أين تتجه السلطة وحماس واسرائيل ؟

تنزيل.jpg
حجم الخط

تمارا حداد

 

يبدو ان معادلة " الهدوء مقابل الهدوء" بدأت تتغير امام عدم التزام اسرائيل برفع الحصار عن القطاع، وقتلها بين الفينة والاخرى مواطنيين فلسطينيين على حدود القطاع او من عناصر الضبط الميداني كما حدثت قبل يومين ان كانت بقصد او غير ذلك.
ويبدو ان حماس والجهاد الاسلامي والفصائل لم تعُد تحمُل الحصار القائم على القطاع وعدم تنفيذ اسرائيل تفاهمات الهدنة غير الموقعة بينهما والتي اكتفت بمسودات تفاهمات من هنا وهناك، الذي ادى الى اتخاذ حماس من مسيرات العودة هدفاً سياسياً لكسر الحصار والتي لن تتوقف إلا بتحقيق هذا الهدف.
وانفتحت حركة حماس على المبادرات المطروحة وتعاطت بمرونة مع الوساطة المصرية، وتعاونت مع الجهود التي يبذلها الوسيط الأممي نيكولاي ملادينوف، وتعلم حماس تماماً ان التدخلات الخارجية هو منع المواجهة العسكرية مع إسرائيل، وأن غالبية الحلول المطروحة تركز على الجانب الإنساني للمشكلة دون حلول شاملة، وابقاء إسرائيل الطرف المتحكم في المعادلة.
سعت "حماس" للتوصل إلى هدنة طويلة الأمد مع اسرائيل، وهو الخيار الحالي لحماس في حال استمرار انسداد أفق المصالحة، تحقق من خلالها هدف الاحتفاظ بسلطتها في غزة، من دون أن تضطر لدفع ثمن الاعتراف بإسرائيل، لأنها تستطيع تبرير الهدنة وطنيًا على أنها "حل مرحلي" في سياق معركة التحرير.
هذا الخيار يصطدم بالعديد من العقبات، في مقدمتها رفض إسرائيل لفكرة الهدنة طويلة الأمد، وربط تقديم التسهيلات لقطاع غزة بحل مشكلة جنودها المحتجزين لدى الحركة، ووقف تطوير القدرات العسكرية، وكذلك بموقف الإدارة الأميركية من "حماس"، وسعيها لإنهاء حكمها لقطاع غزة وعزلها، تمهيدًا لتمرير "صفقة القرن".
تلجأ الحركة إلى بدائل أخرى إلى جانب "مسيرة العودة"، للضغط على الجانب الإسرائيلي لتقديم تنازلات، مثل نقل المقاومة الى الضفة الغربية، ومواصلة إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، والتصعيد العسكري المحسوب، بحيث لا تدفع الأمور نحو مواجهة عسكرية شاملة.
موقف السلطة:-
الأرجح أن تبدي السلطة مرونة أكثر تجاه جهود المصالحة المصرية ولكن رغبتها بتنفيذ اتفاق 2017 في حال تجددها المحتمل، بهدف قطع الطريق على أية حلول لا تكون هي طرفًا فيها، وقد تكرس انفصال قطاع غزة.
العلاقة بين امريكا والسلطة تتمثل الان "بنظام الرسائل"، ولكن هناك بوادر انفتاح وتحسين العلاقة بين السلطة والادارة الامريكية وفتح قنوات لحلحلة الازمة الاقتصادية عبر ايجاد آلية جديدة متمثلة بخطة كوشنر ولكن بصيغة "شبكة امان" وبضمانات عربية، مع قناعة الادارة الامريكية بايجاد حل سياسي لانها اقتنعت بعد مؤتمر المنامة وباعتراف كوشنر بانه فشل بسبب رفض السلطة المشاركة فيه وبان السلطة لا يمكن اغوائها اقتصادياً بدل الحل السياسي.
موقف تركيا:-
بدأت الاجهزة الامنية في تركيا بعد الحديث الذي اشار اليه صهيب ابن حسن يوسف بان قيادات من حركة حماس تتجسس على تركيا لصالح ايران، يبدو ان الصعيد السياسي والشعبي يظهر جلياً ضد الانشطة التجارية التي تقوم بها قيادات حماس في تركيا، وهناك انتقاد مباشر بالتحديد مع بداية نجاح المعارضة في البلديات في تركيا مع هزيمة حزب اردوغان، وهذا الانتقاد ياتي من السكان المحليين عندما تاكدوا ان اتباع حماس يعيشون حياة عالية المستوى بالمقارنة مع المتوسط التركي بقولهم "ان افراد حماس يعيشون على حساب الشعب التركي مستغلين ضيافة الحكومة التركية في اي مساهمة في البلاد".
موقف سوريا:-
بعدما شعرت حماس بان تركيا لم تعد الحضن الدافئ تسعى حماس نحو الرجوع الى سوريا، لكن سوريا بعد وقوف حماس الى جانب المعارضة لن تقبل باعادة حماس اليها، كما ان روسيا لن تقبل بعودة قيادات حماس الى سوريا وذلك ان روسيا غير معنية باتحاد مقاومة حماس مع قيادات من ايران وحزب الله في سوريا الامر الذي سيضر بامن اسرائيل وروسيا معنية بالحفاظ على امن اسرائيل.
موقف مصر:-
قامت مصر بدورا بارزا للوصول الى نهاية حقبة الانقسام الفلسطيني ضمن نطاق شراكة حقيقية توحد الكل الفلسطيني، فرعت ملف المصالحة من اجل انهاء الملف رغم ادراك مصر صعوبة تحقيقه.
