أزمة إعلام .... والأزمة !!!!

حجم الخط

بقلم وفيق زنداح

 

 مجموعة الازمات عاكسة علي كافة وسائل الاعلام بكافة منطلقاته وسياساته ...فلا تخلو نشرة اخبارية أو برامج حوارية أو افلام وثائقية ....ومانشتات الصحف والمجلات والتقارير الاخبارية والتحقيقات الصحفية ....الا وتكون الازمات حاضرة ومتصدرة بإعلامنا المقروء والمسموع والمرئي ....وما يجري عبر المواقع الالكترونية وشبكات التواصل بشتي مسمياتها .
مساحات واسعة من وسائل الاعلام تتحدث عن أزماتنا الداخلية بالشرح والتفصيل...بالتحليل والتوضيح ...بالتبرير والتحميل علي طرف دون الاخر..... كل بحسب المصدر الاعلامي ومنطلقاته وسياساته التحريرية ....والمالكين لهذه الوسيلة .....أو تلك من أحزاب وحركات وحتي أشخاص مستقلين .
وقت طويل تبذل فيه الجهود المضنية ...بمساحات شاسعة من الفضاء التلفزيوني والاذاعي ....ومليارات الكلمات المكتوبة والمصفوفة ....عبر صحف ومجلات ومواقع الكترونية ...وباتجاهات متعددة ....تتوافق بجزء منها ...وتتعارض بأجزاء اخري ...والمحصلة النهائية مخاطبة كل وسيلة اعلامية لمن يريدها ....أو ما يتوافق معها ...والقليل مما يعارضها ...ويختلف معها .
الخبر الاعلامي بمضمونه ومحدداته ومهنيته لا يختلف ...أو يجب أن لا يختلف ....في مضمونه ..الا بالقدر الشخصي التحريري ومنطلقاته ....علي اعتبار أن المضمون الخبري واحد ...وما يحدث من تغيير يأتي ما بعد الخبر من تحليل ورأي ..وتوجيه للرأي العام ...وهنا سنجد العديد من التحاليل والمانشتات والمقالات .....والتي قد تحدث اضافة للخبر أو تقليل من محتواه مما يجعل من الخبر وأولويته بحسب أهميته .
لا زالنا نتأرجح ما بين اعلام الثورة ...واعلام السلطة ....علي طريق اعلام الدولة ....فهناك اعلام رسمي ..واعلام حزبي ...واعلام مستقل ....لكنه يصب بخانة أحد الفصائل والحركات السياسية بأغلبيته العظمي ....كما أن جمهور المتلقين موطر بأغلبيته ..أو مناصر لهذه الحركة أو تلك ....وهذا ما يحدد الفئه المستهدفة والمطلعة من القراء والمستمعين والمشاهدين ....قليل من الجمهور الذي يشاهد او يقرأ او يستمع لوسيلة اعلامية ....لا تعبر عن انتمائه السياسي ومنطلقاته الفكرية ......وهذا ما يصب في حقيقة أن الوسائل الاعلامية بمعظمها تخاطب ذاتها ...وتخاطب جمهورها ...ولا تخاطب المعارضين لها ...أو المختلفين مع أراءها ...وهذا ما يضعف من قدرة التأثير الاعلامي .....وما يكمن من مشكلة في الاعلام الحزبي الذي لا زال مخاطبا لذاته وأنصاره .
الاعلام الفلسطيني لم يأخذ فرصته ووقته المتاح لبذل جهد أكبر وأوسع واشمل في مجالات متعددة من العلوم والتربية والسيكولوجيا ...الصحة والرياضة ....الصناعة والتجارة ...والزراعة الشباب وقضاياهم ..... التعليم وأزماته ...الصحة وأزماتها ...البنية التحتية وضعفها ...المؤسسات الخدمية وما يجري بداخلها .....الفساد والافساد ...وسياسة الافشال ...عيوب مجتمعية ...وظواهر سلبية ....المرأة وقضاياها المجتمعية والنفسية والصحية والعلاقات الزوجية ...وما يترتب عليها من قضايا واشكاليات ...الميراث واشكالياته ....الطفولة وامتهانها ....الانسان وامتهان كرامته ....وتجاوز حقوقه والعبث بمقدراته ..وحياته .....قضايا عديدة لا حصر لها .....من الازمات والمشاكل الاجتماعية ....الاقتصادية ...والنفسية ...لا زالت تراوح مكانها دون أن يتم التطرق لها ...أو يتم العمل علي حل معضلاتها .....ومشاكلها ....وكأن المجتمع يسير بذاته.... ويتفاعل من داخله ....ويعالج نفسه ....بما توفر من امكانيات ذاتية ....ومن قدرات ذهنية ...وتجارب شخصية .....وكأننا نفتقد الي المؤسسات العاملة والمتخصصة .... بمجالات عديدة ومتعددة ....لا نسمع عنها الا اسما يردد ...عبر وسائل الاعلام ....دون أن نري ونلمس أهداف تتحقق ....ومعالجات عملية .....لقضايا مزمنة لا زالت تراوح مكانها ...وتفاقم من أزماتها داخل المجتمع .
