دائماً ما تُسجل فلسطين نجاحات كبيرة بأبنائها وعقولهم التي تحظي بتقدير عالٍ نظراً لقدرتهم على وضع بصمتهم في الكثير من العلوم، وعلى الرغم من ممارسات الاحتلال وسعيه لشطب كل من يحمل اسم فلسطين، إلا أنّ العقول الفلسطينية تتمكن من إيجاد مكانة لوطنها في العالم.
الطبيب والبروفيسور الفلسطيني أسعد أحمد مطر، المقيم في العاصمة الروسية موسكو منذ سنوات، تمكّنَ من تأسيس مستشفى يضم عيادات وغرف عمليات ومكان لإقامة المرضى في شمالي موسكو، حيث يُقدم الاستشارات الطبية والعلاج للأطفال والعائلات الروسية ذات الدخل المحدود مجاناً.
ويختص د. مطر الذي أوجد لنفسه مكانة كبيرة في العاصمة الروسية، بأمراض المسالك البولية لدى الأطفال وجراحتها، بالإضافة إلى اختصاصات طبية أخرى.
د. مطر افتتح مؤخراً المركز الدولي لمعالجة أمراض الذكورة في موسكو، بالإضافة إلى افتتاح فروع له في عدد من بلدان الاتحاد السوفيتي السابق، حيث حصلَ من خلال تأسيسه "الأكاديمية الدولية للطب" على ترخيص لتنظيم دورات تدريبية للأطباء داخل أحد مراكزه لمدة تتراوح بين شهر إلى سنتين بعد الحصول على شهادة الطب العام.
قصة نجاح وكفاح
يرتبط النجاح في غالب الأحيان بمتاعب لا يستطيع الجميع تحملها، فقد سبق هذا النجاح والإبداع الفلسطيني قصة معاناة بدأت بعمله سائق تاكسي ومن ثم نائب رئيس أحد أكبر وأهم المراجع العلمية في روسيا.
وفي تقرير نشره موقع "روسيا بالعربي ة" قال البروفسيسور أسعد مطر، أنّ تخصيصه أياماً لعلاج الفقراء في المستشفى الذي أسسه ويديره، يعود إلى أنّه وصل روسيا من بيئة فقيرة يُعاني فيها الأهل من تأمين الطعام والدواء، لذلك فإنّ هذا الشعور دفعه لمساعدة الفقراء في بلد منح الكثير.
ويروي د. مطر أنّه من مواليد عام 1972م في مخيم الشاطئ بمدينة غزّة، موضحاً أنّه عاش فترة الانتفاضة الأولى وغادر إلى روسيا لطلب العلم في العام 1990م.
ولفت إلى أنّه عاش أكثر من عشرين عاماً من حياته وشبابه متنقلاً بين دول الاتحاد السوفيتي سابقاً ودولة روسيا الاتحادية حالياً، حيث حقق إنجازات كبيرة ودولية رُغم صعوبة الطريق ومخاطرها.
وقال: "غادرت قطاع غزّة بمنحة دراسية عام 1990 في جورجيا التابعة للاتحاد السوفيتي قبل انهياره، ودرست اللغة الروسية في السنة التحضيرية ما قبل انهيار الاتحاد، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي كدت أنّ أفقد مع عدد من زملائي الطلاب المنحة الدراسية والقبول الجامعي بسبب حالات الفوضى التي نجمت بعد انهيار الاتحاد".
وأضاف: "لمدة شهرين ونصف، تنقلت وعدة طلاب بين الجامعات والمعاهد الدراسية لمحاولة قبولي، وخرجت من حي الشيخ رضوان إلى روسيا، بتكلفة دراسية تُقدّر بـ1000 دولار سنوياً، وانتقلت لروسيا لصعوبة الوضع في قطاع غزّة آنذاك”.
وتابع: "عام 1996 في السنة السادسة للطب عملت في شركة أدوية، حيث كانت المحاضرات الدراسية صباحاً والعمل بالفترة المسائية، حتى وصلت إلى مدير مبيعات في الشركة، ومع ذلك أنهيت تعليمي بالشهادة الأولى (البكالوريوس) بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى".
وأشار د. مطر إلى أنّه في العام 1998 أعلنت شركة الأدوية إفلاسها بسبب الأزمة المالية التي ظهرت آنذاك، موضحاً أنّه لم يستطع العودة إلى غزة بسبب زواجه من روسية، وبدءه دراسة الماجستير في جراحة الأطفال، حيث عمل كجراح أطفال في أكاديمية العلوم الطبية للتعليم العالي في موسكو.
وأردف: "منذ العام 1999 بدأت دراسة الدكتوراة في معهد أكاديمية البحوث العلمية لطب وجراحة الأطفال، حيث عملت في الفترة الصباحية كجراح أطفال وأكملت الفترة المسائية كسائق تاكسي في موسكو، كما أنهيت الدكتوراة كعامل جراح صباحي وعامل تاكسي مساءاً"، وذلك إلى جانب عمله كـ"مطهراتي" عربي يعمل على طهور الأطفال العرب والمسلمين في موسكو، وفق حديثه.
