أعلن اسحق هرتسوغ، سراً، عن "جاهزية غابي اشكنازي". رافقت هذه الجاهزية خطة عملياتية للعمل: تمديد فترة هرتسوغ حتى نهاية 2017. أي التمديد له عاما ونصفا. حسب دستور حزب العمل فانه يجب اجراء الانتخابات لوظيفة الرئيس خلال 14 شهرا من موعد الانتخابات للكنيست. هذا يعني حتى أيار 2016، العام ونصف الاضافية تحول هرتسوغ بشكل مؤكد تقريبا الى مرشح الحزب لرئاسة الحكومة في المرة القادمة ايضا. لماذا؟ لأن هناك فرصة كبيرة ليتم تقديم الانتخابات للكنيست خلال فترة هرتسوغ الاضافية، وعندها يمكن القول إنه لا وقت للانتخابات التمهيدية، ويوجد رئيس، تعالوا، اذاً، نذهب معه الى الانتخابات.
وللمصادقة على ذلك فان هرتسوغ يخطط مع شركائه في الحزب لاضافة مئات الاعضاء الذين لم يتم انتخابهم لمؤتمر الحزب. تثير هذه الخطة الغضب داخل الحزب. يعارض البعض ويوافق البعض على أن تكون له حصة من خلال اضافة الاعضاء. يقول هرتسوغ ردا على ذلك: "لست هناك بعد. هناك الكثير من الافكار والسيناريوهات، بما في ذلك انتخابات تمهيدية سريعة، الفكرة التي تسأل عنها هي بالفعل إحدى الافكار التي طرحت". متى ستكون هناك، متى ستعرف؟ سألته. "خلال اسبوعين تقريبا".
حسب المصادر التي تحدثت اليها فان هرتسوغ هناك تماما. بعض الاشخاص يعتقدون أنه يريد الذهاب في خطوة سريعة من اجل المصادقة على هذه المبادرة قبل الاعياد (فرص ذلك ضعيفة)، حيث كثير من الاشخاص في الخارج، الجهاز مُخدر، والارض خصبة للعبة سياسية.
أحد شركاء هرتسوغ في هذه الخطوة هو رئيس الهستدروت آفي نيسان كورن. وحسب الخطة فان البعض من الـ 500 عضو الذين سيضافون للمؤتمر سيكونون من رجال هرتسوغ، والبعض الآخر من رجال نيسان كورن. لماذا هذا جيد لنيسان كورن؟ لأنه ببساطة: يفترض ان ينتخب رئيسا للهستدروت مجددا في منتصف 2017. ومن الافضل له أن تتم الانتخابات في حزب العمل بعد انتخاباته وليس العكس. وكل المرشحين المحتملين سيساعدون نيسان كورن من اجل انتخابه من جديد، كي يساعدهم في الوسائل والقدرات الموجودة لدى الهستدروت. في المقابل، اذا جرت الانتخابات للهستدروت بعد أن يكون لحزب العمل رئيس جديد منتخب، فان نيسان كورن سيبحث عن أصدقائه. عمير بيرتس مثلا يستطيع الترشح ضده والحصول على تأييد الكثيرين في الحزب.
الهدف الاول لهرتسوغ لهذه الضربات الوقائية هو شيلي يحيموفيتش، التي تسعى الى التاج، التهديد الاول. غابي اشكنازي وبني غانتس ايضا كانا تهديدا غامضا. وفي الاشهر الاخيرة تحول تهديد اشكنازي الغامض الى تهديد ملموس. دخل هرتسوغ في حالة فوضى وهو ليس أعمى. إنه يفهم في السياسة، ويرى كيف أن الكثيرين من حوله يهتمون بالاتصالات بين يائير لبيد واشكنازي.
هرتسوغ سياسي ماهر، قرر استباق الامور. وهذه الخطوة التي تحدثنا عنها تمنع اشكنازي وغانتس ويحيموفيتش بضربة واحدة. كذلك رون خولدائي وعمير بيرتس ايضا اذا قرر ترشيح نفسه (الكثيرون يعتقدون أن بيرتس قريب من هذا القرار).
