تضامناً مع حسن يوسف

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

ريما كتانة نزال

لا يلجأ جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «الشاباك» إلى الكشف عن عملائه عادة، لكن اختلف الأمر لديه في قضية العميلين «مُصعب وصُهيْب»، كونهما أبناء الشيخ «حسن يوسف»، أحد أهم قادة حركة حماس المُشار إليه بالبنان كأحد أركان متخذي القرار في الحركة، ومن الذين يحظون بالاحترام والتقدير من عموم مؤسسات  المجتمع وأحزابه وفصائله. 
وليس خافياً ان تجنيد أبناء بحجم أبناء قائد من المستوى الأول للحركة كان قراراً مدروساً على أعلى المستويات الإسرائيلية الأمنية والسياسية على حد سواء، والنجاح فيه اعتبر بنظرهم صيداً ثميناً متعدد الوظائف، وكشفهم من قبل جهاز «الشاباك» تمَّ بقرار مدروس على قاعدة الاستثمار والاستفادة المتوخاة. أما محاولات الشقيقين العميلين إظهار استقلال قرارهم فما هو سوى تنفيذ لتعليمات المُشغِّل. 
وبدون أدنى شك أن المستهدف من كشف خيانة «صُهيْب» هو الرأي العام الفلسطيني أولاً والعربي ثانياً، ضمن سياق ما يسمى بصفقة العصر وتداعياتها، في ظل حالة معنوية متراجعة ونسيج اجتماعي رخو ويائس، من أجل توظيف الحالة التي مثلها العميل كأحد الضربات المتلاحقة نحو مزيد من تشويه النضال الفلسطيني والمقاومة، وإشاعة أجواء الإحباط واليأس في المجتمع خدمة لإحباط أية مبادرات وحراكات استنهاضية قد تنشأ لمواجهة الصفقة التصفوية، أو محاولات جدية لإنهاء الانقسام واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني. 
ومعلوم ان سياسة كيّ الوعي الجمعي هي سياسة إسرائيلية مُعلنة منذ عملية السور الواقي. موظفة في الحرب النفسية ضد الشعب بأسره، لإلحاق الهزيمة المعنوية والنفسية من خلال استخدام القوة المفرطة بالتوازي مع الإجراءات المذلة بالكرامة الإنسانية وإفقاد الثقة بالذات وبالنضال الوطني، بهدف فرض الاستسلام والركوع على الشعب الفلسطيني وقواه.
ويجب ان لا يغيب عن الذهن أبداً ان عملية كيّ الوعي؛ سواء الناعمة او الخشنة، هي سياسة مستدامة لا تتوقف، لأن الشعب الفلسطيني لم يستسلم ولن يستسلم بالرغم من حالة الإحباط وتدني مشاركته المباشرة في الفعاليات المناهضة للاحتلال، وما زال يفاجئ الاحتلال لا بل ويصدمه بأفعال وردود أفعال تتعدى حساباته وحسابات أجهزته الاستخباراتية، لذلك سيبقى يعمل على سياسته ما دام لا يزال لدينا من يقذف حجراً ومن يخرج للمواجهة ويسير في تظاهرة ضده. ولو استعرضنا ممارسات الاحتلال ضد شعبنا لوجدنا أن نسبة كبيرة منها تأتي في سياق الحرب النفسية، كيّ الوعي.
الشيخ حسن يوسف الذي أطلق على أبنائه اسمين من أسماء الصَّحابة المخلصين تيمناً بهما، مع قيامه عملياً على وضعهما على طريقه ونهجه. لكن الاحتلال كان له بالمرصاد، اذ قام عن سبق إصرار وتعمُّد بتجنيدهما، قاصداً الاغتيال المعنوي لشخصيته القيادية؛ ولا سيما أن الرجل معروف بكونه أحد الرموز الوحدوية لحركة حماس. 
المفاجئ في موضوع تجنيد الابن الثاني للشيخ حسن يوسف ان مخطط جهاز «الشاباك» انقلب على رؤوسهم وجاء رد الفعل الفلسطيني بمجمله مخالفا لتوقعاتهم وتقديراتهم الخبيثة بزيادة التناقضات ما بين الفلسطينيين وإشاعة أجواء من الإحباط والتشكيك والمماحكات السياسية والتنظيمية، إذ توحدت كل القوى السياسية والشارع في مساندة الشيخ  حسن يوسف والوقوف الى جانبه؛ رافضين منهج «الشاباك» ومخططه العدواني.
لقد واجه المجتمع سياسة كيّ الوعي الإسرائيلية بأداء رائع شبيه بكيّ وعي مضاد. كان الالتفاف التضامني الشعبي حول الشيخ مميزاً، استطاع اختراق الخلافات الفصائلية معبراً عن نموّ الوعي الفلسطيني وكشف خطط الاحتلال المبيتة للرجل والطعن بنضاله وصلابته.
بالمحصلة، إن ما حصل في قضية ابناء الشيخ حسن يوسف وقبلها الموقف الموحد من ورشة البحرين وصولاً الى الموقف المعلن من الكل الفلسطيني من ورشة القرن؛ يعني دون ادنى مواربة او نقاش من اي نوع  كان؛ ان ما يجمع شعبنا وقواه كافة من قواسم وطنية مشتركة أوسع وأعظم بكثير من القضايا التي تفرقهم، وهو ما يعني ان البناء على ما تحقق من مواقف وما تولد من مناخات مغايرة لمناخات الانقسام المرضية البائسة أمر ممكن ووارد ومطلوب. 
نعم مطلوب البناء عليه باتجاه استعادة الوحدة والارتقاء بالوضع الداخلي وتعزيز المناعة الداخلية، وهذه المسؤولية هي مسؤولية جميع الفصائل وخصوصا حماس وفتح ومسؤولية المجتمع المدني ومسؤولية الشارع والرأي العام الذي يجب ان يستمر بالضغط على أصحاب القرار السياسي من اجل الاستجابة لرغبة الناس في الوحدة الوطنية وتصليب البنية الداخلية وتأهيلها لإفشال صفقة القرن فعلاً لا قولاً، لأن بناء صرح الوحدة الوطنية هو الضمانة لاستعادة الثقة المفقودة ما بين المركَّب الشعبي والمركَّب السياسي، وهو الكفيل بإطلاق فعل شعبي وطني متصاعد ضد الاحتلال ومشاريعه المشبوهة لتصفية حقوقنا الوطنية الثابتة والمشروعة.