أسرار الموساد في الربيع العربي .. وتعقب الجهاديين " غداً ساعة الصفر "

الموساد
حجم الخط

 في عام 1999، أخذ المؤلف غوردون توماس القراء إلى أماكن لم يصلوا إليها قط من قبل، لقد أخذهم في جولة داخل العالم السري لوكالة المخابرات الإسرائيلية، الموساد. والآن، في طبعة جديدة من كتابه “جواسيس جدعون: التاريخ السري للموساد“، أضاف توماس إلى كتابه فصلين جديدين حول إسرائيل خلال الربيع العربي. وفي هذا المقتطف الحصري من الكتاب، يفسر توماس كيف قام الموساد باستخدام قسم من الحرب الإلكترونية الجديدة لتعقب التهديدات ومهاجمة قدرة إيران النووية.

شعار وحدة الحرب الإلكترونية في الموساد هو: “غدًا ساعة الصفر“. وهذه الكلمات هي مضمون رسالة الهاتف التي اعترضتها وكالة الأمن القومي الأمريكية، NSA، والتي تم لاحقُا، وبعد فوات الآوان، اكتشاف أنها كانت تلمح إلى هجوم 9/11 على مركز التجارة العالمي والبنتاغون.

وكان المدير الـ 11 للموساد، تامير باردو، قد قرر أن إسرائيل لن نرتكب الخطأ نفسه؛ وأنها لن تكون متأخرة جدًا في منع إيران من الحصول على رأس حربي نووي.

وللقيام بذلك، كانوا بحاجة إلى قنبلة جديدة قادرة على اختراق الملاجئ تم تجربتها بنجاح من قبل القوة الجوية للولايات المتحدة. هذه القنبلة المسماة BU-57B يبلغ وزنها ثلاثة أطنان، وسوف تكون قادرة على اختراق 200 قدم من الصخور.

وفي واحد من اجتماعات موظفي باردو الأسبوعية في خريف عام 2013، كان هناك اتفاق على أن واشنطن سوف تؤجل تسليم هذه القنبلة إلى إسرائيل حتى يصبح من الواضح لها ما ينوي الزعيم الإيراني الجديد، حسن روحاني، فعله في الاجتماع المقبل في جنيف لبحث اتفاق بشأن برنامج بلاده النووي.

وفي هذه الأثناء، كان لدى إسرائيل أسلحة أخرى. لقد شنت دائرة الحرب النفسية في الموساد حربًا دعائية في المنطقة. وعلى سبيل المثال، عندما كان محمود أحمدي نجاد في السلطة، أنتجت الدائرة قصة ذكية جدًا تظهر أن الرئيس الإيراني هو يهودي الأصل. وقد نشرت هذه القصة على نطاق واسع في البلدان العربية وغيرها.

وفي الوقت نفسه، عرف باردو أهمية الحرب الإلكترونية، وكان واحدًا من العديد من الضباط الذين خضعوا لتدريب في وكالة الأمن القومي، وشاركوا في بعض مهام التجسس “الناعمة“، بما في ذلك اختراق النسخة الإيرانية من الفيس بوك، وغيره من مواقع الشبكات الاجتماعية.

وقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عندما زار وحدة المعارك الإلكترونية في عام 2010، إن الدفاع ضد الهجمات الإلكترونية يعد خط الدفاع الأهم بالنسبة لإسرائيل. وكان قد شكر الوحدة أيضًا على تصميمهم البرنامج الذي أعد لمهاجمة أجهزة الطرد المركزي في منشأة التخصيب النووي الإيرانية في نطناز. وبعبارة نتنياهو، أدى هذا البرنامج إلى تبطيء “سباق إيران لخلق قنبلة نووية بمقدار ثلاث سنوات تقريبًا“.

الإرهاب على موقع eBay

زادت العملية الناجحة ضد منشآت إيران النووية من أهمية وحدة الحرب الإلكترونية في الموساد. واكتشفت الوحدة لاحقًا أن القاعدة تستخدم تقنية تشفير رسائلها في السلع المعروضة للبيع على موقع eBay للتجارة الإلكترونية.

وقضى العديد من عملاء الموساد الآخرين وقتهم في تتبع رسائل الإنترنت عبر موقع Reddit. ولأكثر من مرة، قاد هذا التتبع إلى اكتشاف أن الإرهابيين يقومون باستخدام الأحرف الست عشرية والأعداد الأولية. وعند فك الشفرة، قام المراقبون أحيانًا بمعرفة أنه كان يجري التخطيط لهجوم أو أن هجومًا ما كان على وشك الحدوث.