مشكلة هرتسوغ هي أنه لا يفهم أن الاجراءات والدستور واضافة اعضاء للمؤتمر لا تمنح القيادة. وترشحه لرئاسة الحكومة في المرة السابقة حصل عليه بطريقة قيادية: انتصر على يحيموفيتش، ضيق على تسيبي ليفني، وانطلق في استطلاعات الرأي وتحول الى بديل لنتنياهو. ألف عضو مؤتمر جدد و200 دمية سياسية لن تمنحه الشرعية اذا لم يحلق في الاستطلاعات، واذا كان واضحا أن مرشحا آخر أو مرشحة اخرى سيحظيان بمقاعد أكثر.
يجب على هرتسوغ أن يتذكر ايهود باراك الذي قام بتمرير دستور فاشي في حزب العمل في حينه، حوله الى زعيم وحيد مثل كيم جونغ أون في كوريا الشمالية، وهذه الخطوة أشارت الى بداية أفوله ولفظه الى الصحراء السياسية. الآن وبعد قليل، سنتناول هذا، باراك يعود، ويبدو أن هذا ما سيحصل بالفعل.
اليد الـ 61
غابي اشكنازي ليس هناك بعد رغم أنه تقرر إغلاق الملف ضده. لن يتحدث اشكنازي ولن يفعل أي شيء قبل انتهاء الامر. في هذه الحالة هو على حق. وكل ما بقي له هو أن يتمتع بتسجيلات باراك.
من وراء الكواليس تحدث الامور. كل اللاعبين في الساحة السياسية تقريبا يهتمون بشيء واحد: كيف يمكنهم التخلص من نتنياهو في المرة القادمة. وهذا قاسم مشترك للجميع بمن فيهم ليكوديون. التقى يائير لبيد، رئيس "يوجد مستقبل"، مع رئيس "كلنا" وزير المالية، موشيه كحلون، أكثر من مرة. وبشكل أكثر دقة نحو اربع – خمس مرات. كانت اللقاءات مطولة، بعضها جرى في القبو الشهير في منزل لبيد في شمال تل ابيب القديم. كان كحلون يصل الى هناك وحده بشكل سري.
عن ماذا تحدثوا؟ عن توحيد القوى في المستقبل. الصيغة المنتصرة هي: لبيد – كحلون – اشكنازي معا. كحلون وزير للمالية واشكنازي وزير للدفاع ولبيد رئيس للحكومة. وحسب مصادر مطلعة على الساحة السياسية فان تحالف كحلون – لبيد متفق عليه تقريبا، إلا أن الامور غير مغلقة في السياسة، فهذا حدث تقريبا في المرة السابقة. جاء لبيد لكحلون مع الاستطلاعات التي اظهرت اكثر من عشرين مقعدا بشكل مشترك. تردد كحلون، ولم يكن لبيد مستعدا لهذا الزواج. يبدو أنهما مستعدان الآن. واذا اضفنا اليهما اشكنازي فسنحصل على بنغو، على الاقل على الورق.
توجد لهذه الاقوال تأثيرات جانبية مهمة. أحد المتأثرين هو يوآف غالنت. فليس سراً أن العلاقة بين غالنت ورئيسه كحلون ليست جيدة. فهم كحلون بسرعة كبر الخطأ الذي ارتكبه بتجنيده غالنت، والآن هو يدفع الثمن نقدا. احتمال أن يضع كحلون غالنت في قائمته في المرة القادمة هو صفر تقريبا. فهو يفضل أبو بكر البغدادي، أو حتى أورن حزان. ويعرف غالنت هذا جيدا، ويعرف عن الاتصالات مع الاكثر كرها عليه، اشكنازي. في هذه الحالة يتحول غالنت الى عبوة انسانية جانبية. لا، هذا لن يحدث له مرتين متتاليتين. فهو لن يسمح لهذه الثلة أن تحوله الى بساط تسير فوقه نحو السلطة. في الوضع الحالي يمكن أن غالنت سيفاجئ ولا يصوت مع الميزانية.