وأوضح أنّه بعد أنّ أنهى دراسة الدكتوراة في عام 2002م، عمِلَ في المعهد الذي تخرّج منه كـ"جراح أطفال"، لافتاً إلى أنّه عمِلَ أيضاً في الفترة ما بين عامي 2002 إلى 2004 كمساعد جراحي الأطفال في المعهد، أما في عام 2004 أصبح جراحاً رئيسياً ويعمل لديه مساعدون بنفس المعهد الطبي.
ونوّه د. مطر إلى أنّه شارك عام 2005 في أول مؤتمر عالمي لطب الذكورة، حيث كان الممثل الوحيد لدولة روسيا، الأمر الذي أثار إعجاب البعض، ومعارضة الآخرين كمدرسيه في المعاهد التعليمية الأخرى، كونه من أصول فلسطينية وحصل على الجنسية الروسية.
وبيّن أنّه عمِلَ كنائب لرئيس المعهد الفيدرالي للبحوث العلمية في طب وجراحة الأطفال حتى عام 2015، لكنّه قرر بعد ذلك الانتقال إلى العمل الخاص وافتتح مستشفى خاص به.
تطوير أساليب الجراحة
كما طوّرَ د. مطر أساليب مختلفة من العلاج الجراحي لأمراض الجهاز التناسلي، بالإضافة إلى أنّ له أكثر من 120 ورقة علمية في المطبوعات الروسية والأجنبية، عدا عن مشاركته في المؤتمرات والاتفاقيات العلمية الروسية والدولية.
فيما أصبح د. مطر في العام 2007 رئيساً لقسم جراحة المسالك البولية وطب الذكورة، حيث كشف أنّه كان أصغر رئيس قسم لجراحة المسالك البولية "سناً" وهو في سن الـ35 عاماً.
ونبّه إلى أنّ مشوار نجاحه بدأ منذ العام 2005، عبر تشكيل ورشات عمل والمشاركة بعدة مؤتمرات أوروبية وعالمية، بالإضافة لعمل عدة عمليات جراحية في دول الاتحاد السوفيتي سابقاً.
واستذكر د. مطر الأسبوعين الأسودين في بدايات حياته، الأول في عام 1991 بعد فوضى انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث عاش ما يقرب الأسبوعين متنقلاً ما بين مطار فنوكوفو في موسكو ومحطات الباصات بسبب عدم وجود مكان للعيش به وفقدان المنحة الدراسية، الأمر الذي اضطره للذهاب لأوكرانيا ودراسة سنة كاملة هناك قبل عودته لموسكو وإكماله الدراسة.
إجراء عمليات في غزّة
وفي العام 2012 أجرى د. مطر عدة عمليات نادرة من نوعها في العديد من مستشفيات قطاع غزّة، المختلفة، وأوضح أنّه أجرى العشرات من العمليات للعديد من المواطنين في القطاع ممن لم يُحالفهم الحظ في الخروج لإجراءها بإسرائيل كونها الدولة الوحيدة المجاورة التي تستطيع إتقانها.
وأكّد على أنّ نسبة النجاح في العمليات التي أجراها بمستشفيات قطاع غزّة كانت عالية جداً، علماً بأّن عدداً من الحالات أجروا مثل هذه العمليات في مستشفيات مصر وغيرها من البلدان أكثر من مرة ولم تنجح.
كما بيّن د. مطر أنّه بالإضافة إلى عمله الحالي، يُقدم إجابات حول أي استفسارات عبر موقعه ال‘لكتروني http://matar.ru/ أو الإجابة على ما يصله عبر الإيميل بشأن جراحات المسالك البولية والأمراض المتعلقة بها.
خططه المستقبلية
كشفَ أنّه قرر تأسيس جامعة كاملة للتعليم العالي في فلسطين مجهّزة بأحدث الأساليب العلمية والطبية، لافتاً إلى أنّه يعمل على قاعدة واحدة في حياته، وهي: أنّه "كأجنبي ولكي يكون بنفس مستوى المواطن الروسي يجب أنّ يعمل ضعف ما يعمله الروسي، أما لكي يتفوق الأجنبي على الروسي فعليه أنّ يعمل بأكثر من ثلاثة أضعاف مما يعمله المواطن الروسي".
وشدّد د. مطر على أنّه "لا يمكنه التوقف عند مستوى معيّن، حيث يتصور حياته كالسلم الخشبي، وكل مرحلة من حياته كدرجة واحدة من هذا السلم، وكل خطوة يصعدها للأعلى تصل النيران للدرجة الأخيرة وتحرقها".
وقال: "لا يُمكنني التوقف أبداً وإلا ستأكلني النيران على الدرجة الأخيرة، وفي نفس الوقت لا أعرف نهاية السلم أو الدرجة الأخيرة له"، مُشيراً في ختام حديثه إلى أنّه لا يعتبر الإنسان ناجحاً إلا إذا تحدث الآخرين عنه، وعند تقديم الشكر له من قبل المريض.