جهود إسرائيلية لاحتلال غزة من الداخل

التقاط.PNG
حجم الخط

بقلم:عوني صادق

 

ثلاث حروب شنها الجيش الإسرائيلي على غزة في العقد الأخير، وفي كل مرة كان يرتد عنها مدحوراً مذموماً، بالرغم مما ينزله عليها من مئات أطنان القنابل، وما يوقعه بين المدنيين من شهداء وجرحى ومصابين، وما يلحقه من دمار بالوضع الاقتصادي والبنى التحتية والأحياء السكنية. وقد لجأ الاحتلال، تسانده الولايات المتحدة الأمريكية، إلى كل السبل والوسائل لكسر غزة. وعندما فشلت القوة في تحقيق الهدف، لجأ إلى وسائل الخداع، وهي كثيرة، محاولاً احتلال القلعة من الداخل، ما دام قد وجد احتلالها من الخارج شبه مستحيل، أو باهظ الثمن. ومن البحث عن «تسوية سياسية» مزعومة، إلى البحث عن «هدنة طويلة»، إلى البحث عن «الهدوء مقابل الهدوء» لم تتوقف المحاولات! ولأنها كلها تعرض بشروط إسرائيلية، فشلت بدورها، حتى الآن! ودائماً، وفي كل الأوقات، كانت سياسة «فرق تسد» البريطانية معتمدة لدى المخططين الإسرائيليين، للإيقاع بين فصائل المقاومة الفلسطينية، وهذه السياسة تظل السبيل الأقل كلفة والأضمن من حيث نتائجها، إلا أن هذه المحاولات لم تؤت أكلها حتى الآن في غزة. وفي آخر هذه المحاولات جاء التفجيران الانتحاريان اللذان تعرض لهما مركزان للشرطة مؤخراً، وذلك بهدف الإيقاع بين الفصائل.

منذ فترة ليست قصيرة، بدأت محاولات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في التركيز على حركة الجهاد الإسلامي، وتصويرها ك«فصيل شاذ»، وكخصم لحركة حماس. وازداد هذا التركيز وضوحاً بعد اختيار زياد نخالة أميناً عاماً للحركة خلفاً للأمين العام الدكتور رمضان عبدالله شلح، الذي أدخله المرض في غيبوبة لم يفق منها حتى اليوم. وفي الأسابيع الأخيرة، جهدت الصحافة الإسرائيلية على إظهار حركة الجهاد وكأنها تحاول التمرد على القواعد المتبعة في القطاع، وفي مواجهة حركة حماس، من خلال عمليات اجتياز السياج الفاصل، ومن خلال بعض «العمليات الفردية» التي نفذها مقاتلون من القطاع ولم يتبنَّها أحد، ومن خلال إشارات كثيرة تفيد بعدم موافقة «الجهاد» على السياسة التي تتبعها «حماس»، وخصوصاً المفاوضات الرامية للوصول إلى «هدنة» عبر المخابرات المصرية.

بالطبع اختارت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حركتي حماس والجهاد للإيقاع بينهما، لأسباب معروفة. فإذا ما وقع الخلاف بينهما، ووصل إلى الشكل العلني، فإن الفوضى والفلتان الأمني سيعمان القطاع، وهو ما تسعى إليه تلك الأجهزة، حيث سيوفران لها وعليها الوضع المثالي لتمرير كل ما تخطط له للقطاع.

الاختلافات بين الحركتين لا تخفى على أحد، واستغلالها لو نجح سيمثل كارثة حقيقية على فصائل المقاومة جميعاً وكذلك على المدنيين والوضع في القطاع بصورة عامة. لكل ذلك كان مصيرياً مواجهة المحاولة التآمرية الأخيرة التي تمثلت في التفجيرين الانتحاريين.

لقد حاولت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، من خلال وسائل إعلامها أن تجعل الانتحاريين اللذين نفذا التفجيرين ينتميان إلى خلية، كل عناصرها من «الجهاد»، بل وبينهم مسؤولان في «سرايا القدس»، الذراع العسكرية للحركة. وفي التصريح الذي أدلى به الناطق باسم وزارة الداخلية في القطاع، إياد البزم، ما يثير الشك، حيث قال: إن وزارة الداخلية «أحبطت مخططاً وصفته ب«الإجرامي الخطير»، وقالت إنه «يرتكز على استهداف النسيج المجتمعي، وضرب العلاقة بين الفصائل الفلسطينية» ويهدف إلى «إدخال قطاع غزة في الفوضى والفلتان». وفي رده على المزاعم الإسرائيلية، بشأن مسؤولية جناحها العسكري عن عمليتي التفجير، قال عضو المكتب السياسي لحركة «الجهاد»، نافذ عزام: «إن إسرائيل لا تريد الخير لأحد في الساحة الفلسطينية»، وأضاف: «هناك لجان بيننا وبين الإخوة في أجهزة الشرطة للوصول إلى النتائج».

وفي انتظار الإعلان عن نتائج التحقيق، لا بد من القول إن الخلافات بين فصائل المقاومة، وعدم الاتفاق على استراتيجية واحدة، يفسح في المجال لمثل هذه الاختراقات الخطيرة. ومن نافل القول أن يقال لا يكفي الاتفاق على «استراتيجية ميدانية» في حالات الحرب، أو وقوع عدوان إسرائيلي على القطاع. إن سياسة «حماس» في القطاع لا تجد القبول من الجميع، لا من جميع فصائل المقاومة، ولا من جميع قطاعات الشعب في غزة، سواء في ما يتعلق بالوضع الداخلي، أو ما يتعلق بالسياسة المتبعة من السياسات الإسرائيلية الخاصة بالقطاع. وفي كثير من الأحيان تبدو «حماس» كمن يفرض سياساته بالقوة، وهو ما يفتح الباب أمام الاختراقات الأمنية الإسرائيلية، وغير الأمنية.

بالاتفاق مع "الخليج"