معادلة.. ".. ولا تتوخى الهرب"

22.PNG
حجم الخط

بقلم: حمدي فراج

 

لم يسقط الابن الثاني لمجاهد وقائد فلسطيني يقبع وراء القضبان ، في براثن الاحتلال بالصدفة ، لا ولا الاعلان عنه واجراء مقابلة تلفزيونية معه من وكره المجهول ، فهذا عمل استخباري عدا عن انه "عالي الدوز" فهو صناعة معقدة تتشارك فيها أدمغة اقليمية وعالمية، يتجاوز هدفها كسر ظهر الأب أوالام أوالعائلة الصغيرة الى كسر الحركة والفصائل والنضال الفلسطيني برمته.

ولهذا آثر الجهاز الاستخباري الاسرائيلي في الحالتين ان يكشف عنهما ، وكأنه قد اسقطهما لا لسبب التجسس بل للكشف عنهما "حرقهما" كي يحرق قلب ابيهما و كبده وعقله ومعه الشعب الفلسطيني كله، الذي فهم المعادلة ووقف متعاطفا مع هذا الاب في مصيبته الكبرى التي تتجاوز الثكل بدرجات ، وخرج الى الشوارع ينظم وقفات تضامنية شاركت فيها كل القوى الاخرى، التي ادركت ان هذا الاستهداف هو بمثابة صك من العدو ان هذا الأب المجاهد هو بحجم جبل شامخ لن يفت من عضده وصخوره واشجاره تسلق بعض المتسلقين حتى لو كانوا فلذات كبده . هكذا كتب المفكر المصري يوسف ادريس في مقتل غسان كنفاني "من العدو نلت صك الوصول" .

قبل حوالي ثلاثين سنة ، ذهبت اسرائيل الاستخبارية لاختطاف احد خبرائها النوويين "مردخاي فعنونو" واودعته السجن 18 عاما انفراديا ، وما تزال تحاصره وتعد عليه حركاته رغم انه غيّر دينه وطلب حق اللجوء السياسي عشرين مرة دون ان يحصل على مثل ذاك الحق . وقبل خمس عشرة سنة، استدرج حزب الله ضابطا اسرائيليا برتبة كولونيل "ألحنان تتنباوم" الى بيروت ، واستبدل به 436 اسيرا ، لكن قبل بضعة أشهر فقط ، حكمت على وزير سابق للطاقة "غونين سيغف" بالسجن الفعلي 12 سنة بتهمة التجسس لصالح ايران. خبير نووي وكولونيل ووزير .

يعرف الشعب الفلسطيني جيدا ، وخاصة الاسرى منهم ، ما هي اساليب اسرائيل في اسقاط الشرفاء في احابيلها، كلنا تقريبا عرضوا علينا التجسس لصالحهم ، افراد فقط سقطوا في هذه البئر الخاوية القذرة جراء ضعف البنية الفكرية والعقائدية من جهة ، او طرائق اسرائيل المعقدة في الابتزاز او التضليل ، حتى انها فتحت اقسام للعار داخل السجون اسميت اقسام العصافير.

ويكشف الكاتب خالد ابو عجمية في كتابه تحت الطبع "غيّمت" في لقاء اجراه مع أحد ابرز مؤسسي هذه الاقسام ويطلق عليه "ابو العصافير" ان كثيرين ممن كانوا يتواجدون في القسم كأسرى ، هم ليسوا كذلك ، إذ يتم احضارهم من الخارج مقابل 500 شيكل عن كل ليلة .

إن كل من يحاول النيل من هامة هذا القائد ، بما في ذلك "انه لم يعرف ان يربي اولاده" انما سيتحسس رأسه على مخدة العار والمهانة. لأنها كما قال الشاعر المصري الكبير أمل دنقل "انها الحرب ، قد تثقل القلب ، لكن خلفك عار العرب ، لا تصالح ولا تتوخى الهرب ، كيف تنظر في يد من صافحوك ، فلا تبصر الدم في كل كف ؟ إن سهما اتاني من الخلف ، سوف يأتيك من ألف خلف ، " .