استعادة الثقة بحسن الأداء

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

صلاح هنية

منذ فترة طويلة لم أتوجه لحضور لقاء يحمل الصفة الرسمية بامتياز. منذ ثلاثة أيام توجهت للمشاركة بأحد هذه الاجتماعات، أساس المشكلة لا يزال حاضراً بقوة، وهو أن المسؤول يقدم تحليلاً للواقع ويبدي استغرابه.. كنا نتوقع الكثير الكثير ولكن خاب أملنا، ولكنه لم يمر مرور الكرام على الدور المناط به كمسؤول وليس كمحلل صاحب رؤيا.. ماذا فعلت؟ أين طورت؟
وفجأ نعود للاستخدام الممجوج لبعض التسميات التي باتت مكررة ومملة حتى أنها فقدت معناها من كثرة تكرارها في خطابنا، كل ما دق الكوز في الجرة بنط نقول أهداف التنمية 2030 وبتصير الناس تتطلع حواليها وبتدخل الخبير الدولي عشان يبسط الأمور، طب يا زلمتي مش مزبطين على مستوى صغير نطيت فينا هناك.
استوقفني مواطنان وأصرا على ترك ما جئت من أجله إلى السوق لكي يتحدثا معي: حبيبنا مش انت مسؤول عن حمايتنا، قلت: أستغفر الله، انظر كيف يتم الاعتداء على الرصيف، والآخر حدثني عن ترخيص مبنى له وإضافة مواقف، وثالثهم حدثني عن مشروع تطوير عقاري وعوائق يجب أن تزال.
إعلامي عبر الإذاعة المحلية تلقى شكاوى من مواطنين بخصوص خلل في فواتير الكهرباء، قام الإعلامي بالتواصل مع جهات الاختصاص فطلبت شكاوى لتوثيق الملف، تواصلنا مع الجهة المسؤولة ومع الشركة المقصودة واكتشفنا أنه لا توجد حالة تخص كل المحافظة وإذا كان هناك خلل لدى حالات بعينها فنحن جاهزون لتصويبها.
نقاش طويل مليء بالتحديات والمعيقات حول واقع التعاونيات والعمل اللائق، وكيف تشكل التعاونيات رافعة حقيقية وليست بهدف التشكيل ليس إلا، وكان للتعاونيات رأي آخر بتعديل القانون وتسهيل الإجراءات والمتابعة الجدية لواقعها، وعدم تركها عناوين دون إجراءات تطورها، مستنيرين بالتجربة الفلسطينية منذ الثلاثينيات، ومن التجربة العربية، خصوصاً في دولة الكويت.
نقاش طويل حول العمل اللائق والعدالة الاجتماعية، ولكننا خرجنا بعد اللقاء بتوصيات ستتكرر ذاتها العام القادم والذي يليه؛ لأننا لا نحسن صنعاً بخلق فريق متكامل من الجهة الحكومية الرسمية والشركاء لتعزيز الحوار الاجتماعي.
جوهر المطلوب هو سبل استعادة الثقة مع المواطن، وهذه ضرورة قصوى لا تستقيم الأمور دونها، هذا المواطن الصامد الصابر الذي يتقاضى أبناؤه نصف راتب ويتقاضى البنك نصف النصف، ويتابعهم أصحاب الفواتير دون أي حماية حكومية "أقلها ربط إلكتروني بين وزارة المالية وقطاع الخدمات ليكون معلوماً لديهم من هو الموظف الحكومي للكهرباء والمياه والاتصالات والإنترنت"، بالتالي الصمود يتطلب إجراءات تخفف عنه معاناته، إضافة للإطراء والتحية والتقدير.
اليوم بات ملحاً إحداث تدخلات حكومية جوهرها استعادة الثقة، وبشكل خاص قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حيث تسأل الناس عن حقوقها في هذا القطاع وسبل التعامل معها، وهذا لا يتطلب إضراراً بالشركات القائمة، بل تنظيماً للقطاع من خلال الهيئة المنتظرة منذ زمن. رغم أنني بعد التجربة لا أجد فرقاً قد تصنعه هيئة تنظيم قطاع الاتصالات إذا ما أقيمت على طريقة بقية المجالس، مثل مجلس تنظيم قطاع المياه، وإبقاء الفيتو بيد سلطة المياه، وبات ملحاً إنفاذ القوانين الناظمة لحقوق المستهلك وأيضاً المستهلك في قطاع الاتصالات، وكتبنا الكثير حول هذا الموضوع وخاطبنا جهات الاختصاص، واجتمعنا عدة اجتماعات ولكن فرقاً لم يقع إلى الآن، وهذا دور وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وبات الحديث عن قطاع المياه ذا شجون، خصوصاً أن منظومة تعليمات يجب أن تصدر من مجلس الوزراء لتنظيم قطاع المياه والتخفيف عن المواطن بشكل أساسي، والحديث يدور عن عدادات المياه مسبقة الدفع التي لا تزيد كميات المياه ولا تحل مشكلة المياه، بل تشكل عبئاً على المواطن وليست حلاً، ويجب إعادة النظر في عمل اللجنة المشتركة للمياه واستغلالها من الاحتلال بإتاحة مصادر المياه ومشاريع المياه للمستوطنين وحصر المشاريع الفلسطينية بموافقاتها.
لدى النقاش مع البلديات المختلفة تجد أن مديونية عالية على وزارة المالية لصالح البلديات باتت تهدد استمرار وفاء البلديات بالمصاريف التشغيلية الأساسية بعيداً عن المشاريع التطويرية، وتتألم عندما تسمع أحاديث وتقارير رؤساء البلديات وتسمع حجم الضغط الشعبي على البلديات باحتياجات أساسية تشمل الخدمات والمشاريع التطويرية، وهذا مكون أساسي من مكونات استعادة الثقة من خلال تطوير أداء قطاع الحكم المحلي، خصوصاً أن المانحين بالكاد يقدمون مشاريع كانت حاضرة بقوة سابقاً.
استعادة الثقة تتطلب إحداث نقلة نوعية في أداء كل وزارة وهيئة غير وزارية بحيث يشعر المواطن أن حضوراً نوعياً قائماً رغم الأزمة المالية والضغط الذي يراد منه تنازلات سياسية لن تتحقق، وهذا يتطلب رسالة وخطاباً واضحاً للناس وليس صور للمسؤول تفيد بأنه اجتمع وتابع واستمع. نريدكم أن تكونوا حلاً للمشكلة وتبلغونا ماذا فعلتم بخصوصها، ولا تعودوا لنا بخطاب يشرح الصعوبات والمعيقات وغضباً من وزارة أخرى لأنها شرحت مشروعاً بالبنية التحتية له آثار اقتصادية على القطاع الذي تمثله تلك الوزارة.
استعادة الثقة تتطلب تشديد الإجراءات ضد مروجي الأغذية الفاسدة ومنتهية الصلاحية، ولا تقولوا لنا: هذه صلاحية وزارة أخرى وليست صلاحيتنا، أنتم مسؤولون عن أمننا الغذائي وسلامة غذائنا.