بيت «حماس» من الطين

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

لأن تركيبة "حماس" التنظيمية والفكرية تفتقر إلى التعقل، فإن أحداً من قادتها، فضلاً عن مستواها القيادي لن يتوقف بعمق أمام واقعة التفجير الانتحاري التي حدثت قبل ثلاثة أيام واستهدفت مواقعها الشرطية، هذا في ظاهر الأمر، لكن في حقيقته استهدفت هيبتها ومكانتها، كذلك دللت الواقعة  دون أن يدرك منفذوها أو معدوها أو القائمون بها، على أن "سيل" حماس قد بلغ الزبى، وأن زرعها المتشدد قد بدأ في إنجاب الإرهاب.
لابد أولاً وقبل كل شيء من قراءة الحدث في سياق متصل أو متواصل ضمن مسيرة مر عليها ثلاثة عشر عاما من الويل والرعب وسوء الإدارة السياسية، الذي قادته وتابعته حركة حماس في غزة، منذ انقلابها على النظام السياسي الفلسطيني، حيث خدعت الجميع حين أوحت بأنها قد دخلته عبر مشاركتها بانتخابات العام 2006، وما أن دخلته حتى جعلت من ذلك الدخول مفتتحاً للانقلاب، وكان هذا طبعا، بإدارة عن بعد من قبل إسرائيل وأميركا، اللتين فرضتا إجراء تلك الانتخابات رغم معرفتهما بفوز "حماس" بها، وما زالتا ترعيان نظام "حماس" وتمنعان سقوطه، بل وترفضان إجراء انتخابات جديدة تلقي بـ "حماس" خارج موقع السلطة.
لن نعود كثيرا في تتبع الخيط، فالحدث ليس أمنياً فقط، بل هو سياسي ومجتمعي، ولم يسقط من السماء، بل خرج من الأرض، ومن عباءة "حماس" بالذات، بل نذكر بما حدث قبل أيام قليلة، حين تسلل مقاوم حمساوي شمال قطاع غزة، وقتلته إسرائيل، ثم حين تسللت إلى داخل الخط الأخضر، أي ما وراء السلك الحدودي، خلية حمساوية، قالت "حماس" وصدقتها إسرائيل، بأن تلك الأحداث ما هي إلا أحداث فردية، بل إن "حماس" نفسها تقول وتعلن ليل نهار بأن صبر الغزيين ينفد جراء مماطلات إسرائيل بتنفيذ التفاهمات والتخفيف من شدة الحصار المؤبد، وأن أوساط "حماس" نفسها تشير إلى "تسرب" عناصرها الذين باتوا لا يطيقون سياستها في "ضبط النفس" تجاه إسرائيل واستمرار سياسة التلاعب التي تمارسها، حيث لم تعد لا حركة مقاومة ولا حركة سياسية عقلانية، بل هي نظام حكم عرفي/عسكري، يتخلله بون واسع بين حياة النخبة الحاكمة وقاعدة الحكم، فضلا عن عامة الناس .
ومن تابع مسيرة الثلاثة عشر عاما التي مضت، يلاحظ بأن كل من تسرب من عناصر "حماس" كان يذهب إلى مجموعات أكثر تطرفا، فمن عباءة "حماس" خرج أفراد باتجاه "القاعدة" و"داعش" في سيناء وغيرها، ومع انسداد الأفق فإن بين عناصر "حماس" العشرات أو حتى المئات ممن يبدون الاستعداد للذهاب كانتحاريين في أكثر من اتجاه.
