مرّت تسع سنوات على الثورة التونسية "ثورة الياسمين" وفق ما أسماها الشعب التونسي، ومنذ تلك اللحظة أثبت التونسيون بأنّ ثورتهم هي الأنجح بين ثورات الربيع العربي، في مقابل ثورات أخرى ساهمت في تدمير مقدرات شعوبها.
المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية علاء أبو عامر، قال: إنّ "الشعب التونسي أثبت من بين كافة الشعوب العربية أنّه الأكثر وعيًا وترسخًا في مبادئ العلمانية، فمنذ زمن الحبيب بورقيبة أثرت تلك الظاهرة في ثقافته، وحتى بالنظر إلى "حركة النهضة التونسية" رغم أنّها تتبع التيار الإسلامي وتنطوي تحت جناح "حركة الإخوان المسلمين" إلا أنّها قبلت بالتداول الديمقراطي للسلطة، ولم تطرح برنامجًا إخوانيًا بالمفاهيم التي طرحتها حركة حماس بغزّة، أو الإخوان المسلمين بمصر".
وبيّن أبو عامر خلال حديثه لوكالة "خبر"، أنّ التجربة التونسية هي الأقرب إلى الطابع التركي للحركة الإسلامية، حيث إنّها في جوهرها علمانية ولكنها تتبنى أفكارًا دينية، وبالتالي هذا الجو هو الذي سمح لتونس بأنّ تُفرز ما جاء في الانتخابات الرئاسية، فهناك رؤية أخرى للإسلام تختلف عن الأفكار الأخرى المرنة، التي جعلت من الدين عامل مساعد أو يتم العمل عليه من خلال المجتمع وليس من خلال السلطة.
وأوضح أنّ تلك الطريقة التدريجية في كسب المجتمع لأفكارهم هي طريقة يتم تقبلها تدريجيًا، ولا تُطرح من قبل السلطة بشكلٍ مباشر ومستفز للآخرين، وهذا ما أوصل تونس في النهاية لتلك الديمقراطية من ناحية النزاهة وحرية الرأي بشكلٍ كامل.
وبالمقارنة مع ثورات الدول العربية الأخرى، قال: "على سبيل المثال السودان خرجت من الثورة منتصرة حيث حققت الكثير من المطالب، فهناك إعادة لإحياء الوحدة في السودان حتى بين الفصائل المتصارعة، ومن كان يُطالب بالانفصال"، مُشيراً إلى أنّ الثورة السودانية حتى اللحظة حققت ما بين 60 إلى 70% من مطالبها.
كما أشاد أبو عامر بثورة "يناير" المصرية "التي اعتبرها من أروع الثورات في تاريخ البشرية، فتلك الحشود التي هدرت بصوت التغيير هي التي أتت بثورة 30 يونيو بسبب تحويل الإخوان الوطن كوطن للجماعة وليس للشعب، لذلك أصبح الشعب المصري أكثر حذرًا ويُطالب بالدرجة الأولى بالأمن والأمان وتوفير الغذاء، حيث شعروا بأنّ البديل هو حركة الإخوان المسلمين والتي لن تُساهم في التطوير بل ستؤدي إلى تجزئة المجتمع.
كما تحدث عن ثورة الجزائر المنظمة والتي لم ينتج عنها حوادث قتل، وإنّ حدث فإنها لا تذكر، موضحاً أنّ الشعب الجزائري حذر جدًا من سقوط ضحايا، خلافًا لما حصل في ليبيا، فالثورة الجزائرية أيضًا تُبشر بربيعٍ عربي حقيقي ديمقراطي ممكن أنّ يؤهل الدولة في مصاف الأمم التي تسعى إلى التقدم والتحرر من القيود، عدا عن التطور الاقتصادي.
وفيما يتعلق بمدى تأثير تدخل القوى الخارجية في الشأن الداخلي لدول ثورات الربيع العربي، قال أبو عامر: "كلما ابتعدت الدول عن محيط الكيان الصهيوني كلما انخفض الضغط ومثال ذلك ما حدث في تونس، ومن أمثلتها التعاون الإسرائيلي مع المرشح التونسي نبيل القروي، الذي تم كشف أمره في نهاية الأمر عدا عن وعي الجمهور التونسي والطبقة السياسية والثقافية، والإرادة الحرة للشعب، الأمر الذي عزّزَ التحرر من الضغط الأجنبي".
ولفت إلى أنّ الثورة تمر بمرحلتين، الأولى هي التلقائية العفوية، والثانية هي ركوب موجة الثورات وتحولها عن أهدافها، حيث إنّ هناك دولًا تحولت بعض الثورات فيها لتدمير شعوبها بهدف إنشاء ما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد"، من خلال الإخوان المسلمين بشكلٍ علني وباعتراف بعض المسؤولين العرب والأمريكان، وبذلك تحولوا لأدوات استعمار وشوهوا الثورات، فبدلًا من أنّ تكون تلك الثورات تسعى لتقدم الشعوب عملوا على تأخرها.
كما أكّد على أنّ الثورات تتقدم بشعوبها لا تعود بهم للخلف، فثورات الربيع العربي عادت ببعض الشعوب إلى الخلف وقسمت مجتمعاتهم على أسس دينية مذهبية، بالإضافة إلى القتل على الهوية الدينية.
عوامل النجاح
واعتبر أبو عامر أنّ نجاح الثورات مرتبط بعدة عوامل، أولها تهيئة الظرف المناسب ليكون الشعب جاهزًا لخوضها، لافتاً إلى أنّه ليس باستطاعة هبات جماهيرية أنّ تخرج بالشعب بأكمله إلا بتحقق شروط اقتصادية تدفعه لذلك.
وأشار إلى أنّ ثاني تلك العوامل هو وجود ما يتعارض مع معايير الشعوب النفسية والسياسية والثقافية، فقبول السلام مع إسرائيل لا يزال يلقى رفضاً شعبياً عربياً كاملاً بمنأى عن مواقف الحكومات، لذلك لا بد أنّ يكون الأمر قريب من الشعب ويعبر عن ذاته وليس عن جماعة بعينها.
وفي ختام حديثه شدّد أبو عامر على أنّ أهم عوامل نجاح الثورات هو وجود أحزاب وقوى سياسية حقيقية تُمثل ضمير الشعب العربي وتطلعاته.
يُذكر أنّ الهيئة المستقلة للانتخابات في تونس أعلنت مساء أمس الإثنين، فوز المرشح المستقل قيس سعيد رسمياً في الانتخابات الرئاسية بنسبة 72.1 بالمئة، بعد فرز كافة الأصوات.