السعودية وإيران ما بين الحليف المخلص والحليف المهيمن المسيطر

حجم الخط

بقلم: الدكتور ناجى صادق شرّاب*

 

تعانى المنطقة العربية عموما بعلاقاتها بالدول الإقليمية الطامحة والساعية للهيمنة والسيطرة على موارد المنطقة ومنافذها الإستراتيجية من إختلال في علاقات وموازين القوة، وهذه القوى الإقليمية تتجسد في محاولات إيران تحديدا للهيمنة والسيطرة على اهم المناطق الإستراتيجية في العالم وهى منطقة الخليج العربى بما لها من أهمية نفطية عالمية وإستراتيجية، وتنظر إليها إيران على أنها منطقة فراغ قوة، وانها تشكل او تقع في قلب مجالها الحيوى، ولذلك تحاول بكل قوة للحيلولة دون بروز اى قوة تحاول أن تبعدها عنها، والمفارقة حتى لو كانت هذه الدولة من قلب منطقة الخليج كالسعودية الدولة المحورية والمؤثرة .

وهذا السلوك لا يمكن تفسيره إلا من خلال نظريتين تفسران لنا السلوك السياسى لدول القوة مثل إيران: النظرية الواقعية او نظرية القوة، ونظرية الحليف الإقليمى المهيمن والمسيطر.

هاتان النظريتان تفسران لنا سلوك إيران السياسى. تعتقد ايران ان هناك فراغ في القوة في منطقة الخليج، وان هذا الفراغ، الذى يعود بنا إلى ما بعد قرار بريطانيا في السبعينات من القرن الماضى، ووقتها لم تكن إيران من القوة العسكرية والاقتصادية بما يسمح لها أن تنافس قوى أخرى كالولايات المتحده والاتحاد السوفيتى ـ فضلا انها كانت تدور في فلك الاستراتيجية الأمريكية ، وهو ما سمح لها باحتلال جزر دولة الإمارات الثلاث، والادعاء بالسيطرة على البحرين وإعتبارها احدى ولاياتها.

هذه السياسة تظهر اليوم بشكل قوي بمحاولة إيران فرض سيطرتها على المنطقة ، وبدعمها لوكلائها الحوثيين في اليمن ،والحشد الشعبى في العراق وحزب الله في لبنان، وبذلك تحاول ان تكمل دائرتها من جميع الإتجاهات الجغرافية، وإعتبار المنطقة منطقة امن ونفوذ إيرانية، وما الاستهداف الأخير للسعودية بضرب حقول النفط والقدرة الإنتاجية للسعودية إلا في إطار منع السعودية من ان تصبح دولة قوة ومعها دولة الإمارات، فالاستهداف هنا لدور السعودية وقوتها المتنامية.

وبالعودة لنظرية القوة التي تؤمن بها إيران، وهي التي تعود بجذورها للمؤرخ الإغريقى ثيوسيديدس قبل اكثر من الفين وخمسمائة عام، خلاصتها هذا الحوار الذى ينطبق على السلوك الإيراني بين سفير أثينا وسفير ميلوس: السفير الملينى قال إن بلاده ستنتصر لأنها مع العدالة، وأن ألألهة ستنصرهم، أما السفير ألأثينى فقال: القوة هي التي ستنتصر، والقوة انتصرت أخيرا، وهو ما جعل المؤرخ الأغريقى في كتابه تاريخ حرب البيلونسيه يقول ان القوة هي أساس العلاقات بين الدول ، وليس العدالة.

هذه النظرية تنطبق على سلوك إيران كدولة قوة تؤمن بالقوة فقط في إدارة علاقاتها بالسعودية وبدول المنطقة ودائما دول القوة تريد من ألأخرين التبعية والتسليم بما تفرضه إرادة القوى. ومن منظور القوة أي محاولة للسعودية ان تمتلك القوة وتحقق التعادل في موازين القوى في المنطقة يقابل من إيران بمحاولة الإجهاض وتفعيل دور وكلائها، وهذا ما يقوم به الحوثيون من تسيير للطائرات بدون طيار وضرب اهداف في داخل المملكة.

