قميص عثمان ...!

حجم الخط

بقلم د. عبد الرحيم جاموس

 

 إن المشهد السياسي العربي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم منذ أن بدأ ما عرف ((بالربيع العربي))، وذلك لتداخل عديد من الأسباب والعوامل في إحداث ما يحدث، حيث يصعب فصل هذه الأسباب والعوامل بعضها عن بعض لتقدير فاعلية كل سبب منها، ويغيب عن ذهن الكثير من المحللين والمسؤولين أن السبب الرئيسي الكامن في تفاصيل الحالة العربية ومشهدها السياسي المعقد، يكمن فيما عرف بالقضية الفلسطينية، والتي سميت لوقت طويل بالقضية العربية المركزية، لقد واكب ولادة كثير من الدول العربية المتداعية اليوم صناعة القضية الفلسطينية، وإقامة كيان الإستعمار الصهيوني، ما مثل جرحاً وطنياً وقومياً ودينياً عاما للعرب وللمسلمين، مما دعى كل دولة بل وكل تشكيل سياسي عربي قومي أو ديني أن يعتبر القضية الفلسطينية، ومواجهة العدو الصهيوني قضية رئيسية على رأس إهتماماته وبرنامجه، حتى باتت تعرف القضية الفلسطينية ((بقميص عثمان)) وأصبح هذا القميص هو المدخل السهل لكسب قلوب الجماهير العربية، والتحشيد السياسي لهذه التشكيلات أو لتلك الحكومات، وجرى تغييب الاستحقاقات الأساسية الواجب الوفاء بها للشعوب في سياسات وبرامج الحكومات والأحزاب على السواء، وفي مقدمتها بناء الدولة الناجحة، وتحقيق الإلتحام الاجتماعي بين أفراد الشعب وطبقاته وطوائفه المختلفة، وإنضاج مفهوم المواطنة والولاء للوطن وللدولة، وصولاً إلى تحقيق التنمية والرفاه الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق الأمن والأمان للمواطن في دولة المؤسسات والقانون، تحت هذه الذريعة المدعاة في التصدي للإستعمار الصهيوني، وحلّ القضية الفلسطينية التي ما زالت بعد مرور إثنان وسبعون  عاماً عليها تراوح مكانها، ويزداد جرحها عمقاً يوماً بعد يوم.

إن إغتصاب فلسطين مثل فعلاً الزلزال المركزي للمنطقة العربية، ومثل سبباً رئيسياً في الفشل الذريع للدولة العربية في تحقيق أهدافها الوطنية والقومية، إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من تردي، وما تشهده اليوم بعض الدول العربية من انهيارات إلا هزات ارتدادية لهذا الزلزال المركزي ((قضية فلسطين)).

إن التعاطي مع النتائج لن يمثل حلاً ناجعاً، ولن يصل إلى حلول شافية لأزمات الدول العربية ومجتمعاتها المتصدعة، دون التعاطي مع جذر هذه الأزمات والصراعات، وهو القضية الفلسطينية، ولأن أدرك الفلسطينيون مبكراً هذه الإشكالية، والدور المركزي لقضيتهم في المنطقة فقد سعوا لإيجاد حلٍ لقضيتهم ولو مرحلياً، إلا أن سياسة الإتجار بقضيتهم من قبل تلك التشكيلات السياسية وخصوصاً منها ((الدينية الشعار)) في المرحلة المتأخرة، ودخول دول إقليمية أخرى على خط الإستخدام السياسي للقضية الفلسطينية والتي تسعى إلى بسط نفوذ إقليمي يتجاوز حدودها الوطنية، مثل إيران وتركيا، زاد من تعقيدات القضية الفلسطينية وأعاد توظيفها في حساباتها الحزبية والإقليمية، وزاد في خلخلة الوضع الفلسطيني والعربي برمته.

فهل تدرك الدول والنخب العربية والدول ذات النفوذ الإقليمي والعالمي هذه الحقيقة، وتسارع إلى فرض حل عادل لقضية فلسطين، لأنه يمثل المدخل الصحيح والطبيعي لحل مشاكل وأزمات المنطقة والدول العربية عموماً...؟!