مصر ستستمر في ممارسة الضغط على "حماس" بوقف إطلاق البالونات الحارقة وذلك بهدف منع مواجهة عسكرية في غزة، ومن المتوقع أيضًا أن تواصل ضغطها على السلطة لرفع العقوبات، تمهيدًا لاستكمال مسار المصالحة في المرحلة القادمة، باعتبار ذلك الخيار المفضل لديها.
موقف اسرائيل:-
خلافات بين القيادات الاسرائيلية في التعامل مع قطاع غزة، نتينياهو يسعى قدُماً لعرقلة اي حل سياسي لقطاع غزة ويرفض توصيات القيادة الأمنية حول مصلحة إسرائيل في التوصل إلى تسوية مع غزة، مع الاخذ بعين الاعتبار عدم توصيل غزة الى حد الانفجار بوجه اسرائيل.
بعض الأصوات دعت إلى التعامل مع غزة ككيان منفصل ذي استقلالية شكلية وزائفة، ومن أبرز هذه الأصوات غيورا أيلاند، الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي، الذي دعا إلى اتباع سياسة مستقلة تجاه غزة، تقوم على الاعتراف بدولة غزة، وأن "حماس" الآن هي الحاكم الشرعي.
كما دعا كوبي ميخائيل، الرئيس السابق لشعبة الأبحاث الفلسطينية بوزارة الشؤون الإستراتيجية، إلى استغلال ضعف "حماس"، ودفعها للقبول بهدنة طويلة الأمد، ولكن بشرط أن يتم ذلك بمعزل عن قيادة السلطة، وأن تبقى غزة "كيانًا مردوعًا.
برزت خلافات عميقة بين أفغيدور ليبرمان القيادة العليا لأركان الجيش، حول كيفية التعامل مع غزة، إذ صرح ليبرمان بأن تحسين الأوضاع في غزة لن يحسن الوضع الأمني ويوقف "أعمال الشغب"، ولا يصلح التفاهم مع حماس لانه سيخدم الا حماس، التي ستستغلها لمراكمة القوة، وأضاف "من دون حل مسألة أسرى الحرب المفقودين لن يكون هناك شيء.
ستواصل الحكومة تمسكها بشرط إعادة الجنود الأسرى، بغرض المناورة وكسب الوقت وابتزاز "حماس" ومنع تحقيقها لمكاسب جوهرية في هذه المرحلة، مع السماح بتقديم بعض التسهيلات لتخفيف، وليس إيجاد حلول لمشكلات غزة، ومنع تفجرها. وفي هذا الإطار قد تسمح لجهات دولية بتقديم مساعدات إنسانية للسكان، عبر الأمم المتحدة، أو من خلال جسم إقليمي دولي، تماشيًا مع خطة ترامب.
موقف امريكي:-
إدارة ترامب لا تنظر لـ"حماس" كشريك محتمل في تنفيذ خطتها للتسوية، لذلك ستطلب من الرئيس الفلسطيني مدّ سيطرة حكومته لغزة، بهدف عزل "حماس" ونزع سلاحها، باعتبار ذلك جزءًا من متطلبات تمرير "صفقة القرن".
حيث طالب جيسون غرينبلات، مبعوث ترامب لعملية السلام، "حماسَ" بإعادة قطاع غزة إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، وذلك في كلمته أمام مؤتمر واشنطن الذي دعت الإدارة الأميركية لعقده في آذار 2018، بهدف "البحث في حلول عملية لمشكلات قطاع غزة".
إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تريد مصالحة على مقاسها في إشارة إلى المطلب الأميركي عدم ضم «حماس» إلى الحكومة والمنظمة إلا بعد أن تعترف بإسرائيل وتنبذ العنف وتحل جهازها العسكري.
ولكن هذا الامر بعد الانتخابات الاميركية 2020 والتي ستبرز شخصيات جديدة سيتغير المشهد تماما.
المصالحة:-
كل من الطرفان فتح وحماس يريدان المصالحة ولكن على مقاس كل منهما، ترفض السلطة اتفاق عام 2011 في القاهرة والذي لا يتناسب معها وتطالب بتطبيق اتفاق 2017، في حين ان حماس متمسكة تماما باتفاق 2011، اضافة الى ان باقي الفصائل تؤكد على تطبيق جميع بنود الاتفاق وهذا يجعل حركة فتح في مواجهة صعبة مع الكل الفلسطيني، ولكن لن تكون اي مصالحة على حساب حماس ورفع العقوبات عن غزة، والمصالحة لن تحدث الا ببرنامج موحد لكلا الطرفين.
خلاصة:-
ينبغي عدم استبعاد احتمال المواجهة الشاملة بالكامل، لأن أحد الخيارات المطروحة من قبل قيادة أركان الجيش الإسرائيلي، هو خيار الإخضاع، من خلال عملية عسكرية سريعة وواسعة النطاق على غزة او ارجائها ما بعد الانتخابات الاسرائيلية.
ومن المتوقع أن تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي سياستها القائمة على الردع، وأن ترد على أي عملية تنفذها فصائل المقاومة ضد أهداف إسرائيلية، ولكن بشكل محسوب، وبما لا يؤدي إلى اندلاع مواجهة شاملة.
من المتوقع ان توافق حماس على المصالحة اذا شعرت انها في مازق مالي الا اذا توجهت بشكل كلي الى ايران وحزب الله فانها ستبقى على ما هي عليه مع الحفاظ على سلاحها المقاوم.