وإلى جانب موقع eBay، تم إخفاء الرسائل في ملفات الصور الإباحية أيضًا، واحتوت هذه الرسائل على وثائق وأوامر تحدد الهدف التالي لعمليات الإرهابيين، وفقًا لما قاله مصدر استخباراتي. كما وجندت كل من الموساد والمخابرات البريطانية متخصصين لغويين في العربية والأوردو والباشتو، لترجمة المجلات التي ينشرها تنظيم القاعدة وداعش على الإنترنت.

وعندما تظهر إمكانية حدوث هجوم في بلد معين، يرسل الموساد التفاصيل التي توصلت إليها وحدة الحرب الإلكترونية إلى جهاز المخابرات في ذلك البلد. وقد تم اختيار خبراء الموساد لمهاراتهم في الوصول إلى منطقة يصعب الوصول اليها عبر محركات البحث جوجل، وياهو، وبنج. وتدعى هذه المنطقة بـ “الجانب المظلم“، وتتضمن المليارات من صفحات الويب، وتشير التقديرات إلى أنها أكبر بخمسة آلاف مرة من أي شيء آخر على الإنترنت.

حلفاء غير متوقعين

وفي أواخر شهر أكتوبر 2013، كان باردو قد تلقى دعوة للقاء قادة استخبارات عرب. وكان قد توقع أن الاجتماع سيتناول في المقام الأول الوضع الحالي للأنشطة الإرهابية في المنطقة، بما في ذلك تهريب المخدرات والاتجار بالبشر.

ولكن، اجتماع اخر  كان ذا أهمية أكبر. وكان رئيس المخابرات السعودية، الأمير بندر بن سلطان، برفقة ولي العهد حينها، الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود، نائب رئيس الوزراء، ووزير الدفاع.

وقد طلب هؤلاء عقد لقاء خاص مع باردو، تمت طمئنته خلاله بأن الصواريخ الصينية التي رصدتها أقمار التجسس الإسرائيلية في صحراء المملكة العربية السعودية كانت هناك فقط لحماية بلدهم من العدو المشترك لكليهما، وهو جمهورية إيران.

وأضاف الأمير بندر أن الطرفين يعرفان أن بلديهما تشتركان بالمخاوف التي وضعتهما في بعض الأحيان على خلاف مع الولايات المتحدة. بينما رأى ولي العهد أنه قد أصبح من الضروري التعامل مع تهديد إيران بجدية.

وقد أدى هذا إلى بداية عدة اجتماعات أخذت باردو إلى الرياض وعمان للقاء كل من أمراء الأسرة المالكة وكبار ضباط القوات المسلحة السعودية. وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني، توصل التعاون المتبادل إلى اتفاق يسمح لإسرائيل بأن تستخدم المجال الجوي السعودي لشن هجمات جوية على المنشآت النووية الإيرانية، وبوضع الطائرات بدون طيار الإسرائيلية، ومروحيات الإنقاذ، فوق المملكة العربية السعودية والبحر الأحمر، وتزودها بالوقود في مختلف المطارات السعودية.

وسيتم وضع هذه الترتيبات حيز التتنفيذ في حال فشلت محادثات جنيف النووية مع طهران في الوصول لنتائج تلبي تطلعات كلا الجانبين السعودي والإسرائيلي.

وفي أحد الاجتماعات في ميناء العقبة الأردني، جلب رؤساء فرق التجسس خبراءهم في الحرب الإلكترونية لمناقشة إنتاج برمجيات خبيثة أكثر تدميرًا، للتجسس على وتدمير برنامج إيران النووي. وكان الوفد السعودي قد أشار إلى أنه مستعد لتمويل المزيد من البحوث. وكان ولي العهد الأمير بندر قد قال لباردو إنه لن يكون هناك “أي حدود على التكلفة“.

وفي حين تبدو الولايات المتحدة مصرة على مواصلة الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق مع إيران، لا يبدو بأن نتنياهو يثق بقادة الجمهورية الإسلامية، وقد أمر الموساد بجمع كل الأدلة التي قد تثبت انتهاك إيران للاتفاق.

نيويورك بوست – التقرير