المنتخب السعودي موضع ترحيب

عبد الناصر النجار.jpg
حجم الخط

عبد الناصر النجار

إحدى إشكالياتنا الفلسطينية هي تسييس قضايانا ومشاكلنا كلها في الوقت الذي فشلنا فيها سياسياً بامتياز.
أحداثنا اليومية مسيسة، علاقاتنا الداخلية مسيسة، علاقاتنا مع الآخر بصرف النظر عن ماهية الآخر مسيسة، حتى العلاقات داخل الأسرة الواحدة أصيبت بمرض التسييس، ولذلك نعاني من كثرة الأمراض والعاهات التي تسببها فيروسات السياسة.
نقطة الضوء الوحيدة في وضعنا الحالي هي الرياضة، التي نجحنا في تحصينها من عدوى السياسة.. التي لو أصيبت بها لكان جسمنا الرياضي مصاباً بمختلف الأمراض التي يعاني منها مجتمعنا الفلسطيني.
النجاح في تحييد الرياضة سياسياً، خلق واقعاً يحتذى به سواء على قاعدة الوحدة الوطنية، أو إعادة النظرة الحضارية للشعب الفلسطيني، في الوقت الذي بات ينظر إلينا على أننا مجتمع فاشل في ظل الانقسام وانفلات الحزبية بأدواتها المتعددة وخاصة الإعلام، الذي ينهش الجسد الفلسطيني ونحن نساهم بذلك.
منتخب فلسطين يمثلنا بالإجماع، وهذا أمر يُفتخر به، بصرف النظر عن وجود بعض الإشكاليات.
المنتخب الفلسطيني يجمع مختلف فئات الشعب الفلسطيني على قاعدة واحدة، هي: الإبداع، واللعب النظيف، والتمثيل الجغرافي الكامل سواء في الداخل أو الخارج... لا شروط أو قيود على أي لاعب، ولا إشارة إلى تنظيمه أو حزبه السياسي أو فكره، فالمهم فقط أن يؤدي دوره بإبداع في الملاعب.
رياضياً تمكنا من تحطيم ما تشكل لدى عالمنا العربي والمحيط من تنميط حوّلنا عقب الانقسام من فدائيين وقياديين ترفع لنا القبعات إلى مجموعات عشائرية متقاتلة ومتصدعة، لا فرق بيننا وبين الصومال، أو صوّرنا على أننا مجموعة من المتسولين على أبواب العواصم.
هذه الصورة النمطية تزعزعت في ظل نجاحنا الرياضي وخاصة لدى جيل الشباب.
الرياضة هي إبداع داخلي وخارجي وقضية عالمية، ففي كل المسابقات الرياضية الدولية والمحلية هناك شروط وقوانين يجب الالتزام بها.
في المسابقات القارية أو العالمية تكون هناك مباريات ذهاب وإياب، وغالباً ما تكون المباريات على أراضي الدول المشاركة في المنافسات. فلسطين تشارك في العديد من البطولات ويستضيف منتخبها العديد من دول العالم، وتستضاف الفرق الرياضية على الملاعب الفلسطينية على الرغم من المعيقات الاحتلالية، وقد حققت رياضتنا نجاحاً فشاهدنا فرقاً عربية ودولية تلعب على أرضنا، رغم العراقيل والتحديات الكثيرة.
قبل أربع سنوات، كانت هناك إشكالية حول حضور المنتخب السعودي الشقيق إلى فلسطين، وكادت يومها تحدث أزمة سياسية، لولا أن الرياضة كما قلنا فوق السياسة، وبالتالي حُلت الإشكالية في حينه باللعب على أرض الأردن الشقيق.
هذا العام وضمن المنافسات الآسيوية وكأس العالم أيضاً وضمن القرعة جاءت فلسطين والسعودية في المجموعة نفسها، وبالتالي أصبح حقاً لنا أن يلعب الفريق السعودي في دولة فلسطين، وهذه المرة هناك موافقة سعودية.
المنتخب السعودي مرحب به من مختلف فئات الشعب الفلسطيني، على الرغم من قليل من الأقلام السوداء والنعيق الذي نسمعه أو نقرأه خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي من البعض الذي يرغب في تدمير النقطة المضيئة في ليلنا السياسي المظلم.
تلك الفئة غريبة الأطوار ترغب في تخريب أهم إنجازاتنا، فهي تريد تسييس عالمنا الرياضي الناجح وخلط الحابل بالنابل، واستغلال مصطلح التطبيع للنيل من نبل الرياضة الفلسطينية.
وجود المنتخب السعودي على أرضنا مصلحة فلسطينية بامتياز، فهو جزء من منظومة تثبيت دولة فلسطين على الأرض الفلسطينية، ولإظهار أننا أيضاً لدينا ما هو جيد نفتخر به، ولسنا دولة فاشلة أو مجتمعاً فاشلاً، فبقوة الرياضة نثبت ذاتنا.
الأسبوع القادم، شعبنا الفلسطيني مطالب برفع الأعلام السعودية والفلسطينية جنباً إلى جنب، والجمهور مطالب بالهتاف للعب الجيد والإبداع، سعودياً أكان أم فلسطينياً، ومطالب بالترحيب بكل فرد من أفراد المنتخب والطاقم السعودي، خاصة أن كثيرين أيضاً ينتظرون هفوة منا، للنفخ في نيران الفشل والكره لا سمح الله، وبالتالي يجب ألا نترك فرصة للحاقدين في وسائل إعلام الاحتلال وغيرها التي تتربص وتنفخ كثيراً من الشرر باتجاهنا.. وبالتالي على كل مواطن ومواطنة ألا يسمح لغير نقطة الضوء أن تظهر في المشهد الرياضي الفلسطيني. مرة أخرى، نرحب بالمنتخب السعودي.
تساءل زميل صحافي سعودي: «كيف سيكون الوضع؟» ردنا أن الشعب الفلسطيني شعب كريم ومضياف والمنتخب السعودي شقيق وهو في انتمائه فلسطيني كما هو سعودي، دعونا نتمتع بمباراة نظيفة ونصفق كثيراً ونهتف للكرة وللشعبين السعودي والفلسطيني.