون الخليجي إلا تعبيراً عن صراع الإرادات داخل المجلس الذي بات في مهب الريح في ظل إصرار قطر على حرف بوصلة العمل العربي المشترك والعمل الخليجي المتوافق. بدون حزم خليجي فإن المصالح الخليجية كما العربية ستتعرض للمزيد من الاهتزازات بسبب الطيش القطري. بالطبع أيضاً يتم استخدام فزاعة التطرف الذي قد يصل المملكة السعودية من أجل الضغط على الرياض للموافقة على المقترح الأميركي بالتقارب مع الإخوان. السعودية تعرف أن القصد هو إضعاف السيسي ليس إلا ولا علاقة للأمر بالإخوان وبحقيقة "عشق" واشنطن لهم.
المحصلة التي تريدها واشنطن هي إضعاف كل من مصر والسعودية من خلال استمرار المشاكل في مصر ومن خلال إضعاف مكانة السعودية كقوة فاعلة في الإقليم الجديد.
بالطبع فإن واشنطن لا تعبر عن قناعات حين تتحدث عن دمج وتوطين الإخوان في النظام السياسي العربي، إذ إن الديمقراطية ليست بضاعة ترغب واشنطن أن تجدها في أسواق الشرق الأوسط، بل هي أداة لهز النظم السياسية التي لا تتوفق مع تطلعاتها. لذا وجب عربياً التمييز بين الحاجة لإجراء مصالحات داخلية مع "الإخوان" على قاعدة الالتزام باستقرار النظم السياسية والتفكير في المستقبل وليس في الماضي، وبين الموقف وردة الفعل على تدخلات واشنطن السافرة في الشؤون العربية. وإن علاقة مصرية سعودية قوية من شأنها أن تشكل الحاضنة لذلك.
أين نحن من كل هذا؟ بالطبع لم تكن زيارة الرئيس أبو مازن والاستقبال الذي حظي به من قبل الملك الجديد – صديقه الشخصي - بعيدة عن هذا النقاش. كما أن الوضع الفلسطيني والوقوف الأميركي الصلف خلف تل أبيب جزء من هذا، إذ إن واشنطن تريد أن تقوم إسرائيل بكل شيء دون أن يكون للفلسطينيين ردة فعل. وهي تريد أن تستخدم السعودية في الضغط على أبو مازن.
من هنا فإن التشكيل الثلاثي الضاغط في المنطقة عربياً ضمن هذه التحولات سيضم الرئيس أبو مازن للثقة العالية التي يحظى بها ولدوره المهم في حفظ هذا التوازن العربي الجديد.
هي مفاعيل تعتمل في وعي المقاربات الجديدة في الإقليم، والتي تدور حول إعادة تركيب المواقف والتوجهات الدولية فيما يتعلق بالقضايا العالقة فيه. وربما كانت القضية الأبرز في ذلك هي الموقف من التغيرات التي تمت في مصر حين خرج جماهير مصر لتخلع نظام مرسي ومن ثم تمت الانتخابات الرئاسية التي قادت إلى فوز المشير السيسي بالرئاسة.
الولايات المتحدة لم تعترف بشكل نهائي بهذه التغيرات وهي وقفت موقفاً مناهضاً لها. الذي يحدث الآن ان المقاربة الأميركية الجديدة وتحديداً بعد وفاة الملك عبد الله الذي دعم وبقوة التغيرات التي قام بها السيسي، تحاول أن تقنع الملك سلمان بالتخلي عن السيسي وبالعمل على رأب الصدع مع الإخوان. واشنطن وتحديداً الـ"سي.أي.ايه" يقترحان أن الضرورة الأمنية في المنطقة لابد لها أن تمر عبر التمييز بين الإسلام المعتدل وبين الإسلام السياسي.
إنها نفس المقاربة التي تحدثت عنها كونداليزا رايس وقبلها مادلين أولبريت وأوصت بها مراكز التفكير الأميركية حتى قبل عقدين من الزمن.
ظلت فكرة التعامل مع الإسلام السياسي جزءاً من التفكير في مستقبل المنطقة خصوصاً في ظل قناعة واشنطن أن الأنظمة العربية التي لا تستند إلى جماهيرية شعبية وحاضنة مجتمعية ستنهار في لحظة ما، لذا من الأفضل البحث عن تحالفات مستقبلية.
وكان الإسلام السياسي يمثل الحليف المرتقب، هذا من جانب ومن آخر فإن الرؤية الأميركية استندت إلى استخدام دعم الإسلام السياسي لابتزاز الأنظمة الممانعة او تلك التي لا تتوافق مع رؤى واشنطن.
