لبنان: من الاحتجاج .. إلى الثورة المنشودة!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

هاني حبيب

ما هي إلاّ ساعات قليلة على قرار السلطات اللبنانية بفرض رسوم على مكالمات «واتس آب» لدعم خزينة الدولة الفارغة، حتى خرج مئات آلاف المواطنين اللبنانيين إلى الشوارع في موجة غضب وثورة على النخب الحاكمة التي تدير النظام اللبناني، في حالة استحضار لثورات الربيع العربي، واستعادة لروح الثورة ضد الفساد والمحسوبية والرشوة وانسداد الأفق ونهب المال العام. هي ذات الحال التي بدأت ثورة اقتصادية لتتوالى كي تتحول إلى ثورة سياسية في الجوهر منها، وحيث استفادت ثورة لبنان من تجارب الربيع العربي، أثبت النظام اللبناني عدم قدرته على استيعاب دروس وعبر هذه الثورات، عندما لم يدرك عواقب اللجوء إلى معاقبة الشعب بتحصيل المزيد من أمواله لصالح خزينة النهب العام الرسمية، فهو، النظام اللبناني، لم يعد قادراً نظراً لاستفحال النظام الريعي في مؤسساته الاقتصادية والمالية، على دراسة المزاج الشعبي، الذي صبر طويلاً ولكنه لن يصبر إلى الأبد، كما بات الأمر عليه عند اندلاع هذه الثورة.
ويختلف الحراك الثوري اللبناني الأخير، عن تلك الانتفاضات والتحركات الصغيرة والمتكررة التي كانت تحدث بين وقت وآخر، من حيث أن هذا الحراك الثوري الأخير، جمع كل فئات الشعب اللبناني في ثورة حقيقية على التركيبة الطائفية ومخرجاتها السياسية والاقتصادية والمالية، وفي حين ان موجة الإصلاحات الجزئية التي تقدم بها النظام في محاولة منه لإجهاض هذا الحراك، أثبتت عجز النظام الطائفي على تلبية الحدّ الأدنى من شروط العيش الكريم للشعب اللبناني، من ناحية، وأن تراجع هذا الحراك نسبياً، ما هو إلاّ استعداد لشحذ قوى الشعب من أجل مواجهة حقيقية مع النظام الطائفي، وهذه المرة، فإن الأهداف السياسية لهذا الحراك ستتجاوز ما كان قائماً بهدف الإطاحة بهذا النظام الطائفي، مستفيداً ـ هذا الحراك من هذه الموجة الثورية التي تجاوزت الأحزاب والطوائف، مع أن الفرق بينهما، الأحزاب والطوائف، بشكل عام محدود جداً، باعتبار أن قادة معظم الأحزاب، هم قادة الطوائف.
ولعلّ الموجة القادمة من هذا الحراك الثوري، يضع بالاعتبار أن العفوية والارتجال ليست بالضرورة أمراً إيجابياً، فالثورات بحاجة إلى النظام والتنظيم ورسم السياسات والمنهج والأدوات، قد يكون مقبولاً إلى درجة ما، عفوية الحراك وربما حتى فوضويته، ولكن ذلك من شأنه نجاح السلطات في دفن هذا الحراك، حتى لو أدى ذلك إلى سفك الدماء بدواعي الأمن وتدخل أطراف خارجية، إلى ما هنالك من مبررات سمحت للأنظمة في قمع الثورات عليها.
ومن «حسن حظ» الثورة اللبنانية، أن بإمكان استيعاب دروس ثورات الربيع العربي، التي آلت في كثير من الأحيان، إلى إضعاف من كان يجب الثورة ضدهم والذين تمكنوا نتيجة لحسن تنظيمهم والخشية على مصالحهم من حرف الثورة الشعبية عن أهدافها، نتيجة لعدم تحديد من هو العدو الحقيقي للثورة الحقيقية!