أضحت فضائح منصات التواصل الاجتماعي أمرا معتادا، خلال السنوات الأخيرة، إذ ما إن يوشك الجدل بشأن قضية من القضايا، على الخفوت، حتى تبرز فضيحة أخرى شائكة إلى الواجهة.
وفي أحدث فضيحة، أقرت شركة "فيسبوك" بأنها وظفت مئات المتعاقدين حتى يستمعوا إلى المقاطع الصوتية التي يتبادلها المستخدمون عبر تطبيق "ماسنجر" التابع لـ"فيسبوك".
وتقول فيسبوك إنها قامت بتوظيف هؤلاء المتعاقدين حتى يتأكدوا من نقل الرسائل بشكل سليم، لكن الخبراء يرون أن هذا الأمر لا يعفي الشركة من المسؤولية الأخلاقية، لأن المفترض في هذه المحادثات هو أن تجري، في سرية تامة.
ولطالما ساورت مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي، الأكبر في العالم، الشكوك بأن تطبيق فيسبوك يستمع إلى محادثاتهم أو حتى إلى كلامهم، بعد ظهور إعلانات على صفحاتهم لمنتجات كانوا قد تحدثوا عنها فعلا.
ونقلت شبكة بلومبرغ عن مصدر في فيسبوك، أن الشركة توقفت عن هذه الممارسة قبل أسبوع، لكن الضجة قد لا تهدأ سريعا، لاسيما أن مارد التواصل الاجتماعي "الأزرق" راكم سجلا طويلا في انتهاك خصوصية المستخدمين.
وبدأت هذه الخاصية سنة 2015؛ وهي تستدعي أن يوافق طرف واحد من طرفي المحادثة، حتى يتمكن المتعاقدون من الاستماع إلى الصوت، لكن هذا يعني أن الطرف الآخر الذي يجري معه التواصل، يتعرض لانتهاك الخصوصية، دون موافقة منه.
وفي وقت سابق، خسر موقع فيسبوك مليارات الدولارات من قيمته في السوق، بعدما تبين أن شركة البيانات "كامبردج أناليتيكا" جمعت بيانات من حسابات 87 مليون مليون شخص في فيسبوك، حتى تستغلها في حملة دونالد ترامب خلال انتخابات الرئاسة.
وفي يوليو الماضي، وافقت لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية، على أن تدفع شركة فيسبوك غرامة قدرها 5 مليارات دولار مقابل تسوية الفضيحة المدوية.
وهذه الغرامة هي أغلى غرامة في التاريخ يجري فرضها على شركة تكنولوجية، ففي 2012، لم تتجاوز الغرامة المفروضة على شركة غوغل 25 مليون دولار.
وفي سنة 2018، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن "فيسبوك" منح شركات مثل "مايكروسوفت" و"نتفليكس" و"سبوتيفي" إمكانية قراءة الرسائل الخاصة، كما أتاح لمحرك بحث Microsoft Bing مشاهدة أسماء أصدقاء مستخدمي "فيسبوك" دون إذن، ومنح "أمازون" إمكانية العثور على أسماء المستخدمين ومعلومات الاتصال بهم من خلال أصدقائهم.
وأوردت الصحيفة أن "فيسبوك" منح بذلك حق الوصول إلى بيانات المستخدمين إلى حوالي 150 شركة، بما في ذلك البنوك وشركات التكنولوجيا وتجار التجزئة والمؤسسات الإعلامية.
وأثار تقرير الصحيفة القلق بشأن اتفاقية وقعها "فيسبوك" عام 2011 مع لجنة التجارة الفيدرالية، وتنص على أنه لا يمكن للشركة مشاركة بيانات المستخدم "دون إذن صريح".
جبل الجليد
ولا تشكل هذه الفضائح سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، بحسب الخبراء، لأن هذه الانتهاكات انكشفت في تقارير صحفية، فدخل سياسيون أميركيون على الخط وعاقبوا الموقع، لكن من المحتمل أن تكون ثمة "ثغرات" أخرى أسوأ لكن لم تجد حتى الآن من يكشفها أمام الرأي العام العالمي.
وعقب فضيحة "كامبردج أناليتيكا"، تعرض فيسبوك لحملة مقاطعة وقام ناشطون في عدة دول من العالم بإزالة حساباتهم، لكن القضية سرعان ما طويت، فعاد فيسبوك إلى رواجه المعهود.
ويملك فيسبوك معلومات مفصلة عن كل شخص مع الصور ومواقع الحركة، وسبق لمعلومات ملايين المستخدمين أن سربت، والآن وبعد فضيحة الاستماع إلى رسائل المستخدمين الصوتية على فيسبوك، يرى خبراء أن موقع التواصل دق آخر مسمار في نعش خصوصية المستخدمين.
ويبدو أنه ليست ثمة خيارات كثيرة أمام من يحرصون على خصوصيتهم؛ فإما أن يبتعدو عن المارد الأزرق وهو أمر قد لا يطيقونه، لأن هذه المنصة ما تزال هي الأولى في العالم وفيها الكثير من الفرص والمعلومات، أما الخيار الثاني فهو أن يظلوا في الموقع، ويضعوا الأيادي على قلوبهم، فيما يتابعون الفضيحة تلو الأخرى.