بقلم سميح خلف

دحلان بين الخطاب السياسي والخطاب الشعبي

سميح خلف
حجم الخط

غزة - وكالة خبر

لفت نظري ظاهرتين مهمّتين هذا الأسبوع، الظاهرة الأولى هو حصول طلبة وطالبات فلسطين على المراتب الأولى في الثّانوية العامّة في أربعة دول عربيّة، وهي دول مركزيّة والظاهرة الثانية التي حدثت أمس في غزّة والمهرجان الكبير الذي يرعاه القائد الوطني محمد حلان للمتفوّقين في الثانوية العامة والتعليم الجامعي وهم أكثر من 1500 طالب وطالبة.

الظاهرة الأولى تؤكّد ما قاله القائد الوطني محمد دحلان في كلمته عبر الكونفرنس مع مهرجات غزة: "ننتصر على الموت"، هناك تشابك سيكولوجي بين الفلسطينيين في الخارج والداخل، أنهم ذوي إرادة في تفوقهم وانتصارهم على كل الظروف المحيطة بهم، وقد تكون العوامل السيكولوجية المختلفة التي يتعرض لها الفلسطينيون في الداخل والخارج عوامل مدمرة ولكن هذا الشعب الفلسطيني الذي اكتسب من معاناته الجلد والصبر والقفز على كل المعوقات لكي ينتصر فعلًا على الموت وعلى من يريدون له الموت رغم أنه صانع الحياة خارج الوطن وداخله.

رجوعًا مرّة أخرى لمهرجات غزة وما لفت نظري في كلمة القائد الوطني دحلان والموجهة للطلبة والجمهور على حد سواء، هذه المرّة دحلان لم يتحدّث في السياسة، فللسياسة شأن آخر، وأقاويل أخرى يمكن أن تقال في أروقة السياسيين ومحافلهم وأكاذيبهم كما وصفهم محمد دحلان في كلمته، ولكن دحلان توجه للجمهور الفلسطيني من طلبة ومخاتير ووجهاء وعامة الشعب في كلمات صريحة غير سياسية تربط القائد بالقاعدة الشعبية والجماهيرية، فهو الشعور المشترك بين القائد الحق الذي يشعر بشعور شعبه ويتألم لجراحه هو ذاك الشعور المتبادل في المحن وفي مفترقات الطرق التي يجب أن يصارح بها الشعب بكل الحقائق سواء كانت مؤلمة أو مفرحة، فهو تناول جراح هذا الشعب في غزة وفي لبنان وفي الضفة التي لا يقل فيها معاناتهم عن معاناة غزة ولبنان وغيرها وان اختلفت الظروف والمناخات وطرق المعاناة وواقعها.

لا أريد هنا أن أسترسل كثيرًا في فحوى ما جاء في الكلمة القصيرة التي وجهها محمد دحلان والتي أنهاها بكلمة "آسف على الإزعاج" هو هذا الشعور الراقي بالرغم من كل ما يقدمه لأهل غزة وعلى كافة المستويات والطبقات الإجتماعية والمؤسساتية. قد نستطيع أن نوجز عندما قال "أننا لن ننساكم" في ظل تخوف أهالي الخريجين من حالة البطالة التي ذكر أن تعدادها يتجاوز 170000 خريج جمهي وتخوفات أهالي المتفوقين في الثانوية العامة الذين أبهروا الجميع بتفوقهم رغم كل المعاناة في هذا القطاع المحاصر المحبوس، فهي أعلى نسب تتجاوز ال97% فهم كما وصفهم الجيل القادم الذي يجب أن يتسلم المقادير والفعل والعمل، وهي الرسالة التي لا يرسلها إلا القائد الحقيقي الذي لا تهمه المواقع فدحلان يتحدّث من خلال موقع غير رسمي في السلطة ولا منظمة التحرير ولم يفوته تكريم المتفوقين لأنه يؤمن بصناعة الشباب فكريًا علميًا وتكنولوجيًا وهي مواصفات لا تختبئ على أحد فهو يرعى عشرات الطلاب في التعليم العالي والتعليم فوق العالي والمتوسط وغيره من وسائل العلم والتعليم لأبناء الشعب الفلسطيني. لم ينسى محمد دحلان في كلمته أسر الشهداء والجرحى وقال أيضًا أنهم الرفاق والإخوة الذين يعرفهم والذين مضوا من أجل فلسطين. هذه الكلمة الجامعة التي كانت بعدّة جمل وأبجديات في خطاب شعبي خالي من الكذب والدجل الذي يعتمده الآخرين في خطابهم.

نموذج يبشّر بالخير لمستقبل أفضل لشعبنا وبقيادة نأمل لها كل النجاح التوفيق في خدمة أبناء شعبها في بوتقة الإنصهار بين القائد والشعب وهذا ما نفتقده ويفتقده الشعب الفلسطيني من سلطة برئيس تكلّس معزول بعدّة وسائط كاذبة لا يهمها إلا مصالحها فالواقع الآن أن الشعب في واد والسلطة في واد وهنا لا أريد كما قال القائد محمد دحلان أن ننبش في معجمات السياسة والكذب والدجل التي يمارسها الآخرون، ولكن الأرض تعرف أبنائها وتعرف من هم خدمته وتعرف أيضًا شوارع وأزقة المخيمات كيف تصنع قادة يقفزون على الآلام والجراح من أجل تضميد الجراح في بناء لا نقول أنه من السهل ولكن مع التجربة والمضي والسير على طريق الإصلاح والأخذ بيد الضعفاء والمستضعفين في هذا الشعب هو هذا المربع الذي انطلق منه القائد الوطني محمد دحلان ورفاقه نحو البناء من أجل مستقبل أفضل للشعب الفلسطيني ونحو تحرير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس ورجوع الحق إلى أصحابه من لاجئين يلاقون المعاناة في مخيمات الشتات وفي داخل الوطن الفلسطيني المحتل وسلطة في غيبوبتها ومصالحها.