عن التعديلات المقترحة على النظام الانتخابي في الهيئات المحلية

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

ريما كتانة نزال

منذ أول انتخابات محلية جرت في العام 2004، تغيّر النظام الانتخابي مرتين: من نظام القوائم الفردية القائم على الأغلبية والأقلية، إلى تبني نظام التمثيل النسبي الكامل والقائمة المغلقة. وحالياً، تدفع وزارة الحكم المحلي بتوجّه جديد نحو تبني نظام التمثيل النسبي والقائمة المفتوحة، وهو توجُّه كانت قد دعت إليه وزارة الحكم المحلي خلال تَوَلّي مسؤوليتها د. حسين الأعرج، حيث عُرِض المشروع على ممثلي الكتل النيابية، وفي حينه أبدت الكتل النيابية اعتراضها على نظام الصوت الواحد وحذرت من سلبياته، ودعت إلى تأجيل الحوار حوله باعتبار أن الأولوية آنذاك لتذليل العقبات التي أدت إلى تأجيل الانتخابات في ذلك الحين، وضرورة إجرائها في أسرع وقت.
الأصل، وحدة وانسجام القوانين الانتخابية مع بعضها البعض التزاماً بالنظام الانتخابي المُقر من قبل النظام السياسي، والأصل أيضاً أن يتناسب النظام الانتخابي مع قدرته على تحقيق العدالة والمشاركة وحماية التعددية السياسية والاجتماعية بشكل عام. من هذه الحقائق ننطلق إلى تقييم المذكرة التوضيحية لتبني النظام الجديد ونزيد عليه قياس مدى قدرته ومراعاته معالجة الثغرات والإشكالات التي كشفت عنها التجربة البالغ عمرها أربعة عشر عاماً، التي تقف خلف تقديم الوزارة اقتراحاتها للتعديل وهي محقة في ذلك؛ كونها الجهة التي تنوء تحت ثقل الإشكالات التي تبرز، لكن السؤال المطروح إنْ كان النظام الجديد يقدم المقاربة الصحيحة لتحقيق الأهداف.. على ذلك نبني الموقف منه..
القائمة المفتوحة المقدمة تقوم على التصويت لأحد مرشحي القائمة، «one man one vote»، وهو نظام عُمل به في الأردن، ومن ثم تم تركه لرفضه من قبل الأحزاب؛ كونه لم يضع معياراً يوحّد قيمة ووزن الصوت في مختلف المناطق. وبموجب النظام التعديلي المقترح، يتم حسم الفائزين بعضوية المجلس داخل القائمة على أساس الأغلبية والأقلية، لكنه لم يوضِّح نسبة الحسم التي يتطلبها الحصول على المقعد الأول وانطباقها على جميع القوائم. وكأن جوهر اهتمامه ينحصر في حسم رئيس القائمة، ما يذكرنا باعتبارات ذات صلة بظاهرة تقديم حركة «فتح» أكثر من قائمة، خاصة في المجالس الكبيرة، ما يجعل توحيد المتنافسين على رئاسة المجلس في قائمة واحدة هدفاً مقصوداً بذاته، وحسم النتيجة بينهم على قاعدة الأغلبية والأقلية.. وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى تفكيك القائمة من داخلها كونه نَقَلَ التنافس إلى داخلها، مغيّباً برنامجها الموحد واستبداله عملياً بعدد من البرامج الشخصية، كلٌ يريد إقناع الناخب بأفضلية برنامجه على باقي البرامج..  
الأصل أن يعالج تعديل النظام قضية انتعاش القيم الفردية والعشائرية، بسبب ضعف الأحزاب، وأظهرت التجربة حالة التداخل بين بنيتها وبنية العشيرة لتحقيق المكاسب المشتركة، بديلاً لمشروع التغيير الوطني والاجتماعي المدني المنشود، الذي يجعل العمل المحلي بؤرة لتعزيز المشاركة المجتمعية وجذبها نحو الهدف التطويري والبنائي للدولة، وتقوية مجتمع مدني ينهض بالمجتمع نحو التقدم الاجتماعي، عوضاً عن تعزيز المصالح الشخصية والمحسوبية والكسب الذاتي والتعصب الفئوي. والعشائرية أيضاً لا تعي أهمية تحويل القيادات المحلية إلى قيادات وطنية، ولا تربط الهدف المحلي بالهدف الوطني العام، بل تهتم بربط مصالح الفرد بالزعيم وبرنامجه الخاص على حساب ربطه بالبرنامج الانتخابي الجماعي ومصالح المجتمع المشتركة، بسبب غياب مشروع التغيير.
التعديل الذي نحن بصدده، يُقصي الأقليات السياسية، وينتقص من مظهر الأقليات الدينية ومَن في حكمها، فتخصيص الناخب بالصوت الواحد يحدد خيارات الناخب ضمن الشرط الثقافي الإقصائي ومظاهر التعصب الديني التي عكستها استطلاعات الرأي العام ومنها مركز «أوراد»، الذي أظهر أن التديُّن في مقدمة المواصفات التي ينبغي توفرها في القائد. وعليه، سيمنح التعديل للرئيس المسيحي نجاحاً باهتاً، والأمر سينطبق على النساء المرشحات كونهن لسن خياراً مُفضلاً للناخب، على الرغم من تحصين الفئتين «بالكوتا».
نقيم إيجاباً التزام التعديل بقرار المجلسين الوطني والمركزي الخاص برفع كوتا المرأة إلى 30% من حجم الهيئة المحلية، لكن الغريب أن يقتصر التطبيق على المناطق المصنفة «أ» و»ب» واستثناء مجالس المنطقة «ج» من تطبيقاته، والأغرب استخدام تصنيفات «أوسلو» في أدبياتنا، في وقت نفترض التوجه نحو الخروج من مصطلحاته.. والأكثر غرابة تغلغل فكر الاستثناءات إلى القوانين: استثناء في سن الزواج يجيز تزويج الطفلات، واستثناء جديد على أساس جهوي وجغرافي يفرق بين نساء البلد الواحد، وفي المكان الحوج إلى مواجهة الفكر الإقصائي والنمطي الممارس ضد النساء، استثناء يشرع التمييز الجغرافي بالقانون، والخشية هي أن يتحول الاستثناء إلى «موديل» يلقى رواجاً في التهرب من المساواة.. الاستثناء من نسبة 30% فاقد للمنطق؛ حيث إن المجالس التي يبلغ عدد أعضائها «سبعة» تحقق للنساء مشاركة تعادل 28%، وتشركهن في المجالس التي عدد أعضائها «تسعة» بنسبة 22%.
في الختام، حسناً فعلت وزيرة المرأة بفتح النقاش حول التعديلات القانونية المقترحة، والمطلوب توسيع نطاق النقاش المجتمعي حول التعديلات المقترحة وحول المذكرة التوضيحية أيضاً، حتى لا نُفاجأ بصدورها، والذهاب إلى المكان الذي ذهب إليه قانون الضمان الاجتماعي.