سلام كانط وسلام كوتشنر!

2b56b545609376410308f49b3f305dad.jpg
حجم الخط

د. ناجى صادق شراب

 

أسئلة كثيره تطرحها صفقة القرن، لكن يبقى السؤال الرئيس الذى يشكل دافعا قويا لأى مبادرة هل هدفها إرساء السلام ؟ والسؤال تتبعه أسئلة كثيرة عن ماهية هذا السلام وركائزه وأسسه وآلياته. وإذا كان الهدف هو السلام ، فبلا شك سيكتب لها النجاح ، والقبول من أطراف الصراع. هذه هي الإشكالية الكبرى التي غابت عن كل المبادرات والجهود التي قامت بها الإدارات ألأمريكية التي قد إحتكرت العملية التفاوضية والتسوية بين الطرفين الرئيسيين العربى الفلسطيني والإسرائيلى، وهى التي اخفت ورائها كل أسباب الفشل، لأن هذا الإحتكار عكس أولا تحييد بل إلغاء لكل المرجعيات والشرعية الدولية التي تحكم اى عملية سلام ومفاوضات ناجحه،وثانيا تبنى وجهة نظر واحده للسلام وهى وجهة نظر إسرائيل في فرض السلام الذى يحقق أمن وبقاء إسرائيل ويشرعن سياساتها الإحتلالية , ويتجاهل الشق الثانى للسلام الذى لا تكتمل أي عملية سلام بدونه، وهى وجهة النظر الفلسطينيىة ، وهو الطرف الذى يعانى من غياب السلام في عدم ممارسة حقه في تقرير مصيره وممارسة حقوقه السياسية التي نصت عليها قرارات الشرعية الدولية ، ويتطلع لقيام دولته الديموقراطية المدنية ، وشعبه تحت ذل الاحتلال وتمتهن كرامته الوطنية بسبب سياسات الاحتلال والحصار والحواجز.والسلام عملية كلية متكاملة شاملة هدفها إنهاءالحروب ، وهو الهدف الذى لم يتحقق منذ نشأة الصراع العربى الإسرائيلي أربعة حروب رئيسيه شهدتها العلاقات العربية الإسرائيلية ،وحروب كثيره على المستوى الثنائى لبنان وفلسطين، وآخرها ثلاثة حروب على غزة، وهى حروب غير متكافئة راح ضحيتها آلاف المدنيين ألأبرياء، وتدمير البنية التحتية الهشة أصلا في غزة ، ليعيش أكثر من مليونيين نسمة في حالة فقر وبطالة وخوف دائمه.معيار نجاح السلام أن يضع حدا للحروب، وأن يخاطب الحقوق الناقصة أو الحاجات الأساسية لأطرافه، وان يحقق التوازن في معادلة الحقوق وصولا لصيغ من التعايش والمصالح المشتركة وبناء نماذج للتنمية والإعتماد المتبادل في إطار من بنية أساسية من القيم تقوم على نبذ العنف والكراهية والحقد ، والقبول والتفاعل الإجتماعى . ولعل الحالة الخاصة من العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، وفى الإطا رالعربى الواسع تفرض البحث عن هذه الصيغة المفقوده للسلام. فالحتمية الجغرافية الواحده، والتداخل السكانى ، ووقائع التعامل المشترك على ألأرض، وفشل خيارات الحرب، وحقيقة أن إسرائيل تقع في قلب فلسطين وفلسطين في قلب إسرائيل وهو ما تشكله وحداينة ألأرض، يفرض لمن يريد ان يحقق السلام أن يبحث في هذه الحقائق ويتعامل معها بشكل مباشر. إسرائيل حققت ما تريد من دولة تجاوزت الحدود المرسومة لها وفقا لقرار 181 ـ وابدى الفلسطينيون كل المرونة السياسية ، ووافقا على دولة فقط بمساحة تقارب العشرين في المائة من مساحة فلسطين ألإنتدابية كلها وباقل بحولى خمس وعشرين في المائة من مساحة الدولة التي نص عليها قرار الأمم المتحده181.الفيلسوف ألألمانى كانط وفى رسالته عن السلام مستبعدا سلام القبور، يحدد شروطا عامه لتحقيق السلام للجميع، يقول لتحقيق سلام دائم بين الدول :حرب أو صراع، فالبديل عن فشل السلام أن تعيش الدول في حالة حرب دائمه وهو خيار لا يمكن لأى دولة أو شعب ان يتحمله.ويضيف الحكم بالحق بين ألأطراف المتنازعة المتحاربه.وإعطاء كل ذي حق حقه.هذه إرشادات لتحقيق السلام. والسؤال هنا هل يمكن ان يكون جاريد كوتشنر كانط ويفكر كما يفكر. وينظر للسلام كما ينظر؟ لا يبدو ذلك قائما ، فالسلام الذى تتبناه صفقة القرن هو نموذج السلام ألأحادى الذى يلبى حاجات إسرائيل فقط، ولا احد يعترض عربيا وفلسطينيا على أن لإسرائيل حاجات أمنية ومخاوف ينبغي طمأنتها وهو ما تضمنته المبادرة العربية أن تمنح إسرائيل حالة الدولة الطبيعية مقابل حالة الدولة الطبيعية لفلسطيين.صفقة القرن سبقت وتجاوزت كل المبادرات الأمريكية السابقة بأن طبقت بنودها على ألأرض قبل ان تعلن فنزعت القدس من جسدها الطبيعى ، وأوقفت كل المساعدات عن وكالة الغوث تمهيدا لشطب ملف اللاجئيين، والتمهيد لضم أراض من الضفة الغربية لإسرائيل لشرعنة الإستيطان والإحتلال. هذه هي إشكالية صفقة القرن وإشكالية كوتشنر انه يتعامل مع السلام ليس كسلام ورؤية بل كعلية أحاديه. وينظر إليه من جانب واحد فقط، سلام يهدف لفرض الأمر الواقع بالقوة ، وبالإعتراف بحقائق الاحتلال، وبدلا من إرساء بذور السلام وتنميتها ، وخلق بيئة السلام يعمل على ترسيخ بيئة الحرب وإطالة أمد الصراع. لهذه الأسباب سيكون مصير الصفقة الرفض والفشل لسبب بسيط انها لا تتعامل مع السلام بقدر ما تتعامل مع الحرب.