حرب من طرف واحد

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

طلال عوكل

لن يتدخل العرب، ولن يصدروا بيانات إدانة، للانتهاكات المستمرة من قبل إسرائيل لسيادة عدد من الدول العربية، طالما أن الأمور تتعلق بإيران وامتداداتها، أو توابعها، كما يدعي الكثير من العرب. حتى أن بيانات الإدانة للسلوك الإسرائيلي العدواني، باتت عزيزة إلاّ ما ندر، وفارغة من مضامينها حين يتعلق الأمر بالقدس والأراضي المحتلة، فالبيانات التي تصدر ذرائعية، وفقط من أجل التمييز بين ما تمارسه إسرائيل ضد فلسطين التي يدعي العرب التزامهم بقضيتها، وبين ما تمارسه ضد دول عربية أخرى، تندرج في سياق الصراع العربي الإيراني.
العدوان الإسرائيلي، على لبنان، لا يتوقف على سقوط طائرتي الاستطلاع، ومنها واحدة تحمل كمية من المتفجرات، على الضاحية، الجنوبية في بيروت، معقل قيادة "حزب الله".
معظم الوقت الذي كانت تقوم فيه الطائرات الإسرائيلية بقصف أهداف في سورية، بذريعة أنها تطارد وجود، ومخازن أسلحة إيرانية، أو لـ "حزب الله"، كانت تقع عبر الأجواء اللبنانية. لكن الصمت كان دائماً سيد الموقف. والحقيقة هي أن إسرائيل لم تتوقف عن انتهاك سيادة لبنان، منذ أن توقفت الحرب العام 2006. 
خلال ايام قليلة، تعلن إسرائيل بكل عنجهية عن قيام طائراتها بقصف مواقع في سورية ولبنان والعراق ويكتفي العرب بالصمت أو إطلاق تصريحات ممجوجة ومكرورة، عن أن الرد سيتم في الزمان والمكان المناسبين.
تصريح قديم، اعتاد الناس عليه، كلما قامت إسرائيل بشن عدوان على سورية، في سورية أو في لبنان، وعلى لبنان.
في العراق ثمة من يحاول أن يجهل المعلوم، حين يضع سيناريوهات لفحص الجهة المسؤولة عن قصف وتدمير، معسكرات للحشد الشعبي وبعضهم يعترف بأن إسرائيل هي من قام بالعمل، لكنه لا يحرك ساكناً. الادعاء العراقي يقوم على فرضية أن الوسائل التي يمتلكها الجيش العراقي، لا تمكنه من كشف هوية الطائرات المعادية، والسبب المكشوف، والمخجل هو أن ثمة سيطرة جوية أميركية، لا تسمح للوسائل الجوية العراقية بالتعرف الى هوية الجهة التي تمارس العدوان.
هذا هو حال إيران، وحال العرب، الذين يتحدثون عن محور المقاومة وعن الاستعدادات الحثيثة، للقضاء على إسرائيل، وهذا هو حال العرب، الذين ينتظرون من إسرائيل والولايات المتحدة أن تقضي على إيران، وجوداً، ودوراً وسياسات ومصالح وامتدادات.
من يقول إن الحرب في المنطقة غير قائمة يجافي الحقيقة، فالحرب لا تكون بالضرورة إعلاناً عن استنفار الجيوش، والدخول في حروب شاملة ومدمرة، بالضربة القاضية.
الولايات المتحدة تتكفل بمواصلة الضغط بكل أشكاله وأنواعه على إيران لإخضاعها لمتطلبات المصالح والسياسات الأميركية الإسرائيلية ولمنعها من اللعب المؤثر على العلاقات الدولية. إيران صامدة حتى الآن، ولا تزال تجد السبل لتخفيف وطأة الضغوط الاقتصادية عليها وهي تبدو متماسكة، ولكن إلى متى يمكن أن يستمر صمود إيران في ضوء الأزمات العميقة، ذات الأبعاد الاجتماعية، التي يمكن أن تولد حالة من الغضب الشعبي؟
إذا كانت إيران، المقر الرئيس، لمحور المقاومة، تتعرض لمثل هذه الضغوط من قبل الولايات المتحدة، وفي ظل عجز المجتمع الدولي، عن تقديم يد العون أو حتى عن حماية مصالحهم مع إيران وفي المنطقة، فإن إسرائيل تتكفل بالامتدادات التي تشكل قواعد أمامية للوجود والفعل الإيراني. 
هذه معركة طويلة الأمد، ويتم كسبها بالنقاط، ودون تقديم ذرائع، أو حوافز كافية لتغيير مواقف وسلوكيات الأطراف التي تتعرض للعدوان الإسرائيلي المستمر.
المسرح، ونقصد ميدان المعركة واسع جداً، وربما تكشف إسرائيل لاحقاً أن طائراتها، أو بوارجها الحربية، تقوم بأدوار حربية في اليمن الذي تربط فيه السيطرة الحوثية بإيران.
في هذه الفترة بالذات ثمة أهداف للإعلانات الإسرائيلية، عن قيام طائراتها، بالقصف المتتابع والمتزامن في كل من سورية، والعراق ولبنان، بينما يمتنع نتنياهو عن التصعيد مع قطاع غزة، واضح أن الدوافع انتخابية، إذ يسعى نتنياهو لتقديم نفسه على أنه الأشد حرصاً على أمن إسرائيل والإسرائيليين، وأنه ليس كما تصوره المعارضة حين تنتقد تراخيه في التعامل مع "حماس" وقطاع غزة.
يقوم نتنياهو بذلك وهو يعرف أن إسرائيل لن تتلقى رداً من الأطراف التي تتعرض لعدوانه، ويعرف أن الهدف واضح ومحدد، وهو ملاحقة الوجود الإيراني وامتداداته، بما يعني أنه الكاسب دائماً، في غياب معادلة، الهزيمة والانتصار. مع غزة الأمر مختلف، إذ يدرك نتنياهو أن التصعيد سيجرّ عليه، سقوط عشرات إن لم يكن مئات وآلاف الصواريخ على مدن إسرائيلية، ستكون نهاية أحلامه السياسية. وعلى هذه الجبهة، لا يملك نتنياهو أهدافاً سياسية جذرية واضحة، تضمن له تحقيق الانتصار، ولذلك فإنه يفضل الانحناء، والسماح للأموال القطرية بأن تمر إلى غزة، حتى لو جرّ ذلك عليه انتقادات يمكن أن يغطي عليها، بالعدوان على لبنان. حرب من طرف واحد، أما الطرف الآخر فلا أحد، يعرف بالضبط حساباته، ولماذا أو إلى متى يراكم وسائل القوة.