ما أسوأ الناطقين باسم «حماس»!

رجب
حجم الخط
ربما كانت أهم صفة لناطق رسمي باسم أية جهة رسمية، حزبية أو شعبية، هي أن لا يتحدث بمنطق ركيك، بانفعال وبرد فعل، أو أن يبدو " كرداحة " تجيد الشتم والسباب أكثر مما تتحدث بمنطق مقنع ومنطق جدي. ذلك أن من أولويات الناطق باسم أية جهة أن يبدو محايداً أكثر منه " دوغمائيا " أي دعائيا، يقف مع حزبه أيا كان موقفه، بل وكثير من الناطقين والذين هم بمثابة " وزراء إعلام " الأحزاب أو المنظمات أو الجهات المختلفة لا يترددون عن التقدم بالاعتذار عن أي خطأ ترتكبه الجهة التي يمثلونها، ذلك ان هدفهم دائما تعزيز مكانة الجهة التي يمثلون، والإبقاء على احترام الناس لها، في كل الأوقات والمناسبات. 
لا ينطبق هذا على أي من الناطقين باسم حركة حماس، والذين _ بالمناسبة _ لم يتغيروا منذ نحو عقدين من الزمان، باستثناء، أن يظهر هذا بكثرة في هذا الوقت، بعد أن ظهر ذاك كثيرا، في ذلك الوقت، وباستثناء تصفية أيمن طه قبل نحو أكثر من نصف عام، والتحديد في العام الماضي، إبان الحرب على غزة، بعد احتجازه واتهامه _ سرا _ بالتورط مع خصوم للحركة بالتخابر وما إلى ذلك، ما زال نفر من هؤلاء المعروفين بالاسم والصفة والهيئة، يقفزون في كل مناسبة للتصريح والإعلان بمواقف الحركة.
الغريب أن معظم إن لم يكن كل الناطقين باسم "حماس"، هم من الصف الثاني أو الثالث في الحركة، ومعظمهم أيضا ممن يقطنون في قطاع غزة، ولم يسبق وان قامت الحركة عبر مسؤول أرفع شأنا، أو حتى عبر ناطق آخر بان صححت، إن لم نقل كذّبت، ما سبق وان أعلنه ناطق باسمها، وكأن الناطق هذا، لا ينطق عن الهوى، بل يوحى إليه بالموقف من أعلى المستويات، وكأن الاتصالات الداخلية بين قيادات الحركة غير المجتمعة في مكان واحد، ذات طبيعة لإلكترونية أو ضوئية.
المهم أن الناطقين باسم "حماس"، يستخدمون لغة استفزازية دائما، تفتقر لاحترام الخصوم، ويستخفون باستخدام مفردات التكفير والتخوين، كذلك التعميم والادعاء، فما أن تعبر جهة عن موقف لا يروق للحركة حتى تتهم بأنها ضد " الشعب الفلسطيني " حتى لو كانت هذه الجهة فلسطينية، وتمثل أكثر منهم الفلسطينيين رسميا وشعبيا، كذلك يتهمون من يختلف معهم بأنه ضد المقاومة، وكأنهم هم المقاومة المقدسة، وغيرهم ليس كذلك. ويبدو أن الحركة _ عموما _ تتبع سياسة التهويش لتحقيق المكاسب السياسية، وقد فعلت هذا دائما مع السلطة ومع مصر، ويقينا بأن هذه السياسة لو نجحت مرة في فتح معبر أو في فرض موقف، فأنها لا تنجح دائما، فلم تظهر "حماس" يوما إلا كمعارض، ولم تظهر أبدا، ولا مرة، كجهة مسؤولة عن شعب، ولم تظهر الحكمة السياسية ولا الواقعية التي كان يتوقعها منها الكثيرون قبل أن تصل للحكم. 
