حول الدعوة «لإدارة» القطاع

عبد المجيد سويلم
حجم الخط

-خبر-كتب: عبد المجيد سويلم

3 ايلول 2015
الدعوة التي وجهتها حركة حماس (أكثر من مرة) لكافة فصائل العمل الوطني للمشاركة في «إدارة» القطاع تنطوي على مدلولات كبيرة.
فحركة حماس على ما يبدو تفرّق بشدة بين الحكم والإدارة. والدعوة التي أشرنا إليها تتعلق بالإدارة ولا تتعلق بالحكم.
أي أن الدعوة لا تتعلق بالسلطة وإنما تتعلق بجوانب معيّنة من الخدمات.
وحتى عندما يتعلق الأمر بهذه الخدمات فالأمر يتعلق بتصريف أعمال هذه الخدمات وليس بالسلطة عليها.
هذا كله أولاً، أما ثانياً، فإن دعوة حركة حماس عندما تتحدث عن الإدارة «المشتركة» فإنها لا تقصد بأي حال من الأحوال وضع السياسات الخاصة بتصريف الأعمال.
فعلى سبيل المثال لا الحصر وإذا افترضنا أن جباية الضرائب هي واحدة من مجالات الخدمات فإن السياسة الضريبية هي خارج نطاق «الإدارة» وليس من اختصاصها ولا يحق لها ولا يجوز لها أن تبدّل أو تغير فيها.
سيكون دور الفصائل التي وجّهت لها الدعوة هو المشاركة في الجباية ليس إلاّ. هذه المسألة تنطبق بالتمام والكمال على كافة المجالات الأخرى لهذه «الإدارة».
وبهذا المعنى فإن دور الفصائل في مثل هذه الحالة هو إضفاء «الشرعية» على السياسات كثمن للمشاركة في تصريف الأعمال التي تتعلّق بها.
وبهذا المعنى بالذات فإن على هذه الفصائل أن تدافع عن السياسات الضريبية وعن الضرائب التي فرضتها حركة حماس لصالح منظمة حماس وتصوير الأمر وتحويله إلى شأن «وطني» عام، وإلى «سياسة» للصالح العام.
وثالثاً، لا يبدو أن أي فصيل من الفصائل التي يعتدّ برأيها أو بدورها قد قبل هذه الفكرة أو «هضمها» على الاطلاق.
وأغلب الظن أن فصائل العمل الوطني ذات الأهميّة والشأن تدرك تمام الإدراك أن هذه الدعوة «ليست لله» وانها ليست دعوة بريئة بأي حال.
وحتى تاريخه لم أسمع ولا أعرف أن أحداً من هذه الفصائل لديه الاستعداد أو النيّة في الدخول في مثل هذه المصيدة، كما يبدو أن هذه الفصائل ـ على العكس من ذلك ـ تدرك أن هناك من الأهداف من وراء مثل هذه الدعوة ما هو أبعد وأعمق وربما أخطر مما تبدو عليه الأمور من على السطح.
صحيح أن كل الفصائل الوطنية ليست على قلب رجل واحد فيما يتعلق بالكثير من القضايا والهموم الوطنية إلاّ أن كل هذه الفصائل هي موحّدة من حيث الموقف الخاص بهذه الدعوة.
الطريف في الأمر أن مفهوم حركة حماس «للفصائل» العاملة في القطاع هو مفهوم غامض وضبابي إلى أبعد الحدود.
فهذا المفهوم يشمل فصائل وهمية وافتراضية وفضائية بحيث يصعب على المرء أن يحدد لها صفات أو خصائص مادية ملموسة، وهي موجودة لحالات «الطوارئ» فقط، وتكاد تختفي عن الوجود في المواسم العادية.
ليس لديّ شك أن هذه الفصائل لديها دور كفاحي في ظروف القطاع ولكن ليس لديّ شك مقابل أن هذه الفصائل هي «منظومات» ملحقة بحركة حماس وليست قائمة على الأرض بحد ذاتها وكأجسام مستقلة.
صحيح أن بعض الفصائل في اطار المنظمة لم يعد لها وجود فاعل على الأرض، وان بعض هذه الفصائل الصغيرة تحوّل في الواقع إلى وجود «تراثي» أكثر منه وجود فعلي إلاّ أن هذه الفصائل مع ذلك موجودة بقرارات المجالس الوطنية ولا يملك أحد حق البت بمصيرها إلى المجالس الوطنية الفلسطينية.
الأهداف البعيدة والحقيقية وراء هذه الدعوة هي في أن حركة حماس ـ مع الأسف الشديد ـ لم يعد أمامها غير مشروع واحد وهو التغطية بكل الوسائل والأدوات على المشروع الحقيقي للحركة في عقد صفقة التهدئة مع إسرائيل لتكريس هيمنتها على القطاع وإبقائه تحت سيطرتها الكاملة والمطلقة بأكبر قدرٍ ممكن من التعمية والخداع.
وعلى ما يبدو فإن هذه الدعوة هي محطّ رهان لدى حماس لخلخلة الصف الوطني وتصوير الأمور على غير حقيقتها.
ولو افترضنا أن عدة فصائل من فصائل المنظمة قد وافق على المشاركة في إدارة القطاع فإن مثل هذه الخطوة ستعتبر ضربة قوية لوحدة المنظمة ولوحدة الموقف الفلسطيني الرافض لهيمنة وتحكّم حركة حماس، ولمجمل مشروع حركة حماس بالعمل على فصل القطاع عن الجسم الوطني.
بل ان موافقة من هذا النوع ستعني أن صيغ العمل الوطني ستكون قد تغيرت وستكون المنظمة في مثل هذه الحالة قد تحولت إلى مجرد تجمع للمناسبات، وليس المؤسسة التي تمثل الشعب الفلسطيني وتعكس أهدافه وحقوقه.
ولو كان الأمر بريئاً ويتعلق بحاجة حماس لمن يساعدها في إدارة القطاع لأنها غير قادرة «وحدها» على تحمل هذه المسؤولية أو العبء لقبلت بالمصالحة ووفرت على شعبنا هذا البؤس والشقاء وجنبت أهلنا في القطاع الكثير من الويلات والمصائب.
كل ما يدور في رأس حركة حماس هو تأمين غطاء بأي صورة ممكنة لتبرير الإقدام على خطة الانفصال ولا يوجد في كل القصيدة إلاّ هذا البيت.