لاحظوا نفس الشيء يحدث مع مصر الآن حيث تقوم واشنطن بفتح قنوات اتصال مع جماعة الإخوان المسلمين من أجل ضعضعة مصر وإضعاف السيسي الذي لم يتورع عن التوجه لمنافسة واشنطن الشرسة موسكو بطبعتها البوتينية، ولم تكن صوره مع الرئيس بوتين إلا رسائل سياسية لم تكن واشنطن بحاجة لها لتشعر بالتهديد وبضرورة العمل على كبح جماح الجنرال الشاب، فخلال الشهرين الماضيين رشحت أنباء لقاءات تستضيف فيها واشنطن مسؤولين من أقطاب الإسلام السياسي المصري والعربي وخاصة من جماعة الإخوان المسلمين لبحث سبل تعزيز الإخوان وتمكينهم.
فكرة واشنطن تنطلق من هاجس امني افتراضي يقول إن الإسلام المعتدل أفضل من الإسلام المتطرف، وان جزءاً من محاربة "داعش" والأصولية السياسية الإسلامية تكمن في تعزيز مواقع الإسلام المعتدل في النظم السياسية.
كان هذا الفهم جزءاً من النقاشات الأميركية مع الحكم السعودي الجديد، خاصة خلال زيارة أوباما التي قيل للتعزية ولقائه بالملك العاقل والمتزن سلمان، غير الراغب في الخوض في أزمات من اليوم الأول.
سلمان يخشى على مصر ويعرف أن أي ضعضعة في الوضع المصري ستنعكس على مستقبل الوضع في الخليج. بل إنه يعتبر استقرار مصر جزءا من استقرار الخليج، إنه نفس التوجه الذي حمله سلفه. بل إن البعض كان يعتقد أن سلمان سيقوم بالاقتراب من الإخوان المسلمين ورمي السيسي جانباً، منطلقين من أن توجهات الرجل دينية ومحافظة.
الجزء الآخر من هذا التوجه هو إضعاف مكانة السعودية في المنطقة عبر تعزيز مكانة قطر ودور تركيا. من الواضح ان مواقف هاتين الدولتين في موضوعة "الإخوان" و"داعش" تتوافق مع واشنطن وبالتالي فإن تعزيز وجودهما سيكون على حساب الرياض. لم يكن الصراع على البيان الذي صدر عن مجلس التعاون الخليجي إلا تعبيراً عن صراع الإرادات داخل المجلس الذي بات في مهب الريح في ظل إصرار قطر على حرف بوصلة العمل العربي المشترك والعمل الخليجي المتوافق. بدون حزم خليجي فإن المصالح الخليجية كما العربية ستتعرض للمزيد من الاهتزازات بسبب الطيش القطري. بالطبع أيضاً يتم استخدام فزاعة التطرف الذي قد يصل المملكة السعودية من أجل الضغط على الرياض للموافقة على المقترح الأميركي بالتقارب مع الإخوان. السعودية تعرف أن القصد هو إضعاف السيسي ليس إلا ولا علاقة للأمر بالإخوان وبحقيقة "عشق" واشنطن لهم.
المحصلة التي تريدها واشنطن هي إضعاف كل من مصر والسعودية من خلال استمرار المشاكل في مصر ومن خلال إضعاف مكانة السعودية كقوة فاعلة في الإقليم الجديد.
بالطبع فإن واشنطن لا تعبر عن قناعات حين تتحدث عن دمج وتوطين الإخوان في النظام السياسي العربي، إذ إن الديمقراطية ليست بضاعة ترغب واشنطن أن تجدها في أسواق الشرق الأوسط، بل هي أداة لهز النظم السياسية التي لا تتوفق مع تطلعاتها. لذا وجب عربياً التمييز بين الحاجة لإجراء مصالحات داخلية مع "الإخوان" على قاعدة الالتزام باستقرار النظم السياسية والتفكير في المستقبل وليس في الماضي، وبين الموقف وردة الفعل على تدخلات واشنطن السافرة في الشؤون العربية. وإن علاقة مصرية سعودية قوية من شأنها أن تشكل الحاضنة لذلك.
أين نحن من كل هذا؟ بالطبع لم تكن زيارة الرئيس أبو مازن والاستقبال الذي حظي به من قبل الملك الجديد – صديقه الشخصي - بعيدة عن هذا النقاش. كما أن الوضع الفلسطيني والوقوف الأميركي الصلف خلف تل أبيب جزء من هذا، إذ إن واشنطن تريد أن تقوم إسرائيل بكل شيء دون أن يكون للفلسطينيين ردة فعل. وهي تريد أن تستخدم السعودية في الضغط على أبو مازن.
من هنا فإن التشكيل الثلاثي الضاغط في المنطقة عربياً ضمن هذه التحولات سيضم الرئيس أبو مازن للثقة العالية التي يحظى بها ولدوره المهم في حفظ هذا التوازن العربي الجديد.