كما أن هؤلاء، الذين _ برأينا _ أساؤوا كثيرا لحركتهم قبل أن يسيئوا للآخرين، والذين لا يضيفون للحركة بقدر ما يبخسون من مكانتها وهيبتها، يستندون لمنطق ضيق، ويقدمون خطابا داخليا، لا يقنع أحدا غير محازبي "حماس"، مع أن المنطق يقول بان محازبي "حماس" ليسوا بحاجة لمن يقنعهم بمواقف الحركة، بل من هو محايد أو ممن يعتبر جمهورا للآخرين هو الذي يجب أن يكون مستهدفا من خطاب إعلام "حماس".
كذلك يلاحظ أن خطاب الناطقين باسم "حماس"، وربما مجمل خطابها الإعلامي، يتسم بالانفعال ورد الفعل، وهذه سمة من لا يخاطب العقل، بل العاطفة، ولهذا تراهم " يعملون من الحبة قبة " كما يقول المثل، ويخوضون حروبا لا ضرورة لها، أو حتى حروبا خاسرة سلفا، ومن ضمن ما ارتفعت عقيرة "حماس"عاليا كردة فعل عليه، دون مبرر، هو قرار محكمة القاهرة باعتبار "حماس" حركة إرهابية، ومن قبلها قرار قضائي مشابه تجاه "القسام".
أولا، يجب على "حماس" والناطقين الأشاوس باسمها أن يميزوا بين القضاء المصري والسلطة السياسية المصرية، كذلك أن يفرقوا بين قرار صادر عن محكمة عادية، ومحكمة امن الدولة مثلا، وعليهم أن لا يتطيروا، وان يدركوا أن الخصومة السياسية لا تحل إلا بالحوار السياسي، وان " الردح والشتائم " لا تزيد أوضاعهم إلا سوءا وصعوبة.
ربما كانت الضائقة التي تزيد يوما عن يوم والتي يتعرضون لها، بعد أن لاحت لهم بشرى مغايرة قبل نحو عامين، هي ما يجعل خطابهم متوترا إلى هذا الحد، ولكن أيضا لا بد من القول بأن ذلك يعود إلى سذاجة إعلامية / سياسية، والى الافتقار للحكمة والهدوء، خاصة في الأوقات الصعبة. 
ننصح "حماس" بان تحاول  أو أن تفكر في " توظيف " ناطقين باسمها لديهم مواصفات أخرى، تستند إلى القبول الجماهيري، بالشكل والمضمون، باللغة والمنطق، حتى لو كان هؤلاء اقل ولاء حزبيا لها، ذلك أن بقاء ناطقيها الحاليين، سيظل يشكل عبئا عليها، ولن يخفف من ضائقتها شيئا، بل على العكس تماما، سيزيد طينتها ابتلالا، ورونقها ذبولا.
وحيث انه لا يمكن للإعلام أن يدافع عن منطق يفتقر للمنطق، فلا بد من أن تعلن قيادة "حماس" عن أنها في حالة انعقاد دائم، للقيادة المركزية أولاً، ومن ثم للدوائر ذات الصفة الاستشارية أو الدائرة الأوسع، للتفكير في انتهاج سياسة إستراتيجية مختلفة، لا تغير من سياسات الحركة لجهة القبول بالشراكة مع الآخر، والتهدئة السياسية على كافة جبهات الخصومة والعراك بين "حماس" وغيرها، خاصة على الصعيدين الفلسطيني والعربي وحسب، ولكن أيضا من خطاب ولغة الحركة وانتهاج لغة أكثر عقلانية واقل توترا وحدة، ذلك أن "حماس" قد كسبت الكثير من الأعداء الذين لم يكن يفترض فيهم أن يكونوا كذلك، والكثير من هؤلاء، بسبب طولة لسان بعض ناطقيها، وافتقارهم لأدب المخاطبة والتعامل، ويمكن أخيرا للحركة ولكل من يقبل النصح المجاني، والذي إنما هو " لله في الله " نذكر بالمقولة المشهورة : استعن على قسوة الفكرة برقة الأسلوب، ومن قبلها بالآية الكريمة: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" !