الحلّ يحتاج أكبر من «أستانا 13»

3342.jpg
حجم الخط

هاني عوكل

 

في الأول والثاني من الشهر المقبل، تعقد محادثات بين ضامني "أستانا" في العاصمة الكازاخية باسمها الجديد نور سلطان، يضاف إليهم أطراف النزاع السوري، والأردن التي سبق أن شاركت من قبل، إلى جانب دعوة العراق ولبنان لأول مرة.
سيشارك ممثلون عن الأمم المتحدة في هذه المحادثات التي تعقد على مدار يومين، الأول يخصص للتركيز على مباحثات تمهيدية ثنائية وثلاثية تجمع المشاركين تحت مظلة "أستانا 13"، يتبعها في اليوم الثاني جلسة عامة.
الأردن والعراق ولبنان ستحضر بصفة مراقب، لكن يبدو أن وجودها تحت هذه المظلة التفاوضية يعكس إلى حد ما السعي إلى تسوية بعض الملفات العالقة، ذلك أن الحديث عن حل الأزمة السورية يستلزم بالضرورة مشاركة الدول المجاورة لها جغرافياً.
في حقيقة الأمر، إذا أريد للأزمة السورية أن تُحَل، والتي تعطل حلها بسبب تعدد القوى الكبرى المؤثرة في هذا النزاع وتداخل المصالح بينها، فإن عليها أن تجتمع كلها تحت مظلة واحدة لتصفي الحسابات فيما بينها وتتوافق على إنهاء هذه العطلة.
في المحادثات المقبلة، ثمة ملفات من المحتمل أن تطرح على طاولة النقاش، وهي ملفات أشبعت تمحيصاً ونقاشاً مستفيضاً، لكن دون أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأنها. ملف اللجنة الدستورية قد يكون الأول في النقاش وكذلك بالنسبة لملفي إدلب واللاجئين.
قبل الحديث عن هذه المحادثات التي كان يفترض أن تنعقد في بحر هذا الشهر، وتأجلت لأسباب تتعلق بتضييق نقاط الخلاف بين أطراف النزاع السوري، شهد الملف بالعموم تحركات دبلوماسية مصدرها المبعوث الدولي الخاص إلى سورية وأيضاً روسيا وتركيا.
غِير بيدرسون، المبعوث الدولي، ذهب إلى دمشق للاطمئنان على إمكانية إطلاق اللجنة الدستورية والبدء في العمل، وتحدث عن ملف إدلب، لكنه يدرك أن مناورته محدودة في هذا الملف وهو مرهون لكل من موسكو وأنقرة اللتين يمكنهما حله بالفعل.
بالنسبة للحكومة السورية، لا يعنيها كثيراً ملف الدستورية، ويأتي في السلالم الأخيرة لأولوياتها، غير أنها تفضل التعامل مع المبعوث الدولي الخاص إلى سورية؛ حتى لا تقع في مرمى سهام الانتقاد، وفي ذات الوقت "تطبخ" هذا الملف على "نار" هادئة حتى تصل إلى مبتغاها.
ليس ملف الدستورية ما يقلق دمشق، وإنما موضوع بسط السيطرة الكاملة على الأراضي السورية هو ما يشغل بالها، ولذلك فإنها تنظر إلى ملف إدلب على أنه أهم الأولويات، لأنها إذا تمكنت من تحقيق إنجاز عسكري هناك فإنها كمّن "يضرب عصفورين بحجر".
القصد من ذلك، أن أي إنجاز عسكري يتحقق للجيش السوري في محافظة إدلب سيعني بالتأكيد إعادة السيطرة عليها، والأمر الآخر أنها ستكون وجّهت "لكمة" قوية للمعارضة وهذا يفيدها كثيراً في معركة المسار السياسي الذي يتأخر عمداً في بعض الأحيان؛ بهدف تحسين الوضع والشروط التفاوضية.
روسيا أيضاً ليست قلقة من الدستورية، وهي منسجمة مع دمشق في الخط بشأن مصير ملف إدلب، وهذا ما يفسر موجة تواصل النزاع في إدلب ومحيطها على الرغم من اتفاق سابق بين روسيا وتركيا لتضمين هذه المحافظة تحت ما يسمى "مناطق خفض التصعيد".
تركيا تأمل من "أستانا 13" الإجابة عن هواجسها الأمنية المتعلقة بالوجود الكردي في الشمال السوري، وأغلب الظن أنه ليس من مانع لدى الحكومة التركية المقايضة بحليفتها المعارضة السورية مقابل وجود ترتيبات في الشمال السوري تنهي الوجود الكردي هناك.
أنقرة تأمل أن يحل هذا الموضوع الذي يسبب صداعاً قوياً لها، إما بالاتفاق مع الأميركيين أو حتى من دونهم، المهم الوصول إلى منطقة آمنة أو ما يشبه مظلة أمنية تزيح التمدد الكردي إلى شرق الفرات، مع التركيز على السلاح الكردي وإزالة مخاطر التهديد.
وبين ملفي الدستورية وإدلب سيطرح ملف الإرهاب وضبط الحدود المشتركة طالما يحضر العراق في هذه المحادثات، وأيضاً سيطرح ملف اللاجئين السوريين الذي تدفع روسيا بقوة إلى عودة مئات الآلاف منهم إلى الأراضي السورية.
ليس سهلاً التخمين بنجاح محادثات "أستانا 13" إذا ما عدنا إلى الوراء وفتشنا في فواتير المحادثات السابقة، والسبب يتصل بتضارب الأولويات وعدم الرغبة في التفاوض بين فرقاء النزاع السوري تحت عنوان ند إلى ند، إذ تنظر الحكومة السورية على أنها في موقع تفاوضي أقوى بكثير من المعارضة.
أغلب الظن أن يصدر بيان عن جولة المحادثات هذه يدعو إلى مزيد من النقاشات لتجاوز الخلاف وحل الملفات المستعصية، مع احتمالات أن نسمع عن جواب حول اللجنة الدستورية وآليات عملها في إطار المهام التي يقوم بها المبعوث الدولي بيدرسون.
الحكومة السورية عدا انشغالها في استعادة المناطق الخارجة عن سيطرتها، فهي مهتمة في ترميم قوتها العسكرية وتنظيم وتحصين دفاعاتها، ومهتمة أيضاً في إعادة بناء البنى التحتية المدمرة لتحفيز اللاجئين على العودة إلى بلدهم.
أما المعارضة المعتدلة، فإنها تراهن على تركيا في دعمها لتحسين وضعها التفاوضي، ولذلك من المهم القول: إن إطار أستانا التفاوضي ربما يشكل مدخلاً لجلب الأطراف المتنازعة وتقريب وجهات النظر فيما بينها، لكنه ليس المسار المخصص للحل.
حل الأزمة السورية لا بد أن يمر عبر واشنطن وروسيا وكل اللاعبين المؤثرين في هذه الأزمة، لكن يكفي القول: إن واشنطن وموسكو إذا التقتا واتفقتا على حل هذه الأزمة، حينذاك من السهل الضغط على باقي الأطراف الدولية والعبرة في مفتاح الإرادة نحو الاتفاق وتقاسم "الكعكة" السورية.
"أستانا 13" يصلح للنقاش وحل بعض الملفات الثانوية والرئيسية، إنما وظيفته لا تتجاوز أكثر من هذا الدور، والأزمة السورية تحتاج إلى مظلة أوسع وأشمل من "أستانا" لحل المعضلة السورية. بالمختصر المفيد الحل عند الأميركيين والروس.