لا ترفعوا سقف التوقعات

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

طلال عوكل

لست أدري إلى أين تذهب الشعارات المرفوعة، التي يطلقها قادة فلسطينيون إزاء ملف «صفقة القرن»، وآخر حلقاتها حتى الآن مؤتمر البحرين، وإزاء ملف المصالحة. مقدر جداً الموقف الإجماعي الذي صدر ويصدر عن الفلسطينيين بكل أطيافهم السياسية وانتماءاتهم، وقد بدأه الرئيس محمود عباس الذي رفع (لا) كبيرة في وجه الطاغوت الأميركي. الإجماع الوطني ينطوي على أهمية تاريخية يقفل أفواه المشككين، والباحثين عن أعذار تحمّل الفلسطينيين المسؤولية عما تتعرض له حقوقهم وقضيتهم وشعبهم. كان الفلسطينيون قد رفضوا وقاوموا المخطط الاستعماري البريطاني، ورفضوا الموافقة على قرار التقسيم رقم 181، لكن أوضاعهم وقدراتهم آنذاك وفي ظل وضع عربي ضعيف لم تمكنهم من إفشال المخطط الذي تجلّى في إعلان قيام دولة إسرائيل على 78% من الأرض الفلسطينية. ثمة من قال بعد ذلك، من العرب وغيرهم إن الفلسطينيين باعوا أرضهم، وكان ذلك في سياق تبرير تدهور الوضع العربي إزاء القضية الفلسطينية. الموقف الفلسطيني الوطني الجماعي الذي يسود الداخل والخارج الفلسطيني، لا يترك فرصة لمن اراد التخلص من عبء القضية لكي يتهم الفلسطينيين بأنهم المسؤولون عن ضياع حقوقهم لكن هؤلاء سيجدون بالتأكيد في واقع الانقسام والأداء الفلسطيني ما يذخر بنادقهم. بالعودة إلى الشعارات المرفوعة التي تتحدث عن أن الموقف الفلسطيني قد أفرغ مؤتمر المنامة من مضامينه، وأدى إلى إفشاله وأن «صفقة القرن» إلى جحيم.. وكل هذا السيل من الادعاءات ينبغي أن يتوقف.
إذا نظرنا بموضوعية إلى أهداف مؤتمر البحرين، فإن الأمر يتجاوز هدف اختصار الحقوق الفلسطينية فقط بالبعد الاقتصادي الإنساني والمشاريع التي تتصل بعنوان الرخاء كمفصل أساسي من مفاصل «صفقة القرن». الولايات المتحدة أولاً نجحت في إقناع عدد من الدول العربية وبإرغام أخرى على الحضور، رغم مواقفها المعارضة، وبالتالي نجحت في توفير الغطاء والدعم العربي لمشروعها، ما يؤدي إلى تفكيك وحدة الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية من ناحية، ويخلق حالة من السلبية في العلاقات الفلسطينية مع بعض الدول العربية. ولاحقاً، ستضغط الولايات المتحدة على بعض الدول العربية، لتحولها إلى أدوات في الضغط على الفلسطينيين، وقطع الدعم عنهم ومحاصرتهم.
مواقف الدول العربية لم تعد تخدع أحداً، إذ تحول الموقف من القضية الفلسطينية إلى مجرد شعارات، للتغطية على ممارسات في غير صالح القضية وأصحابها. لن نذهب بعيداً، فإن الأمر ينطبق على إعلان عُمان عزمها على فتح سفارة لها في فلسطين. عُمان دولة طرفية في الوضع العربي، وهي الدولة العربية الوحيدة على ما أعلم التي رفضت فتح مكتب لمنظمة التحرير في عاصمتها، فضلاً عن أنها أحد عرّابي التطبيع، فهي الدولة العربية الوحيدة، أيضاً، التي استضافت بحفاوة بالغة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو العام الماضي.
عُمان تبحث لها عن دور أسوة ببعض أخواتها، وتعتقد أنها مؤهلة للدخول في وساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ثم ان سفارتها في فلسطين ستخدم موضوعياً، علاقاتها بالطرفين، في ضوء عدم نضج الظروف السياسية الراهنة لتبادل الاعتراف بين عُمان وإسرائيل، لكن هذا الإعلان قد يشكل مقدمة وذريعة للاستعجال في الاعتراف. والولايات المتحدة نجحت في أن توفر في مؤتمر البحرين فرصة واسعة لتوسيع وتعميق عملية التطبيع، مع نماذج غير سياسية رسمية حيث يتواجد رجال أعمال إسرائيليون، وعدد كبير من الصحافيين، الذين ينقلون الأخبار، ويجرون المقابلات بحرية، ويتحدثون عن الحضن الدافئ للبحرين.
سؤالنا: هل يستطيع صحافيون فلسطينيون بهذه الكثافة أن يحصلوا على تصاريح دخول للعديد من دول الخليج، بجوازات سفرهم الفلسطينية؟ أما عن الهدف الآخر الذي يتعلق بجوهر المؤتمر وهدفه، وهو خطة الازدهار الاقتصادي، وتكاليفها وتفاصيلها، وآليات تنفيذها، والتي يتحمّل العرب الجزء الأكبر منها، فإن هذا في علم المستقبل والمستقبل القريب. في هذا الصدد علينا أن نصدق ما ورد في تصريح السفير الأميركي المستوطن ديفيد فريدمان، الذي قال «لا يمكننا فهم موقف الفلسطينيين ولكن لن ننتظرهم». قال فريدمان ذلك وهو يعيد التأكيد على ما صرح به قبلاً عن حق إسرائيل بضم مستوطنات الضفة.
الأصل في الموضوع هو أن المخطط الأميركي الإسرائيلي، لم يطرح للنقاش أو التفاوض، وإنما تم تصميمه مع الدوائر الصهيونية، لكي يكون جزءاً من السياسة والدور الأميركي. هكذا ترى الولايات المتحدة الحل وهي تتكفل بتنفيذه على أرض الواقع بغض النظر عن موافقة أطرافه. لا أريد هنا أن أقدم أمثلة حية، واقعية، جارية، في الوضع الفلسطيني لتأكيد أن المال حتى لو كان مسموماً، ومسيّساً، ويعكس في بعض نواحيه، تعميق عملية التطبيع، إلاّ أن هذا المال وجد طريقه إلى التنفيذ على الأرض، وجعل البعض يتجاوز عن البعد التطبيعي والسلبي ويشيد بالبعد الإيجابي الذي تشهد عليه مشاريع يحتاجها الفلسطينيون.
نأتي بعد ذلك إلى الشعارات التي ترفع من مستوى التوقعات فيما يتعلق بالمصالحة. الكلام كثير، ومتواتر، ووسائل الإعلام الحزبية تفرد له مساحات واسعة من الإشادة. قبل أسابيع ارتفعت نبرة الحديث عن جديد في ملف المصالحة، وعن وفد أمني مصري سيصل خلال يومين، لكن شيئاً من هذا لم يحصل حتى الآن. نرجوكم أن لا ترفعوا سقف التوقعات، فالمواطن لا ينتظر المزيد من خيبات الأمل وبات يدرك أن التصريحات الموغلة في الإيجابية وبديع الكلام لا تكفي لخلق الوقائع التي يحتاجها الفلسطيني. إن كان ثمة جديد في هذا الأمر فإننا نسامح المعنيين في حق الحصول على المعلومات، يكفي أن تتفقوا، وأن تؤكدوا ذلك بالممارسة، وحينها وجهوا الدعوات للناس لإقامة الأفراح.