الطريقة الوحيدة لاسقاط الحكومة من الخارج هي بوساطة الميزانية. اسقاط الحكومة بحجب الثقة يحتاج الى 61 يدا وحكومة بديلة. هذه الامور غير متوفرة. لا الأيدي ولا الحكومة. ومن اجل تمرير الميزانية تحتاج الحكومة 61 يدا لتصوت مع. وغالنت هو اليد الـ 61، وهو قد يستخدمها. هذا الشخص كما شاهدنا يوم الجمعة قبل اسبوعين قادر على كل شيء.
هذا السيناريو المتطرف معروف ايضا في مكتب رئيس الحكومة. يستمر نتنياهو بالاشتباه بالجميع ويشمل ذلك كحلون، وبالتآمر ضده. إنه لا يفهم مبدأ السبب والمسبب. ولا يستوعب أن طريقه الوحيد ليكون مطمئناً من ناحية كحلون هي جعل كحلون مطمئنا من جهة بيبي. كحلون حسب معرفتي يريد بالفعل النجاح في المالية، ويريد مساعدة الشرائح الضعيفة. وقد كان كحلون في هذا الفيلم في موضوع الهواتف المحمولة، وبعد أن نجح قرر بيبي تجفيفه والقضاء عليه. توجد لكحلون القوى النفسية المطلوبة لوضع حد لمعاناته وقلب الطاولة على نتنياهو. وهو لا يسمح لهذه المغامرة أن تتكرر. وعند اقتناعه بأن بيبي لن يسمح له بفعل ذلك فهو لن يكون هناك.
مرشح من الفضاء
جلعاد أردان في خلاط. فهو يعرف أنه سيتم الاعتراض على تعيين غال هيرش لقيادة الشرطة، لكنه لم يقدر قوة هذا الاعتراض. مفارقته الآن هي هل يتمسك بالصيغة السابقة أو يعترف بالخطأ بشكل مبكر نسبيا، ووقف النزيف وقطع الخسارة. أنا اصدق اردان في أن اعتباره الوحيد كان مصلحة الشرطة والدولة.
هذا جيد، واصلاحه في سلطة البث ايضا كان من خلفه الاعتبار ذاته. لقد فصل السلطة عن السياسيين بعد سنوات طويلة، فككها وبناها من جديد، وأجاز القانون في الكنيست. حينها جاء نتنياهو، الذي صوت مع الاصلاح في الحملة الانتخابية السابقة، وقلب كل شيء. وكأنه لم يكن هناك قانون لسلطة البث أبدا. بيبي أحضر دمية من القماش باسم اوفير ايكونيس من اجل هدف واحد هو اخضاع سلطة البث لمكتب رئيس الحكومة بدون خجل وبأي ثمن. ايكونيس التعيس يتلقى النار في الصحافة (وكأنه مسؤول عن شيء)، وبيبي لم يتضرر تقريبا. الكلاب المستنزفة في وسائل الاعلام تنبح لكن القافلة تسير كالعادة.
يبدو أن هذا هو مصير أردان. سيحاول احداث التغيير، ونتنياهو سيقوم بالتخريب. في قصة قائد الشرطة حدث هذا ايضا، واردان لا يصدق أنه في الوضع ذاته من جديد. عملية القتل في مسيرة الفخار في القدس عملت على تغيير قراره تعيين مفتش عام للشرطة من الداخل. وقد دخل في حالة بسيطة من الاكتئاب. وفهم أنه لن يستفيد أي شيء من وزارة الامن الداخلي. رفض نتنياهو المرشح الداخلي له واقترح يفتاح رونطال (التابع للثلة الداخلية حول المستشار القانوني للحكومة).
استمر أردان في البحث، وعندما التقى غال هيرش، أعجبه. يمكن تفهمه. غال هيرش شخص مميز والحديث معه مغامرة ثقافية وفلسفية، ومشكلة اردان هي أنه أحب فكرة هيرش ولم يفحصه من زوايا الفحص الصحيحة. إن تعيين هيرش مفتشا عاما للشرطة يعني اللعب بالنار. اذا كانت الفلسفة والمواقف الغريبة لهيرش لم تُقبل في الجيش الاسرائيلي، فهل ستُقبل في الشرطة؟ قرر أردان اختيار مرشح من الخارج، وهذا جيد. المشكلة هي أن مرشحه جاء من الفضاء.
