مارشات (ولَّعتْ) في أفراح غزة

شومر
حجم الخط

يستطيعُ الباحثُ، أو الزائرُ، أو السائحُ، أن يتعرَّف على أحوالِ بلدانٍ كثيرة، بمجرد يومٍ واحدٍ من التجوَّل في شوارع البلد!

فليس هناك صعوبة في معرفة (بلاد الفوضى)، حينما نراقب نظامَ المرور فيها، فنظامُ المرور، وحركة السيارات والناس، إشارة صادقة لحالة البلد، فما أسهل اكتشاف الفرق بين بلاد القانون، وبلاد الفوضى!

كما أنَّ السيرَ في شارعٍ واحدٍ يكفي ليحكمَ السائرون على حال البلد، فالحكم بفوضى النظام يمكن مشاهدتُهُ بوضوح، عندما يغتصب أصحابُ الحوانيتِ الممرَ الخاصَ بالمشاة، ويُغلقونه لعرض بضائعهم، وما أكثرَ الذين لا يكتفون باغتصاب الرصيف، بل يتمددون خارجا ليغتصبوا جزءا من الإسفلت المخصص للسيارات!! مما يدفع المشاة إلى اقتسام الإسفلت مع السيارات!!

والمصيبة الكبرى، هي أن يصبحَ الاغتصابُ قانونيا، بترخيصٍ من جهاتٍ رسمية!!

ويمكننا أيضا أن نعرف نظافة المواطنين، عندما نمرُّ في الشوارع، فنرى أكوام القمامة في كل مكان، بينما حاويات القمامة فارغة!

ونستطيع أيضا الحكمَ على انتفاء القوانين، وجهل المواطنين وبدائيتهم، وغياب الحضارة والوعي، عندما نقرأ يافطات الشوارع، مثل:

سرقة الكهرباء حرامٌ شرعا!!، ممنوع التدخين في المصعد. مَدخل كراج سيارات، ممنوع الوقوف!! أو عندما تقرأ في مرحاض مؤسسة، أو جمعية: الرجاء سحب السيفون، بعد الانتهاء!! أو :ممنوع كتابة الشعارات على هذا الحائط!!

أو عندما ترى رصيف المشاةِ مُحاطاً بحواجز من الحديد المُشبَّك، المخصصة في دول العالم للحيوانات فقط، ولكنها في بلاد الفوضى مخصَّصةٌ لمنع (مشاة البشر العُقلاء) من تجاوزها، والسير في المكان المخصص للسيارات، وبخاصة إذا كان هذا المنظرُ في شارع المدارسِ والجامعات المتنوَّرة، مُعلِّمةِ الثقافة، والحضارة، والنظام والقانون!!

ويمكننا نتعرف على ضعف الانتماء الوطني، وانتشار الكسل والعجز واللامبالاة، عندما نراقب أمكنة النُزهة لنرى مأساة الواقع، وكآبته، فكل فردٍ يترك بقاياه في المكان الذي استضافه، غير عابئ بالآخرين، ومستهينا بأبسط مبادئ النظام والقانون، حتى ولو كانت حاويات القمامة تبعد عن مكان الجلوس مترا واحدا، أو أقلَّ!

ويستطيعُ الزائرُ كذلك، أن يكتشف زيفَ اللباس النظيف، ومساحيق التجميل، التي يضعها كثيرون على وجوههم، بعد أن يغتسلوا، ويخرجوا إلى الشارع، فما إن يسيروا بضع خطوات، حتى يشرعوا في البُصاق، عن يمينٍ ويسار، وما إن يبتاعوا المسليات، أو المبردات، حتى يشرعوا في مضغِ، ولحس ما اشتروه، وهم يسيرون، ويُلقُون بقاياهم، قذاراتٍ متنوعةً، تحت أقدامِ الماشين، في المكان المُضْطَهَد، المظلوم، الشارعِ العام!!

ولن يخفى على الزائر الغريب أن يكتشف مرضا خطيرا، وهو مرض الإزعاج، وإحداث الفزع في نفوس الأطفال، والنساء، والشيوخ، حينما يرى الزَّائرُ قوافلَ سياراتِ الأفراحِ تقطعُ الطرقَ في المناطق المكتظة بالناس، وتتدلى منها أجسادُ أصحاب الفرح خارجة من شبابيك السيارات، غير عابئة بحياتهم، يغنون في الأفراحَ أغنية شعبيةً شاذة، لا تليق بمناسبة الفرح:

(وَلَّعتْ) !!

ولكي يُثبتَ (أصحاب الفرح) صدقَ التسمية، فإنهم يشرعون في إلقاء قنابل ومتفجرات الألعاب، على وقع المارش العسكري المُزعج، المصحوب بالمزامير المُنفِّرَة، الباعثة في النفوس الرعشة والخوف، والطبول الإفريقية البدائية، على وقع رقصة،(ولَّعتْ)،

 يُلقون القنابل بين أرجل الماشين، وينتشون، ويضحكون، على حالة الرعب التي تصيب الماشين من أصوات الانفجارات.

 هؤلاء المشاركون المرضى في هذه الطقوس البدائية، يفسرون خوف الناس، من أصوات الانفجارات، وهروبهم،  وفزعهم، بأنه مشاركةٌ في مارش (التوليع)!!

وحتَّى يكتملَ مشهدُ الإزعاج، فإنهم لا يبدؤون هذه الطقوس (المرعبة) باستخدام المتفجرات فقط، ولكنهم يستأجرون قاصفات الآذان، وهي مُضخمات الأصوات المُرعبة، المحمولة فوق سياراتِ نقلٍ، وهي خارقةٌ لطبلات آذانِ الصغار والكبار!!

وأخيرا:

أليس من واجبنا أن نُعيدَ فرضَ النظام والقانون، باستخدام الوسيلة التي لا بُدَّ منها في البداية، وهي فرض العقوبات، حتى نُعلِّم أبناءنا آليات الحياة المنظمة، قبل فوات الأوان، إذا أردنا أن يحتَرِمَنَا غيرُنا، ويناصرونا، ويدعموا حقوقنا، ويعززوا صمودنا؟

أليس عارا، أن يحتاجَ كل فردٍ فلسطينيٍ واحدٍ، موظَّفَيْنِ اثنين، يَخدمانه طوال الوقت، موظَّفاً، يُلزمُهُ بالقانون، وآخرَ، يلتقطُ قمامته، وهو المناضل الفلسطيني من أجل الحرية والانعتاق؟!!!!