يركضون بلهفة بين أزقة مجمع الشفاء الطبي بغزّة كأنّهم يُسارعون وجداناً بداخلهم يُخبرهم بأنّ "إنساناً مريضاً فسارعوا لإنقاذه"، حيث تعتقد بالنظرة الأولى أنّهم "خلية نحل" تعمل بكل عنفوان.
ورغم إصرارهم على الخروج بأفضل النتائج الممكنة في ظل ضعف الإمكانات المتاحة، إلا أنّ العديد منهم لا يجد القليل من التقدير تجاه ما التضحيات والإنجازات المبذولة، حيث إنّهم لا يتقاضوا أي علاوات أو حتى عرفاناً وتحفيزاً لهم، وصولاً إلى عدم حصولهم على الأمان الوظيفي في ظل سياسة التقاعد المالي.
ويُسلط هذا المقال الضوء على أخصائي طب وجراحة النساء والولادة، د. بيان السبع، الذي دائماً ما تراه داخل مجمع الشفاء بغزّة بلباسه الأخضر الملطخ بآثار الأدوية والمحاليل الطبية، وهو يسير داخل قسم النساء والولادة بدون ملل أو كلل، فيواسي المريضة ويُطمئن أخرى.
وتعود جذور د. السبع إلى أسرة متوسطة، حيث إنّه بعد إنهاء الثانوية العامة بتفوق سافر إلى يوغسلافيا بدعم من والده الذي بذل الغالي والنفيس في سبيل أنّ يرى نجله طبيباً يُقدم يد المساعدة للمحتاجين.
وقال السبع في حديث خاص: "أنهيت دراسي في ظل أجواء صعبة سواء الإغتراب أو الحاجة الشديدة، ولكنّي حصلت على درجة الامتياز وتفوقت على جميع زملائي في الجامعة من طلاب أجانب ومحليين بكافة الفصول الدراسية وفاجأت بذلك زملائي وأستاذتي".
وأضاف: "بعد ذلك حصل على 12 دورة تدريبية في مجال النساء والولادة"، مُؤكّداً على شغفه بمهنة الطب وتحديداً تخصص النساء والتوليد، وذلك لأنّه رأى فيه الروح الإنسانية التي سعى من خلالها إلى تقديم العون لك من يحتاجها من النساء، خاصة أنهن من الطبقات الضعيفة.
ورأى د. السبع أنّ تخصص النساء الولادة مدرسة حياتية متكاملة، واصفاً ذلك بالحياة الجديدة المنبثقة مع صرخات الطفل الذي خرج للدنيا يُعلن بداية قصة جديدة.
وبالحديث عن المعاناة التي يتعرض لها الطبيب، قال: "ذات يوم وبينما كنت أستعد لإجراء عملية استئصال رحم لمريضة، أبلغني طبيب التخدير بأنّ المريضة فارقت الحياة، إلا أنّ وقع الصدمة دفعني لإنقاذ حياة المريضة التي عاد النبض إليها بعد جولات من الإنعاش والإسعاف، فوجدت نفسي أمام مهمة صعبة، لأنّه يتعين إجراء هذه العملية خلال ربع ساعة فقط، وتكللت في نهاية الأمر بالنجاح".
وتحدث السبع عن معاناة الأطباء خلال فترة الاقتتال الداخلي في قطاع غزّة، حيث إنّه لم يكن بمقدوره العودة إلى المنزل إلا من خلال سيارة إسعاف وفي ظل حالة كبيرة من الخطر، بالإضافة إلى الحروب ومشاهدة آهات ومعاناة الأهل لفراق أبنائهم في قسم الاستقبال بمجمع الشفاء الطبي، مُؤكّداً في ذات الوقت على أنّه "نداء الدين والوطن والإنسانية".
وتابع: "هذا النداء يُرافقه تضحيات غير متناهية في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها أهل قطاع غزّة"، موضحاً أنّه وجد نفسه في كثير من الأحيان مضطراً للتنازل عن رسوم "الكشف" في عيادته الخاصة لبعض الحالات الإنسانية.
ويفتقد د. السبع رغم عطائه المعطاء وتفانيه في العمل للعديد من حقوقه كموظف في وزارة الصحة الفلسطينية، في ظل التقاعد المالي وغياب الترقيات وكذلك أوضاعه الصعبة بسبب تراكم الأقساط عليه وإعالته لأسرتين.
كما حصل د. السبع على "درع الطبيب المثابر" المقدم من لجنة مؤتمر الولادة السادس، حيث قدمه رئيس مستشفى الولادة د. هاني مهدي، تقديراً لعمله المتفاني والذي حظى بتصفيقٍ حاد أثناء تكريمه.
وختم السبع حديثه، بالقول: "رسالتني للحكومة بأنّ الأطباء قدموا كل التضحيات اللازمة للحصول على الشهادة الطبية، فعلى سبيل المثال باع والدي أرض العائلة في لأتمكن من إكمال دراستي"، متسائلاً: "لماذا نُكافئ بتقاعد مالي؟ ولا نستطيع أنّ نُلبي أبسط متطلبات الحياة؟ ولا نحصل على حقوقنا؟".