الحرب التي ستكون

thumb (4).jpg
حجم الخط

بقلم د. سفيان ابو زايدة

 

المتابع للتصريحات التي تصدر عن المسؤولين الاسرائيليين خلال الايام الاخيرة يخلص الى استنتاج بأن العدوان الاسرائيلي على غزة اصبح على الابواب سيما بعد تزايد الاحداث و الصدامات و المماحكات و التي وصلت ذروتها يوم امس بعد الغاء حفل كبير في سديروت كان يحضره الالاف بعد ان سمعوا صافرات الانذار تدوي في المنطقة نتيجة اطلاق قذائف او صواريخ من غزة.
يضاف  الى ذلك ما يجري في الضفة الفلسطينية من احداث سواء كانت فردية او منظمة تنعكس بشكل مباشر او غير مباشر على الاوضاع في غزة في ظل اتهام اسرائيلي بأن اصابع من غزة لها علاقة بما يجري في الضفة و التي كان اخرها مقتل اسرائيلية و جرح والدها و اخيها بعد تفجير عبوة ناسفه في احدى قرى غرب رام الله.

واذا اخذنا بعين الاعتبار ما يقوله الاسرائيليون بأن هناك ربط بيم ما يجري في الشمال مع  ايران و حزب الله و بين ما يجري في غزة ، وفي ظل التوتر المتصاعد هناك تصبح الامور اكثر من جاهزه لعدوان وشيك.
  
لكن في اجواء الانتخابات التي ستجرى منتصف الشهر المقبل  لا تأخذ تصريحات السياسيين على محمل الجد حيث كل طرف يحاول توظيف الاحداث لمصلحته الانتخابية، و االمنطق يقول ان من غير المعقول ان تدخل اسرائيل في حرب تبادر هي لها عشية انتخابات عامه، وانها ستحاول تأجيل ساعة الصفر ليس فقط الى ما بعد الانتخابات بل ايضا حتى الى ما بعد تشكيل حكومة جديدة و التي لن تكون بشكل سريع نظرا لتعقيدات الخارطة الحزبية في اسرائيل.
  
مع ذلك، الموسيقى التي تعزف هذه الايام هي نفس الموسيقي التي سبقت عدوان ٢٠٠٨-٢٠٠٩ و ٢٠١٢ و العدوان الاخير  عام ٢٠١٤.
منذ ذلك الحين لم يتغير الكثير . في الوقت الذي  تبحث فيه غزة عن الحياة بكرامة و  عن وسيلة لفك الحبل الملتف على عنقها  لكي تستطيع ان تحصل على كمية اكبر من الاكسجين لكي تتنفس، تبحث اسرائيل عن هدوء بلا ثمن او بثمن بخس في احسن الاحوال، و تبحث عن تعزيز قوة الردع التي تتآكل مع الوقت و التي تحرص على تجديدها و تعزيزها بين فترة واخرى.
في السنوات الخمس الاخيرة  عمل كل طرف ( مع الفارق الكبير في الظروف و الامكانيات)  ليل نهار من اجل استخلاص العبر و اعداد الخطط و معالجة الاخطاء و الحرص على تجاوزها في المعارك المقبلة. وعليه فأن معالم العدوان القادم على غزة اذا ما حدث قد يأخذ بعين الاعتبار العناصر التالية:

اولا: ستحرص اسرائيل على ان تختار هي الوقت الذي تبدء فيه العدوان ، و في الوقت الذي يناسبها و عدم الانجرار الى حدث هنا او هناك الا اذا حصل شيء ما من غير الممكن المرور عنه . على سبيل المثال لنفترض ان احد صواريخ او قذائف امس سقط في وسط الحفل الغنائي في سديروت او حتى عمليه كبيره في الضفه. حينها قد تختلف الامور.

ثانيا: العدوان سيبدء بالانقضاض على هدف او اهداف استرتيجية  تربك المقاومه في غزة  و تكسر معنوياتها. على الاقل هكذا يطمح من يضعون الخطط في مقر و زارة الجيش في تل ابيب.

ثالثا: بعكس ماجرى في السابق، العدوان سيبدء منذ البداية بعنفوان شديد و ليس بتصعيد تدريجي، سيما بعد ان اصبح الجيش الاسرائيلي يمتلك كميات كبيرة من بطاريات القبة الحديدية و ذخيرتها ، حيث لم يكن هذا الامر متوفرا في الحروب السابقة و كان احد الاسباب الرئيسية التي بحثت فيه اسرائيل عن التوصل الى تهدئة.

رابعا: سيحرصون على ان لا يستمر العدوان اشهر او اسابيع ،سيما ان استمرار عدوان ٢٠١٤  لمايقارب الشهرين يعتبر خلل يجب ان لا يتكرر. مع ذلك هناك خطط بديله في حال حدوث تطورات تجبرهم على اطالة أمد الحرب.

خامسا: في عدوان ٢٠١٤ استشهد ما يقارب ثلاثة الاف و جرح ما يزيد عن عشرة الالف غالبيتهم من المدنيين و حوالي ثلثهم من الاطفال. هذا الامر يحرج الاسرائيليين امام الرأي العام الدولي الذي سيمارس عليهم الضغوط لوقف العدوان. لذلك سيكون الاستهداف باالدرجة الاساسية للقدرات العسكرية من صواريخ و انفاق و ذخيرة و للكوادر و القيادات العسكرية. هل هذا الامر ممكن في ظل كثافة سكانية من الاعلى في العالم؟ 

سادسا: الكابوس الذي يطارد من يضعون الخطط لاي عدوان على غزة هو العمل على تجنب وقوع جنود في الاسر. حاولوا في عدوان ٢٠١٤ لكنهم لم ينجحوا. سيبذلون جهدا لتجنب ذلك مع ادراكهم ان اسر الجنود هو هدف استراتيجي للفصائل الفلسطينية.
سابعا: حتى الان لا توجد اهداف سياسية استراتيجية للحكومة الاسرائيلية في غزة، و و بالتالي العدوان طال ام قصر لن يهدف الى تغيير الوضع السياسي القائم في غزة ، بل يهدف الى تدمير قدرات  عسكرية مادية و بشرية و تعزيز قوة الردع التي تآكلت.

ثامنا: اسرائيل تدرك ان لا معارك يمكن ان تحسم من الجو فقط، دون ان يكون هناك دخول قوات برية. مع ذلك ليس هناك من يدعو الى اعادة احتلال كل قطاع غزة ، لكن خلال العدوان و لفتره محدده قد يكون هناك دخول و تموضع في بعض المناطق.
      
   تاسعا واخيرا: القيادات العسكرية الاسرائيلية و على الرغم كل ما ذكر اعلاه تدرك ان لا حلول عسكرية في غزة و ان الحل هو حل سياسي و ليس عسكري ، وان كل العمل العسكري مهما كان عنفوانه لن يعالج مشكلة غزة طالما لم يحدث تغيير جذري 
في الاوضاع هناك.