الاعلام الفلسطيني ....وكأنه قد تواجد للتعبير عن أزمات سياسية لا زالت ماثلة أمام الاعين ...وتزداد بضراوتها وشراستها ....كما العلاقات الوطنية وما يجري من صراع واحتدام ....ومن مناكفات وتجاذبات .....وحملات اعلامية ...عناوينها تشهير وقذف بالكلمات والمواقف .....مما انعكس بالسلب علي الجمهور المتلقي الذي كفر بالإعلام .....والمتحدثين فيه ..وهم يقتلون أماله ...ويحطمون معنوياته .....ويجعلون من واقعه سوادا ...ومن مستقبله مجهولا .
الخطاب الاعلامي الفلسطيني ما زال علي حاله من الرتابة والتواضع ....وغياب الرواية القادرة علي التأثير ..واحداث التغيير في الرأي العام ....الذي لا زال يستمد معلوماته ....وأخباره من اعلام عدونا .....فمن يحدد كيفية استشهاد شبابنا ...اعلام عدونا ...ومن يحدد أحوالنا وظروف معيشنا اعلام عدونا ......من هنا تكمن مشكلة الرواية ووسيلة ايصالها ....وما يجب أن يحدث علي الخطاب الاعلامي الفلسطيني من تجديد وتحديث في الصياغات ...والمفردات ...والمحتوي .....وحتي تطوير الوسائل القادرة علي ايصال الرسالة للفئات المستهدفة .
اعلام الازمة ....والذي ازداد في ظل الانقسام الاسود.... علي اعتبار أن الانقسام وتبعاته وأزماته قد شكل واقع ومناخ ملائم ....لإجراء سباق المزايدات ...وتهيئة مناخ المناكفات وتعميق التجاذبات وتباعد المواقف ....وحتي الاهداف ....وهذا ما يتم تلمسه من خلال النقاط التالية :
أولا : ملكية وسائل الاعلام بشتي أنواعها تلعب دورا بارزا في تعميق الازمة ....وليس العمل علي حلها .
ثانيا : مضمون الخطاب الاعلامي بحسب المزاج العام للفئة المستهدفة للوسيلة الاعلامية ومالكيها .
ثالثا : موضوعات الازمات الداخلية وترتيب أولوياتها الوطنية بحسب الوسيلة والجهة المتنفذة فيها ....وليس الواقع ومتطلباته .
رابعا : طبيعة الاوضاع الداخلية وتفاقم الازمات يفسح المجال لإعلام الازمة أن يأخذ طريقه ....وبالطريقة الذي يراها مناسبة ...والملائمة بتوجهاته وأهدافه.
خامسا : الاولوية السياسية والوطنية لم تعد ضمن اولويات كافة الوسائل الاعلامية الا بقدر اقترابها أو تباعدها عن التوجهات والسياسات والجهات المالكة لتلك الوسائل ومدي مواقفها من تلك الاولويات .
سادسا : الفصائل والحركات السياسية وفي ظل الخلافات والتجاذبات يعملون بطريقة أو باخري الي تعميق الازمات الداخلية وليس العمل علي حلها .
هناك الكثير من النقاط التي يجب التطرق لها بهذا الصدد ...لكنها بداية للحديث والتطرق للقضايا الاعلامية ...ومضمون أهدافها وأولوياتها .
الاعلام الرسمي وقد أكد بالعديد من المراحل علي حالة انضباطية بالتزامه بالمهنية ...بأكثر من الاعلام الحزبي الذي يأخذ علي عاتقه اعلام الاثارة ....ودغدغة العواطف ....والتعامل بأساليب التعبئة التنظيمية ....وصناعة المعنويات.... بما يخدم التوجهات والاهداف للجهة المالكة لهذه الوسيلة .
هناك تداخل كبير ما بين اعلام الازمة ...وأزمة الاعلام ....باعتبارهم قضيتين متلازمتين ... يؤثر كل منهم بالأخر ....في أليات العمل الاعلامي ومضمون الكلمات والمفردات ......والتحليلات والصياغات ....والتي تحدث صياغة للرأي العام .....بصياغات مختلفة ومتناقضة ...وبعبارات لا تساعد علي وحدة الموقف ....وهذا ما ينعكس بالسلب علي المجتمع الداخلي والعلاقات الوطنية .
نحن بأمس الحاجة الي مساحة شاسعة من الحرية والديمقراطية ...والي مساحة كبيرة من المهنية والقدرة علي العمل الاعلامي ....كما نحن بحاجة الي وسائل اعلامية منضبطة ...وذات أهداف أكبر من أهداف الحزب أو الحركة .....نحن بحاجة الي قانون يمنح المزيد من الحريات ....ويمنح المزيد من القدرة على امتلاك شجاعة الرأي ...وطرحه ..ونشره ...كما نحن بحاجة الي قيادات قادرة على التعاطي مع كل ما يكتب ويقال ....بوسائل الاعلام بقدرة عالية ...ومسئولية كبيرة ....وأن لا تبقي وسائل الاعلام بكل مكوناتها وأنشطتها تتحدث مع نفسها ...وصانعي القرار لا يهتمون ولا يكترثون بما يأتي بهذه الوسائل الاعلامية ....الا بالقدر الذي يشيد بهم .....أما ما يجب عليهم عمله ....فهذا متروك للزمن المفتوح ....وللشخص أو الفصيل أو القيادة القادرة علي التنفيذ .
نحن لا زالنا بحاجة الي الكثير لمثل هذه القضايا المتداخلة والمتلازمة ....لكنها البداية التي سيأتي ما بعدها ....للحديث عن كل وسيلة اعلامية بمفردها ....حتي تكون الصورة أكثر وضوحاً.