قرارات الرئيس بمنظور الواقع

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

طلال عوكل

بعد أن لاقت قرارات الرئيس محمود عباس، بوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال، ترحيباً جماعياً من قبل كل الفصائل، والشخصيات الاعتبارية باتت اليوم مصيدة للمزايدات. "اللاكن" الملعونة كانت موجودة بعد كل كلمات الترحيب بالقرارات، فما أن دخلت القرارات مرحلة البحث من قبل اللجنة التي شكلها الرئيس لفحص الآليات المناسبة، حتى أصبحت "اللاكن" هي التي تتقدم صفوف كلمات التشكيك والاتهامات.
يتربص الفلسطينيون ببعضهم البعض، ويتمنى كل طرف للطرف الآخر، الزوال أو على الأقل ضربات على الرأس لا يصحو بعدها. 
أزمة الثقة بين الأطراف عميقة، ومع دواعي استمرار الانقسام، وفق الحسابات المختلفة والمتضاربة تتعمق أكثر فأكثر أزمة الثقة.
النقاش العام لمسألة القرارات، وتنفيذها يتميز بالسطحية، وبعدم أخذ الأبعاد السياسية وغير السياسية بعين الاعتبار. 
وثمة من يتمنى أن تتورط السلطة ومنظمة التحرير بالإقدام على تنفيذ هذه القرارات، عبر توظيف المخاطر الاستراتيجية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية. 
هذه المخاطر وهي داهمة، مسألة حقيقية وواقعية، لكن كيفية التصدي لها، تحتاج إلى خبرة سياسية، وحسابات دقيقة، إن من يعتقد أن الاحتلال هو المتضرر الوحيد، جراء اتخاذ وتنفيذ هذه القرارات، يكون مخطئاً، فالتطرف في هذه الحالة، ينطوي على ثمن كبير.
القرارات ليست جديدة، والمؤسسات الفلسطينية، كانت قد اتخذتها مرات عديدة منذ دورة المجلس المركزي في آذار 2015، لكن الزمن مهم جداً في قراءة الوقائع المختلفة بين 2015، حين كان باراك أوباما في الحكم، وبين 2019، حيث ترامب على رأس الإدارة الأميركية.
غير أن اتخاذ القرارات في زمن باراك أوباما، يعني أن ثمة قراءة سياسية صحيحة، للوجهة التي تتخذها الأحداث والتي تؤكد، بداية انهيار رؤية الدولتين، تحت ضربات المخططات الإسرائيلية التي ما اختلفت عن ذلك الزمان، لكنها في هذا الزمان وجدت دعماً كاملا وتشجيعاً من قبل الولايات المتحدة.
برأيي أن أهم ما تؤشر عليه تلك القرارات التي لا أتوقع أن تنفذ دفعة واحدة، ولا حتى أن تنفذ أي اتفاقية منها دفعة واحدة، هو أنها إعلان سياسي غير مباشر، لانهيار الآمال بإمكانية تحقيق السلام، وأن الحلف الأميركي الإسرائيلي يدفع الأمور نحو الصراع المفتوح على كل الأرض وكل الحقوق.
نعم ربما تستخدم هذه القرارات هذه المرة، مع جرعة من المصداقية، كتكتيك، يستهدف التهديد، بما قد يحرك سياسات ومواقف في إسرائيل أو على مستوى المجتمع الدولي، لكن مثل هذا التكتيك قد استنفد أغراضه، ذلك أن إسرائيل لم تتعامل بجدية، أو بالحد الأدنى من الجدية مع إعلان الرئيس لتلك القرارات، وحتى بعد اجتماع اللجنة المكلفة ببحث آليات، وتوقيتات التنفيذ.
ينجح أو لا ينجح هذا التكتيك، هذه مسألة قد تخضع لنقاش ولكن الأهم هو أراد الفلسطينيون أم لم يريدوا، فإن إسرائيل ماضية في مخططاتها وأن الولايات المتحدة الأميركية، ماضية في سياساتها لتصفية الحقوق الفلسطينية الواحد تلو الآخر ما سيضع الفلسطينيين في يوم ما أمام ضرورة التعامل مع الصراع، من مواقع جذرية.
تنفيذ هذه القرارات، ينطوي على ثمن كبير، أما حجم هذا الثمن، فإنه يعتمد على طريقة وآليات التنفيذ من ناحية، وعلى مدى استعداد الفلسطينيين، للتعامل مع ردود الفعل الصهيونية.
من غير الممكن بناء سياسة وطنية مقاومة لسياسات ومخططات الاحتلال، ولـ "صفقة القرن"، فقط بالاعتماد على الطاقات الفلسطينية في الضفة الغربية، بينما تبقى التجمعات الفلسطينية الأخرى تنتظر. في كل الحالات ثمة ثمن سيتم دفعه كاستحقاق لمرحلة طويلة من الفشل والإخفاق، عمره بعمر اتفاقية أوسلو، وازدادت الأوضاع سوءاً أو ظلامية، مع وقوع الانقسام العام 2007، لكن المهم هو كيفية تخفيض التكلفة. واحدة من المعضلات الأساسية التي تقف عائقاً في طريق تنفيذ هذه القرارات، الانقسام الفلسطيني.
الانقسام الفلسطيني، يعني تشتيت قوة الفعل المقاومة ابتداءً ولكنه في ضوء استمراره، وفي ضوء عمق أزمة الثقة، فإن الأمر ينطوي على مخاوف من أن يستغل طرف فلسطيني، عملية التنفيذ المتهورة، لصالح حساباته الفئوية السلطوية.
إن الفصائل تعمل ضد بعضها البعض، وتخشى من بعضها البعض، وهذه حقيقة لا يمكن أن تغيب عند رسم السياسات، والانتقال بها إلى مربع التنفيذ الفعلي.
وإذا كان لهذه القرارات ثمن، مقابل التحصيل الوطني المنتظر من تنفيذها فإن الوطنية الفلسطينية الحقة، تحتاج إلى أن يشترك الجميع في تحمل المسؤولية، وفي دفع الثمن، وإلاّ فإن وجاهة الشعارات والمواقف الصحيحة، لا تبرئ أصحابها.
ثمة فارق كبير بين التمني والدعاء، وبين حسابات ومتطلبات، العمل السياسي المجدي. نتمنى جميعاً أن تنجح المنظمة، أو أي فريق فلسطيني في قطع كل صلة بالاحتلال، وأن يجد الفلسطينيون أنفسهم جميعاً على قلب ويد رجل واحد، لكن هذا مجرد أمنية، تحول دونها وقائع الفعل على الأرض، وفي مقدمتها استمرار الانقسام الذي يكسر ظهر الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني، وحقوقه.