قالت المحللة الإسرائيلية سمدار بيري، كاتبة الافتتاحية في صحيفة يديعوت احرانوت الاسرائيلية: "لا يمكن لنا أن نحسد أبو مازن، لأنه إذا قرر رفع اليدين كما يهدد، فستفتح حوله رقصة شياطين ستركز على القضايا التي منحته مكانته الرفيعة، التي فيها الحصانة حتى الآن. وبالتالي فهو يبقى. وهو يعرف أن النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني غير قابل للحل، وأن القدس لن تقسم، وأن أحدا لن يرسم الحدود".
وأشارت بيري إلى أن إيران فجأة أصبحت "الجارة" والشقيقة" لرئيس السلطة الفلسطينية. ليس مفهوما ماذا طرأ على أبو مازن، حين ركب بالمجان على مجموعة من الصحفيين البولنديين ممن التقاهم في المقاطعة في رام الله أول أمس وأعلن بانه سيسافر "قريبا" لزيارة "الشقيقة" في طهران، بحسب "يديعوت".
وأكدت بيري أن كل هذا غريب جدا، فأبو مازن ما كان يمكنه أن يذكر موعدا للزيارة، ويتبين أن طهران هي الأخرى تفاجأت. ففي هذه الأثناء لم يؤكدوا ولم ينفوا.
وقالت إنه وبعد كل الشائعات والتحليلات عن صفقة تعد بين إسرائيل وحماس، قرر أبو مازن استعراض العضلات. حماس تعمل مع ايران؟ هو أيضا. حماس تتلقى مساعدة؟ هو أيضا يريد. حماس تتنازع مع السعودية ومع مصر؟ أبو مازن، إذا سافر إلى طهران حقا، سيتنازع مع السعوديين بشكل نزيه.
وشددت بيري على أنه لا أحد يأخذ على محمل الجد إعلان عباس حول الاستقالة. لا عندنا، لا في العالم العربي، لا في واشنطن ولا في رام الله أساسا. الإحساس هو أنه يحذر: إمسكوني، فقد طاب لي أن أحطم الأواني. حنان عشراوي، واحدة من تسعة المستقيلين الآخرين من اللجنة التنفيذية الفلسطينية، قالت باستقامة ما يفكر به الجميع: حان الوقت لضخ دم جديد إلى مؤسسات المنظمة. ولكن أبو مازن، ولا ينبغي أن ننسى، سيبقى الرئيس. عن منصب الرئيس لن يتنازل.
وأكدت بيري أن الإسرائيليين اعتادوا على أبو مازن حتى قبل موت عرفات. على أمزجته المتطرفة وقراراته المبالغ فيها. إسرائيلي يلتقيه وجها لوجه سيجد نوعا من الجار والجد اللطيف. فهو لا يشجع الإرهاب بأي شكل من الأشكال. وهو يعرف على نحو لا بأس به الحاضر الإسرائيلي وزعماءنا. ولكن في عمره الكبير مل جدا المراوحة في المكان. وحتى لو دعاه نتنياهو للعودة إلى طاولة المفاوضات، فإنه سيشك في أن يخرج أي شيء منها ومكانته في الشارع الفلسطيني ستضعف. كما أنه يشك في أنه تحت البساط تعد صفقة مع حماس على حسابه. أما عن المصالحة "التاريخية" بين منظمة التحرير وحماس فلا أحد يتحدث.
وقالت بيري: المؤكد هو أن إصرار خالد مشعل على التبليغ عن "التقدم" موجه إليه: أن يلذع من يجلس رجلا على رجل في رام الله ويبحث عن بطاقة سفر إلى طهران. وبين هذا وذاك تمكن أبو مازن من إعلان حرب على محمد دحلان، إبعاد رئيس الوزراء سلام فياض وإقالة ياسر عبد ربه. فمن يعتزم حقا الاستقالة أو إجراء انتخابات في السلطة الفلسطينية، لا ينشغل بالإطاحات.
ورسمت بيري صورة تراجيدية لأبو مازن قائلة: إن أبو مازن ابن 80، كثير التدخين، لا يمارس الرياضة ويحافظ على الحمية مثل شمعون بيريز. اليوم التالي له قد يقع في أي لحظة. في نظري هو نوع من الشخصية التراجيدية، التي تعكس الكرب والإحباط الفلسطينيين. ليست له كاريزما عرفات. وحتى جائزة نوبل للسلام اختطفوها منه رغم دوره العميق في الاتصالات السرية التي أدت إلى اتفاقات أوسلو.
والان تجده يدفع بالموالي القديم له صائب عريقات إلى الدائرة السياسية القريبة. ولكنه يجري حسابا داخليا ويلون العصبة التي تتجمع حوله باللونين الأسود والأبيض، الخيرين والخونة، دون أطياف وسطى. ولا يعطى الشباب موطئ قدم، وفقا لـ"بيري".
وختمت بيري مقالها بخلاصة مفادها؛ أن الرؤساء في العالم العربي، لا يعتزلون طوعا. إما أن تفعل الطبيعة فعلها، وإما أن تطيّرهم الجماهير في الميادين.