هيا لنرتب الامور فيما يتعلق بغال هيرش: الهجوم الشخصي عليه يثير الاشمئزاز. له حقوق كثيرة على الدولة. تحدثت مع كثير من الشهود في الايام الاخيرة عن اخفاقات هيرش كضابط في الجيش. وخرج موضوع الآباء الثكلى عن نطاقه. وكانت الذروة في محادثة هاتفية مفبركة وموثقة لأب ثاكل مع القاضي تركل. قولوا لي هل يوجد في تاريخ الجيش الاسرائيلي قائد أو جنرال أو رئيس اركان لم يسقط له جنود نتيجة للاخفاقات، القرارات أو الاخطاء؟ لو كانت هذه الثقافة معتمدة هنا منذ قيام الدولة، لما كان في اسرائيل زعماء، ولما كانت دولة. من المحظور على الضباط الخوف في ميدان المعركة مما سيحدث بعد 15 سنة عند ترشحهم لشيء. الآباء الثكلى هم اشخاص دفعوا الثمن الباهظ من اجل الدولة، لكن هذا لا يمنحهم الحق بهذه المطالب أو تلك. يجب قول هذا. نقطة.
كان الشيء الابرز هو حملة قادة الشرطة والضباط الذين نظموا التمرد ضد هيرش في مساء الاربعاء. اهدؤوا ايها الاصدقاء. جلعاد اردان ليس هو الذي تسبب بالوضع الحالي للشرطة، بل أنتم. التصلب في الشرطة يستمر منذ عقود والامر الوحيد المهم هناك هو الترفع في المناصب، الوظائف والمكانة. ثقافة شاملة من اللامهنية والاستمتاع الشخصي تطورت هناك على مر السنين، وأردان أقسم على تفجير هذا. كان يفترض أن يكون غال هيرش هو الديناميت. لكن المشكلة هي أن القنبلة انفجرت مع مُفجريها، على الاقل في الوقت الحالي.
تعيين هيرش اشكالي فأردان لم يفحص البضاعة كما يجب. هناك اشياء لا يجب فعلها. ليس من الصحيح احضار عميد وترفيعه بدرجتين وتعيينه مفتشا عاما للشرطة. عندما أرادوا احضار طيار لامع من سلاح الجو، العميد يعقوب تيرنر، الى شرطة اسرائيل لم يختصروا الطريق. فقد عينوه أولا رئيسا لقسم المصادر البشرية في الشرطة ليتعرف على الجهاز من الداخل، وبعد ذلك قائدا للواء المركز كي يتعرف على العمل الميداني، وبعد ذلك فقط أصبح مفتشا عاما للشرطة. هيرش لم يقم بأي وظيفة في هيئة الاركان. لم يقم بادارة جهاز كبير، وليس له صلة بالعمل الشرطي. الشرطة هي مهنة وهو لا يملك الخبرة. لديه ماضٍ اشكالي وله الكثير من الاعداء واللغة التي لا يمكن فهمها. اذا أصبح هيرش مفتشا عاما للشرطة فسيكون الاول الذي لن يحتاج الى متحدث فقط بل الى مترجم ايضا.
مفردات هيرش هي نقطة قوته وضعفه ايضا. حينما أعطى الارشادات لمقاتليه "الكسندروني" قبل الدخول الى لبنان في حرب لبنان الثانية، ألقى خطابا مطولا ومزدحما الى أن اضطر أحد القادة الميدانيين في النهاية الى رفع يده والسؤال "أيها القائد، ماذا عن العرب؟". الآن حاولوا ترجمة ذلك للشرطة. إنهم لن يفهموا هناك أبدا ماذا يريد. والمشكلة الاساسية هي أنه لن يفهم ماذا يريد لأنه بحاجة الى سنة على الاقل لكي يتعلم أو لكي يتعرف على الشرطة. تعيينه هو مراهنة مجنونة. عند احضار ضابط هامشي ووضعه في رئاسة جهاز ضخم، يجب أن يكون هذا الضابط فوق كل الخلافات، وعليه اجماع كامل.