والفارق كبير بين السعودية التي تمارس حقها وتسعى للدفاع عن مصالحها القومية،ولجأت للأساليب الدبلوماسية والسلمية حتى الان في التعامل مع إيران لإيمانها بعدالة قضيتها وموقفها وبين الموقف الإيراني.

والنظرية الثانية التي تفسر لنا سلوك إيران باللجوء الى القوة ما يعرف بنظرية المهيمن المسيطر، ومقولتها ألاساسية أن الدول لا تسعى لإحداث توازانات في القوة بين بعضها، وإنما تسعى لاختلال التوازانات في القوة لتصبح الأقوى نسبة لغيرها، عكس ما يقوله أنصار مدرسة القوة والواقعية التي تستند على توازانات القوة ، وهذه المقولة تنطبق على سلوك إيران أيضا، فهى تريد أن تحدث تفوقا في القوة ليس فقط على السعودية بل على كل دول المنطقة خليجيا وعربيا.

وتقوم نظرية المهيمن الإقليمى على ثلاثة أسس: أن الدولة هي الفاعل الرئيس في الساحة الدولية ، وكل دولة تمتلك قدرات هجوميه، وأن الدول غير قادرة على معرفة نوايا الدول الأخرى. والدول في سلوكها تخشى بعضها لعدم معرفة نواياها، ولا تضمن المساعده من أي دولة أخرى، والحل الوحيد الدفاع عن بقائها لأنه الهدف الرئيس لها، والمهيمن لا يستطيع أن يهيمن إلا على إقليمه، لأن الهيمنة تحتاج إلى قدرات عسكرية واقتصادية هائله، وعقدة المهيمن أنه لا يريد ولا يسمح لأى قوة أخرى ان تهيمن على الإقليم.

والسؤال هل تملك إيران القدرات العسكرية والإنتاجية أو الاقتصادية المؤهلة لها؟ قد تكون الإجابة في الجانب العسكرى نعم، وهذا ما يفسر لنا نفقات إيران الهائلة على صنع السلاح ومحاولة إمتلاك ا لقوة النووية ، لكنها في الجانب الإنتاجى لا تملك ما يسمح لها بهذا الدور، وتنظر بعدم ثقة لسياسات السعودية ومحاولاتها بناء قوة تكاملية مع الإمارات ومصر وتشكيل تحالف عربى قوى، وأيضا لعلاقاتها التحالفية والاستراتيجية بالولايات المتحدة وغيرها من الدول كروسيا والباكستان والهند والصين.

وتحكم العلاقات بينهما غياب الثقة ، والتشكيك في النوايا. إيران تتبنى هذه النظرية وتسعى لإجهاض وللإطاحة بأي تنامي لقوة السعودية إدراكا منها بقوة السعودية الاقتصادية والنفطية والإسلامية، وتسعى لإبعاد التواجد ألأمريكى وهو ما يفسر لنا العلاقات المتوتره والتي تتدحرج نحو التصعيد العسكرى.

إيران تعتبر المنطقة منطقة أمن فارسيه، ومنطقة نفوذ مغلقة لها، وهذا ما يفسر لنا التمدد الإيراني في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. وهذا السلوك بلغة المصالح القومية لدول المنطقة يحولها لدول تابعة وهو ما ترفضه السعوديه ودول المنطقة.

هذا هو الفارق بين ما نظرية المهيمن الصديق والمخلص الذى تتبناها دول كالسعودية والإمارت التي لم تقم أو تبادر بالإعتداء، وبين نظرية المهيمن المسيطر التي تتبناها إيران وتقف وراء كل الهجمات التي تستهدف السعودية وغيرها من دول المنطقة.

*استاذ في العلوم سياسية -غزة