إن التطرف والإرهاب عادة ما يخرج من بيئة الفقر والجهل والتطرف، وهو دون شك أو ريب، يخرج من تلك البيئة التي باتت "مثالية" في غزة، وخطأ "حماس" الطبيعي هو أن تظل تفكر بأن المعالجة الأمنية هي التي تكفل لها الإبقاء على قبضة الحكم محكمة، أو حتى أنه يمكن السيطرة عليها طوال الوقت وتوجيهها إلى الخارج، ولعل "حماس" نفسها قد جربت هذا أكثر من مرة، حين كانت تشجع تسيير الغضب الداخلي إلى خارج صفوفها، مرة باتجاه رفح قبل سنوات، ومرة باتجاه السلطة الفلسطينية، بإطلاق التظاهرات في غزة وفي الضفة على حد سواء، ثم أخيرا ومنذ عام ونصف باتجاه السلك الحدودي مع إسرائيل، لكن وبعد مرور عام ونصف من فشل سياسة "حماس" فيما سمي بمسيرات العودة، التي لم تحدث الفارق، بل لم تحقق شيئاً يذكر من النجاح لا في كسر الحصار ولا في فكفكته أو التخفيف منه، من الطبيعي أن يفقد الناس الأمل، ومن الطبيعي أن تجد أية قوة معادية ليس لـ "حماس" وحسب، بل وللكل الفلسطيني، عناصر من "حماس" أو حتى من أفراد خرجوا من عباءتها أو من الظروف التي أنشأتها في غزة، ليكونوا أداة لتنفيذ مخطط أو حتى عملية إرهابية.
بدلاً من توزيع الاتهامات جزافاً، وبدلاً من النواح والعويل، على "حماس" وكل من يقدم نفسه كقيادة للعمل العام في غزة، أن يقف عند ظروف الحياة التي لا تطاق ولا تليق بحياة البشر في غزة، وكل أنظمة الحكم المستبدة، قادت مجتمعاتها ودولها إلى الهلاك، لأنها لم تقف عند حدود الأسباب الحقيقية، ولم تع بشكل عاقل ومتعقل الأسباب والبيئة التي تنتج الإرهاب، وتعاملت مع ظواهره، إما عبر المعالجة الأمنية أو من خلال الادعاء بأنه تصدير خارجي.
وحتى لو كان هذا الادعاء صحيحاً فيما يخص الواقعة المحددة، فإن البيئة إن كانت مهيأة، سيجد المخطط الخارجي الثقوب الداخلية لينفذ منها، فيما المعالجة الأمنية لن تحل المشكلة. والمزيد من القمع وإحكام السيطرة، لن يكفي لوقف تدهور الأمور لما هو أسوأ.
لا نظن هنا بأن الحديث يمكن أن يجري عن أحد السيناريوهات المحتملة بوجود شقاقات أو خلافات داخل "حماس" نفسها، فالعملية الإرهابية تم توجيهها إلى نظام حكم "حماس" ولم يستهدف مثلا أحد قادتها، لكن مع ذلك نقول، بأن العملية تعني محاولة لزعزعة نظام حكم مستبد أو ربما أنها مجرد علمية احتجاج، ولسنا هنا بمحضر مناقشة طبيعة العملية من حيث هي انتحارية أي من حيث الشكل الذي لا تقوم به عادة إلا المجموعات الإرهابية المتطرفة التي تقف على يمين "حماس" ومثيلاتها من الحركات السياسية.
ولو كان الأمر يستهدف "هز" أركان نظام حكم "حماس" لكان الشكل مختلفاً أو ما إلى ذلك، لكن السؤال المهم هنا، هو كيف سيتم الإعلان عن تفاصيل الواقعة، وهل ستكتفي "حماس" كما فعلت من قبل إزاء عمليات إرهاب استهدفت غيرها، أي بهز الأكتاف، أم لأن الأمر قد استهدفها هذه المرة، فإنها ستتابع الحدث، من خلال التحقيق الأمني ومن ثم إعدام المتورطين .
كثيرة هي التفاصيل، لكن محاولة "تلميع" "حماس" مؤقتاً، أو توجيه التهمة باتجاه وضع عراقيل إضافية على طريق المصالحة، إنما هو استمرار بالعبث السياسي، فيما هناك حل فوري يكمن في أن تقوم "حماس" بتسليم الحكم في غزة للكل الوطني، لمجموع فصائل العمل الوطني الموجودة في غزة، وهذا أمر ممكن وفي اليد، اختصاراً لوقت ما زال طويلاً، على طريق التوافق الداخلي بتوحيد شطري الوطن الفلسطيني المحتل.