خلال السنوات التسع الاخيرة كان هيرش مجندا للمهمة الشخصية البطولية السيزيفية والمصيرية (حسب رأيه)، وهي تطهير اسمه. يبدو هذا مثل حملة محسوبة ومدروسة. موجة من المقالات والاعلانات. وقد حقق هيرش الكثير في هذا المجال: الخطاب المقتضب لآيزنكوت في صالحه قبل بضعة اسابيع، كلام القاضي فينوغراد، والفحص الذي اجراه القاضي حشين. كان يجب أن يكتفي بهذا، لكن هيرش لا يكتفي بالقليل. فهو يريد السير بكل قوته. هذه الحملة كان يجب أن تقوده الى مهمة رئيسة، أن يصبح لواء، لكن اثنين من رؤساء الاركان، غانتس وآيزنكوت لم يوافقا. فليكن مفتشا عاما للشرطة، اذاً.
خطة باراك
سقط باراك، هذا الاسبوع، في البئر التي حفرها هو نفسه. الحقيقة هي أن هذه البئر كانت مُعدة لشخص آخر، لكنه بالتحديد هو الذي تم انقاذه منها، ومن قام باعداد الخطة هو الذي تورط فيها. حسب الخطة الأصلية كان يفترض أن يكون هذا الصيف لباراك، وأن يتلقى غابي اشكنازي لائحة اتهام، وأن يشبع الجمهور من نتنياهو. وكان يفترض أن تكون الارض خصبة لاكتشاف باراك من جديد على أنه الوحيد الذي يشكل البديل لما كان يسمى ذات مرة "معسكر السلام"، والذي تحول في هذه الايام الى "اولئك الذين يعتقدون أن بيبي خطر على الدولة" (وبحق).
هذا هو، فخطة باراك مثل كل خططه منذ أنهى منصبه في فرقة هيئة الاركان، فشلت. وبدل ذلك تحاول الوحدة القطرية للتحقيق متابعة مصادر امواله، ويتشاور المستشار القانوني للحكومة الآن مع النيابة العامة للدولة للبت في موضوع أشرطته. نعم، ماسح الاشرطة القومي، الذي لا يترك أثرا، سقط، هذا الاسبوع، في موضوع الاشرطة. الاستماع للاشرطة يكشف كم كان خطيرا وجوده خمس سنوات ويده على الرافعة الامنية.
الكتاب الذي يتم تأليفه عنه كان يفترض أن يكون الرافعة لخطوته السياسية الكبيرة. وبدل ذلك تحول الكتاب الى بئر سقط فيها. حسب نظرية الكّتاب فقد أعطيت الاشرطة من اجل النشر بخلاف رغبة باراك. وهو من جهته سارع الى ارسال رسالة عن طريق محاميه لمنع نشر هذه الاشرطة التي هي حسب قوله "مادة داخلية ليست للنشر".
أنا غير مقتنع بهذه القصة. أعتقد أنه عندما فهم باراك أن السهم المرتد يتجه نحوه والجمهور غير مقتنع بما يقوله لكُتابه الاثنين، شعر بالخوف. وأن الموضوع هو بيع لأسرار الدولة بثمن بخس من اجل هدف سياسي شخصي. لذلك فان ما يحصل عليه باراك الآن من مساعديه هو حزام واق، "إنكار"، يُمكنه من الادعاء أنه لم يقم هو بنشر الاشرطة، بل هم.
المواد التي سُربت من الاشرطة للقناة الثانية هي بالضبط المواد التي أراد باراك تسريبها. الشريط الاول أظهره كأنه المنقذ لشعب اسرائيل من خلال مهاجمة ايران. لكن الخائفين (اشكنازي وشتاينيتس وبوغي وبيبي ايضا) لم يسمحوا له. تحدث الشريط الثاني عن موقف بيبي (شخص ضعيف لا يقدر على اتخاذ القرارات الصعبة). وشريط آخر يحاول نقل عملية تحرير جلعاد شاليت من نتنياهو اليه. كثير من الرسائل لتحويله الى نقيض بيبي القديم – الجديد. أنا من أطلق سراح شاليت، أنا أحتقر بيبي، أردت مهاجمة ايران ولم يسمحوا لي. الغريب في الامر هو اعتقاده أن أحدا ما سيصدق كل ذلك.
