ليس المقصود هنا البحث في إمكانية تحقق انعقاد دورة للمجلس الوطني الفلسطيني، سواء كانت عادية او استثنائية بمن حضر( وهي ستكون كذلك فعلا)، ولا الدخول في نقاش فقهي قانوني حول صحة الدعوة او بطلانها، ولا المقصود استعراض مواقف التنظيمات الفلسطينية المختلفة من الدعوة وتجاوبها معها، او تحفظها عليها، او رفضها لها. المقصود هو تناول عدد من التداعيات والتساؤلات تثيرها الدعوة. وهي تداعيات وتساؤلات لا يتم التوقف طويلا وخلافيا أمامها في الظروف والأحوال العادية، فلجهة المبدأ، فان الدعوة الى اجتماع طارئ للمجلس الوطني او البرلمان ممارسة عادية ومفهومة يلجأ اليها اي طرف من موقع الحكم او المعارضة.
ما يثير هذا الكم من الجدل الخلافي والفقهي والمعارضة للدعوة، هو ان ظروفنا وأحوالنا الذاتية والمحيطة، غير عادية ولا طبيعية، وهذا ما يوجد التداعيات ويثير التساؤلات.
أول التداعيات ان الدعوة تأتي في زمن تكاد تقتصر فيه حركة النظام الفلسطيني، قيادة ومؤسسات وتنظيمات، على المراوحة في المكان والدوران حول الذات. وان الجدل ينحصر مكررا حول قضايا خلافية داخلية أصبحت لكثرة تكرارها ممجوجة ومملة. وان هذه الحركة ومعها الجدل نادرا ما تعالج كيفية التقدم الى الأمام، ونادرا ما تركز على السعي لحل قضايا جوهرية وطنية عامة شديدة الضرورة والإلحاح.
يستثنى من ذلك مظاهرات بلعين وكفر قدوم وأخواتهما، ويستثني إبداعات الـ "بي دي اس" والمبادرات الفردية العملية المفرحة للشباب. وهي كلها وربما غيرها، وليدة نشاط الناس واندفاع الشباب، وجهود بعض منظمات المجتمع المدني، دونما علاقة منتظمة وعضوية مع التنظيمات. كما تستثني تحركات رسمية على المستوى الدولي تحقق نجاحات.
والسؤال هنا، هل يحقق انعقاد دورة المجلس الوطني، وما يفترض ان يخرج عنها من مواقف سياسية ونضالية ولجنة تنفيذية اكثر حضورا وفاعلية، انطلاقة تدفع بالحركة الى الأمام ، أم يعيد إنتاج الواقع الحالي ويحافظ على المراوحة والدوران حول الذات؟
وثاني التداعيات، ان الدعوة تأتي في وقت تضعف فيه كثيرا الشرعية القانونية لجميع المؤسسات الفلسطينية التشريعية والتنفيذية، وقد يقول البعض أنها تفقدها.
والسؤال هنا، لماذا لم تأت الدعوة الى دورة المجلس الوطني كواحدة من عناصر وخطوة من خطوات تصور عام مشترك وتحرك عام يسعى الى اعادة الشرعية لجميع المؤسسات، حتى لو تم التنفيذ بخطوات زمنية متلاحقة بالتوافق مع الظروف ؟
وثالث التداعيات، ان الدعوة تأتي في ظروف إقليمية ودولية شديدة التعقيد وبعيدة عن الالتفات لقضيتنا الوطنية بأكثر من اي وقت، وهذا بقدر ما يفرض أعلى درجات التمسك بقضيتنا وثوابتنا الوطنية وبأعلى درجات وضوح ووحدة مواقفنا الوطنية، فانه يفرض بالضرورة اعلى درجات تماسك وكفاءة وفاعلية ووحدة هيئاتنا القيادية وقدرتها على التعامل مع هذه الظروف.
فهل دعوة المجلس الوطني، وما يفترض ان ينتج عنه ستصب بهذا الاتجاه ام ستكتفي بترميم اللجنة التنفيذية.
ورابع هذه التداعيات، ان الدعوة لانعقاد دورة لمجلس الوطني تأتي في ذروة انقسام وطني فلسطينيي يزداد تعمقا وخطورة في كل يوم ويتخذ ابعادا وتعبيرات وتداخلات تهدد وحدة النضال الوطني والتمثيل السياسي للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية المقدسة.
والسؤال، هل سيساعد انعقاد المجلس الوطني والخروج بلجنة تنفيذية جديدة يفترض فيها التماسك والفاعلية وامتلاك افق وطني واسع وإرادة قوية، هل سيساعد في تضييق شقة الانقسام على طريق إنهائه ؟ ام ان مجرد ترسيم الدعوة لانعقاد المجلس سيشكل للبعض، وقبل تحقق الانعقاد وظهور اي نتائج، مسوغا إضافيا للتوغل في طريق تعميق الانقسام والوصول به الى حدود غير مسبوقة؟
ان الاستقبال الرافض المتسرع، وربما المتشنج، من قبل البعض لمجرد تبني فكرة الدعوة وقبل إعلانها الرسمي وقبول رئاسة المجلس الوطني لها، ودون انتظار تبلور آليات انعقاد دورة المجلس المقترحة وطبيعتها وعضويتها وتوفر شروطها، ان هذا الاستقبال يقدم مؤشرا على موقف مسبق لأي تحرك او محاولة تعيق اندفاعة هذا البعض ومشاريعه الخاصة. خصوصا وان هذا الاستقبال ترافق مع تشكيك إجمالي بالمنظمة كوجود وكدور.
وتبقى بعد ذلك أسئلة مشروعة من نوع :
لماذا كان التسرع والعجلة في الدعوة ؟ لماذا لم تأخذ الدعوة وقتها الكافي في التشاور والتوافق والتحضير مع أوسع قدر من تنظيمات المنظمة، على الأقل، ومن بعض ذوي الخبرة والرأي؟ لماذا لم يتم التشاور مع رئاسة المجلس الوطني قبل الإعلان للتأكد من توفر الشروط القانونية والانسجام معها؟
ويبقى الأهم :
- أن يكون الهدف المحدد من الدعوة تجليس عضوية اللجنة التنفيذية لصالح زيادة كفاءتها وفاعليتها، ولإقرار مواقف ضرورية حيال قضايا تهم الوطن كما تهم المواطن، وتكون للتنفيذ لا للبروزة.
-ان تفرض اللجنة التنفيذية المجددة نفسها وشخصيتها المستقلة والمتميزة، والا تذوب شخصيتها وسط مسميات فضفاضة .
-ان تكون إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية الخطوة الأولى لاستعادة المنظمة دورها كقيادة عليا للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، وان تمارس مسؤوليتها تجاهه.
-ان لا تعتبر الدورة الاستثنائية، بأي حال، منتهى الطريق الديموقراطي بل اللبنة الأولى في بنائه، وبحيث تستعيد المؤسسات التشريعية والتنفيذية شرعيتها عن طريق رأي الناس وإرادتهم واختيارهم الحر.
- ويجب ألا يعني انعقاد الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني التراخي في المساعي الحثيثة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير.
- إن منظمة التحرير هي أُم الولد، ويجب ان تكون فعلا كذلك.