صفقة ترامب التركية: سياسة خارجية متخبطة!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

هاني حبيب

في أواخر العام الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن انسحاب القوات الأميركية من سورية، وعندما أجاب عن سؤال حول موعد هذا الانسحاب قال حرفياً: "سيعودون جميعاً.. سيعودون الآن" بعد قرابة عام على هذا الإعلان، لا يبدو أن الرئيس الأميركي بصدد الوفاء بتعهده هذا والذي جاء في سياق سياسته التي اعتمدها أثناء حملته الانتخابية، وفق مبدأ معارضة سياسة خارجية أميركية تقوم كما كانت في عهد أسلافه على "التدخل والفوضى" وفقاً لتعبيراته اللغوية، ورغم إعلان ترامب أكثر من مرة عن أن الحرب على الإرهاب في سورية ضد "داعش"، قد انتهت بهزيمة هذه الأخيرة، الا انه ابقى على قواته، رغم انتصاره على الإرهاب ورغم إعلانه عن الانسحاب من سورية، ما يؤكد التناقض في السياسة الخارجية التي اتبعتها إدارة ترامب حول سورية، وهو الأمر الذي اشارت اليه بالأمس صحيفة "نيويورك تايمز"، حول قرار الرئيس الأميركي الأخير بسحب القوات الأميركية من سورية، باعتبار ذلك تأكيداً على تناقض معلن من ناحية ويعرّض حياة أناس أكثر للخطر، كما انه يزعزع ثقة الحلفاء بالولايات المتحدة.
وفي حين ان هناك شواهد عديدة على تناقض السياسة الخارجية الاميركية بشكل عام، وفي الشرق الاوسط والمنطقة العربية على وجه الخصوص، إلاّ أن الأمر لا يتوقف على هذه المواقف، بل يتعداها الى تناقض في اللحظة والزمان والمكان من قبل الرئيس الأميركي. فقد نشرت مجلة "نيوزويك"، أمس، خلاصة للمحادثة الهاتفية بين اردوغان وترامب، وتبين ان هذا الاخير كان من الضعف بحيث لم يعترض بشدة على الهجمة التركية المحتملة والمعلنة على حلفاء اميركا الاكراد، هؤلاء الذين قد يجدون انفسهم في احضان السلطات السورية، على عكس ما أرادت ادارة ترامب، كما ستمنح القوى الأخرى على الساحة السورية المزيد من القوة، مثل ايران وروسيا، اذا استبعدنا تركيا باعتبارها حليفاً لاميركا في حلف الناتو، واثر نشر "نيوزويك" لملخص هذه المحادثة الهاتفية، غرد ترامب مهدداً تركيا بالدمار الاقتصادي اذا ما تجاوزت الحدود دون التوقف، ليعرّف حدود هذه الحدود(!) ما يشير الى ان سياسة ترامب تفتقد الى التخطيط المدروس، كما تفتقد الى ان القرارات تظل فردية رئاسية وتغييب للمؤسسات الرسمية، خاصة بعد ان تداولت وسائل الإعلام ما مفاده ان البنتاغون فوجئ بقرار الانسحاب من مناطق كانت تسيطر عليها القوات الاميركية شرق الفرات تمهيداً لهجمة تركية معلنة على قوات الاكراد، حلفاء واشنطن.
ترامب، الذي أبدى تشدداً ظاهراً في سياسته عموماً، ومن خلال تغريداته، فإن الأسابيع الأخيرة، دلت على خواء وهشاشة هذا الرئيس، فما يتحدث به مع الرؤساء عبر المكالمات الهاتفية، هو غير ما يعبر عنه من خلال تغريداته على "تويتر"، وعناصر القوة التي تظهر على ملامحه وهو يتحدث للجمهور، تختفي عندما يتخذ القرارات التي من شأنها أن تؤثر سلباً على الأمن القومي الأميركي. ولعلّ في مواقف الحلفاء الغربيين إزاء قراره بالانسحاب، إضافة الى تخوف الحلفاء في المنطقة العربية والخليج خصوصاً، ما يعزز من إمكانية الانقسام المحتمل في صفوف الحزب الجمهوري، أداة ترامب في مواجهة نوايا الحزب الديمقراطي للإطاحة به!