الشخص الذي أفشل الهجوم على ايران في صيف 2012 كان ايهود باراك، ليس شتاينيتس وليس بوغي. هو الذي أيد الهجوم طول الوقت وغير موقفه بانعطافة حادة في لحظة الحقيقة. هو الذي اكتشف أن الموضوع الايراني يشكل كابوسا لنتنياهو، وحوله الى محرك الازدهار الخاص به، وكان هو الوحيد الذي أيد نتنياهو في طريقه الى المنشآت النووية الايرانية بين 2009 – 2012. فقد فهم أنه بهذا العمل يحول نفسه إلى شخص محصن، والى امر حيوي بالنسبة لنتنياهو. فبدون مؤيد سياسي لا يمكنه تنفيذ الهجوم. وقد استمر تعلق بيبي المطلق بباراك حتى ايلول 2012 حيث اختفى، تبخر وكأنه لم يكن.
هذا لا يعني أنه لو لم يتحول باراك لكان نتنياهو قد هاجم. ليس هناك في شخصية نتنياهو وعموده الفقري وقناعته ما يدفعه الى هذا العمل الانتحاري. من بين زعماء الدولة، فان الوحيد الذي كان مستعدا لمهاجمة ايران بشكل جدي، هو افيغدور ليبرمان. فلديه فقط الشجاعة المطلوبة، لكنه في تلك السنوات كان يقول إن الامر ليس جديا وإن بيبي وباراك لن يهاجما.
هكذا هو باراك. إنه يؤيد ما لا يمكن فعله وغير المنطقي. لماذا؟ لأنه عرف أن هذا لن يحدث. الامر الذي يجب فعله هو النقيض. المثال الافضل كان قصف المفاعل السوري في صيف 2007. باراك، كما نشر، منع وحاول افشال الهجوم لأنه اعتقد أنه سيسقط اولمرت وسيرثه بسرعة. وأنه يفضل أن تتم هذه العملية في عهده من اجل الفائدة. اضطر اولمرت الى استخدام الكثير من الألاعيب من اجل ترويض وزير الدفاع ودفعه الى الاستقامة.
سُجل حدث بارز عندما كان يفترض على الجيش تقديم كل المعطيات والتفاصيل والتوصيات فيما يتعلق بالمفاعل السوري للمستوى السياسي. ومن قام بتقديم ذلك في حينه هو اللواء عيدو نحوشتان، ولما وصل الى التوصيات قال له باراك "اجلس واصمت، أمنعك من الاستمرار في الحديث". لم يكن باراك يريد أن يقدم الجيش توصياته (قصف المفاعل بسرعة قبل تحوله الى مفاعل "ساخن"). من كانوا يجلسون في الغرفة فوجئوا. فقد وقف اولمرت وقال: عفوا سيدي وزير الدفاع، أتفق مع رئيس قسم التخطيط، فليستمر في الحديث. "أنا أمنعه"، رد باراك، "أنا المسؤول من قبل الحكومة عن الجيش، وأنا أمنعه من الحديث". "اجلس أنت"، قال لنحوشتان.
قرر اولمرت أن يتنازل، وفهم أنه اذا سمح لنحوشتان بالاستمرار فسيتم التصويت على ذلك، وعندها تختفي فرص نحوشتان ليكون قائدا لسلاح الجو فيما بعد. لم ينس باراك ولم يغفر. وقف اولمرت وقرأ توصيات الجيش بدل نحوشتان، وعندما أنهى وقف رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء عاموس يادلين، ضرب على الطاولة وقال: سيدي رئيس الحكومة، أنا رئيس الاستخبارات العسكرية، أنا الذي يقيم المعلومات ولن يغلق أحد فمي. أنا مصمم على توضيح توصيات جهاز الامن في هذا الامر. صدق يادلين. فلم يوقفه أحد، وكرر التوصية الحاسمة: قصف المفاعل فورا. هذا ما حدث. بخلاف جهود باراك المكيافيلية. أما الباقي فهو تاريخ. وأتمنى أن يكون باراك كذلك.
عن "معاريف"
بالصور: صلاح يقود ليفربول لإسقاط بولونيا
03 أكتوبر 2024